آخر الأخبار
موضوعات

الأحد، 30 سبتمبر 2018

- الأسس التي عليها صلاح الوطن والمجتمع

عدد المشاهدات:

الأسس التي عليها صلاح الوطن والمجتمع
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
********************************************
الحمد لله رب العالمين، اختار لنا خير الأديان ديناً وهو دين الإسلام، وأنزل علينا خير كتابٍ أنزله للناس وهو القرآن، وخصَّنا بخير نبيِّ أرسله للأنام وهو الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام.
سبحانه سبحانه أكرمنا بكل ذلك وأكرمنا بعد ذلك بأن جعلنا خير أمة أخرجت للناس، فضَّلنا على سائر الأمم، واختصنا بفضله وخيره منذ القدم، وجعل لنا في الدنيا شفقته ورحمته وحنانه ومغفرته، وجعل لنا في الآخرة جنته وجوار أحبته.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل القرآن تبياناً لكل شي، وجعل النبي المصطفى صلى الله عليه وسلَّم طبيباً إلهياً به الشفاء من كل داء.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، اختاره الله عزَّ وجلَّ لرسالته على حين فترة من الرسل، وجعله خاتم النبيين والمرسلين وأنزل عليه كل ما ينفع الناس إلى يوم الدين في دينهم ودنياهم ويرفعهم درجات عند رب العالمين.
اللهم صلى وسلِّم وبارك على سيدنا محمد المثل الأعلى للكمالات الإلهية، والنموذج الأقوم لإصلاح كل البشرية، صلى الله عليه وعلى آله الأتقياء، وصحابته الأنقياء وكل من سار على هديه ومشى على دربه إلى يوم العرض والجزاء، وعلينا معهم أجمعين آمين آمين يا رب العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
ونحن في هذه الأيام المباركة نسمع الكثير والكثير عن المشاكل التي نعانى منها، والتي يعانى منها مجتمعنا في مصر وخاصَّة المشكلة الاقتصادية، الكساد في البيع والشراء، وقلة فرص العمل للعاطلين وانتشار الفقر ويتبع ذلك ما نراه من سوء الأخلاق والشقاق والنفاق، وظهور ما لا يحمده الخلق في كل الآفاق.
إن هذا الذي نراه هو الذي كان في بداية الدعوة الإسلامية بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إلى المدينة المنورة.
هاجر من مكة إلى المدينة، وهاجر معه المسلمون بعد أن تركوا دورهم وأموالهم وزراعاتهم وتجاراتهم واستولى عليها الأعداء، وكان الأنصار في المدينة قلة قليلة، وقاطعهم العرب، وصنعوا شبه مقاطعة اقتصادية ليحاصروا النبي صلى الله عليه وسلَّم ومن معه.
ضيقوا عليهم الأسواق وغلقوا أمامهم تبادل المنافع في البيع والشراء وما سوى ذلك، كيف حلَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم هذه المشكلة الاقتصادية وهذا الذي نحن في أمَّس الحاجة إليه الآن؟
نحن أجمعين في حاجة إلى العمل بقول الله لنا أجمعين:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا (21:الأحزاب).
ما الخطة الإلهية التي رسمها الله عزَّ وجلَّ للحضرة المحمدية والتي بها حُلت كل المشاكل الاقتصادية في مجتمع المسلمين؟
مجمل هذه الخطة حتى لا نطيل عليكم كان في أمرين:
تنفيذ خطة للتربية الإيمانية القرآنية للمنتسبين لهذا الدين،
ثم تنفيذ خطة تشريعية قرآنية للتجارة والتعامل في الأسواق والشوارع وفى البيع والشراء بين المسلمين.
بدأ النبي صلى الله عليه وسلَّم الخطة التي رسمها له الله في كتاب الله، وكانت بدايتها تحقيق الأخوة بين المؤمنين، كل مسلم أخٌ لكل مسلم، وإن كان هذا المسلم ليس من جنسه ولا من بلده ولا ما عائلته، لكن الله قال في محكم قرآنه:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (10:الحجرات).
كل المؤمنين في كل الأصقاع والبقاع أخوة،
وماذا ينبغي نحو هذه الأخوة؟
ينبغي أمرين:
الأمر الأول: يقول فيه الله جلَّ في عُلاه:
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47:الحجر).
القضاء على كل الأمراض النفسية والمعنوية التي تؤجج الخلافات، والتي تثير المشاكل والمنازعات والتي تجعل المسلمين والمسلمات كأنهم أعداء ألدَّاء، مع أنهم أخوة فوق الأشقاء كما ذكر الله في كتاب الله جلَّ في عُلاه.
طهارة النفس والقلب من الحقد والحسد والكُره والبُغض وكل ما يمَّس أخاه المؤمن بسوء ظاهرٍ أو باطنٍ.
فلا ينبغي لمؤمن يريد أخوة الإيمان أن يطوى في قلبه حقداً أو حسداً لنفرٍ من أهل الإيمان، قال صلى الله عليه وسلَّم لأنس بن مالكٍ رضي الله عنه:
(يا بنىَّ إن استطعت أن تبيت وليس فى قلبك غلٌ ولا حقدٌ ولا حسدٌ لأحدٍ من المسلمين فافعل، فإن ذلك من سنتي ومن فعل سنتي كان معي في الجنة).(1)
من الذي يريد أن يكون مع رسول الله في الجنة؟
هاكم الباب وهذه هي الأوصاف التي من تجمَّل بها تمرَّغ في هذا الجناب، وكان مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في الجنة العُليا يوم العرض والحساب.
ثم ملأ هذه القلوب بالحب للمؤمنين ولله ولكتاب الله ولرسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
حتى جعل من شروط الإيمان وتمامه لا يكون المؤمن قوى الإيمان صحيح الإيمان عند مولاه إلا إذا أحب للمؤمنين جميعاً ما يحبه لنفسه:
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)(البخار ومسلم عن أنس رضي الله عنه)
وارتقى معهم في درجات الإيمان فجعل من شروط تمام الإيمان أن يشعر المؤمن بأحوال من حوله من المؤمنين إن كانوا مرضى أو فقراء أو عجزة أو ضعفاء يحتاجون إلى مساعدة أو معاونة، من الذي يساعدهم ويعاونهم؟ إخوانهم المؤمنين ومن حولهم من المؤمنين الصادقين، وقال صلى الله عليه وسلَّم:
(لا يؤمن أحدكم ـ أي إيماناً تامّاً صحيحاً ـ من بات شبعان وجاره جائع ولا يشعر به).(2)
لابد أن يشعر بجاره إن كان جائعاً أو مُشبعاً، إن كان في خصاصة وحاجة، إن كان غنياً ولا يحتاج إلى حاجة، حتى جعل المؤمنين أجمعين رجلاً واحداً، إذا كان بينهم مودة وتراحم وتعاون وتعاطف:
(ترى المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى عُضوٌ منه، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).(البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما)
ربىّ النبي صلى الله عليه وسلَّم أحبابه على هذه التربية فكان الأنصار يتنافسون في استقبال المهاجرين، حتى وصل الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلَّم عندما كان يأتي رجلٌ مهاجر ويتصارع الأنصار على اصطحابه وضيافته، يُجرى بينهم قرعة، ومن خرجت له القرعة فكأنما قد فاز فيأخذه وفيه رضاً نفس، وبحبٍ ومودةٍ يقتسم ماله بينه وبينه نصفين، ويقسم داره بينه وبينه نصفين، حتى قال الله عزَّ وجلَّ فى هؤلاء الذين هذا شأنهم:
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9:الحشر).
فكانوا يتبارون في ذلك حتى رُوى عنهم الأعاجيب.
رُوى عنهم أن رجلاً من الفقراء تصدق عليه أحد الأغنياء برأسٍ في عيد الأضحى، فجلس مع زوجته وقال: يا أم فلان إني أرى أن أخي ـ أخيه في الله ـ فلاناً هو أحوج إلى هذه الرأس منى، قالت: اذهب إليه وأعطيها له، فذهب إليه وأعطاها له، وجلس الثاني مع زوجته وقال: يا أم فلان إني أرى أن أخي فلان أحوج إلى هذه الرأس منى، قالت: فأعطها له، وذهبت الرأس إلى سبعة دور ثم رجعت إلى الأول مرةً أخرى.
ماهذه التربية الإلهية؟ وما هذه الأخلاق الكريمة النبوية؟
بل إن هذا الإيثار لم يكن حتى وهم يعيشون فيما بينهم في المدينة المنورة، بل كان حتى وهم في النزع يترقبون خروج الروح إلى الدار الآخرة.
روى رجلٌ منهم أنه كان في واقعة اليرموك في بلاد الشام، وكانت مع الروم وسقط أبن عمه جريحاً فأخذ يبحث عنه ومعه ماءٌ ليسقيه، وعندما وصل إليه إذا بجريحٍ آخر يشير بأصبعه إلى الماء، فأشار إليه ابن عمه أن اذهب إليه، فذهب إلى الثاني فإذا بجريح ثالثٍ يهفوا إلى الماء فأشار الثاني إليه أن اذهب إلى هذا، فذهب إلى الثالث فوجده قد مات، فرجع إلى الثاني فوجده قد مات، فرجع إلى ابن عمه وهو الأول فوجده قد مات، مات الثلاثة ولم يشربوا الماء، ولكنهم فازوا بقول الله في كتاب الله:
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9:الحشر).
ما أحوجنا إلى هذه التربية الإيمانية في هذا الزمان، حتى تنتشر المحبة والمودة بين المسلمين، وينتشر التعاطف والتواد والتراحم بين جموع المسلمين.
هكذا كان الجانب في تربية رسول الله لصحبه الكرام لكي يهيئهم للقضاء على هذه المشكلة الاقتصادية.
قال صلى الله عليه وسلَّم :
(التائب حبيب الرحمن والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) ـ أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الذي أكرمنا بالإيمان وجملنا بالإسلام وجعلنا من أهل الاستجابة للقرآن.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يغير ولا يتغير ويحول ولا يتحول ويُصرف ولا يتصرف، اللهم يا محوِّل الأحوال حوِّل حالنا إلى أحسن حال.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله تركنا على المحجَّة البيضاء ليلها كنارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك.
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه، ووفقنا لحسن إتباعه في الدنيا واجعلنا من أهل شفاعته في الآخرة ومن أهل رفقته في الجنة أجمعين آمين آمين يا رب العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
ثانياً: القضاء على المشاكل الاقتصادية:
كان الجانب الثاني من خُطة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم القضاء على المشكلة الاقتصادية
أنه عندما هاجر وجد التجارة كلها في يد اليهود، هم الذين يتحكمون في البيع والشراء وخاصة في الحبوب التي لا غنى للناس عنها وفى السلاح الذي يحتاجه المدافعون والمجاهدون، وفى الذهب الذي تتزين به النساء، فكان أول شيءٍ صنعه صلى الله عليه وسلَّم بعد بناء مسجده والموآخاة بين المهاجرين والأنصار أن اختط للمسلمين سوقاً في المدينة خاصَّاً بهم، وجعل لكل مهنة ركناً في هذا السوق، ووضع شروطاً في البيع والشراء لو سار عليها المؤمنون ما وجد مشكلة بين المسلمين في أي زمان أو مكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
كان الأساس الأول في هذه الأسواق قول الله عزَّ وجلَّ:
وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (275:البقرة).
أن تكون التجارة حلالاً لا فيها ربا ولا شبهة ربا، ولا فيها غش إن كان في الصنف أو في السعر أو في أي أمرٍ من الأمور حتى جعل الذي يغش المسلمين يكون يوم القيامة ليس معهم في الدار الآخرة ولا في جنة النعيم فقال صلى الله عليه وسلَّم:
(من غش أمتي فليس منا) (3)ـ وفى الرواية الأخرى:
(من غشنا فليس منا).
الأمر الثاني:
أمر المؤمنين أجمعين أن يتحروا المطعم الحلال وجعلها أساساً لتوقف قبول الأعمال عند الله واستجابة الدعاء، حتى قال صلى الله عليه وسلَّم:
(إن العبد ليرفع اللقمة الحرام ويضعها في جوفه لا يتقبل الله منه عملاً أربيعن يوماً).(رواه الطبراني عن ابن عباس رضي الله عهما)
لا صلاة ولا صيام ولا ذكر ولا تلاوة قرآن ولا أي عمل:
(إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً).(4)
إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ (27:المائدة).
فإذا كان المؤمن يتحرى الرزق الحلال، فيبتعد عن الربا وما يتبعه وما يلوذ به، ويُبعد عنة غش المسلمين، فينبغي عليه بعد ذلك أن لا يحتكر أقوات المسلمين، فمن قام بشراء ما يحتاجه المسلمون ولا يستغنون عنه وجمعه من السوق ثم بدأ يتاجر فيه بثمن فاحش هذا يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم واسمعوا وعوا:
(من احتكر على أمتى قوتاً أربعين يوماً برئ من الله وبرئ الله عزَّ وجلَّ منه).( أخرجه أحمد في مسنده عند ابن عمر رضي الله عهما)
ويقول صلى الله عليه وسلَّم:
(المحتكر خاطئ أخطا طريق الجنة)(رواه مسلم عن معمر بن عبد الله ) ـ لأنه يريد أن يُغلى على إخوانه المسلمين، في حين أنه ينبغي على المسلمين أن يعملوا على رخص الأسعار من أجل إخوانهم الفقراء والمساكين.
أنظر إلى هذا التاجر الصدوق الأمين، والتاجر الصدوق الأمين يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم مبيناً مكانته عند الله:
(التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين).(رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه)
وهذا التاجر الصدوق الأمين حدث شُحٌ في الدقيق في المدينة المنورة، وأصبح الناس لا يجدون دقيقاً يأكلونه أو يخبزونه، وفى وسط هذه الأزمة جاءت له تجارة من بلاد الشام دقيقٌ محمَّلٌ على ألف جمل، فذهب إليه تجار المدينة وقالوا: نريد أن نشترى هذا الدقيق منك، قال: بكم؟ قالوا: ندفع لك ضعف ثمنه، قال: جاءني من زادني على ذلك، قالوا: ندفع لك الضعفين، قال: جاءني من زادني على ذلك، قالوا: ومن هو ونحن تجار المدينة، ولا يوجد في المدينة تجارٌ غيرنا؟
قال: الله عزَّ وجلَّ اشتراه منى بعشرةٍ أضعاف، أشهدكم يا قوم أنى جعلته صدقة على فقراء المسلمين:
رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالابْصَارُ (37:النور).
أمر النبي صلى الله عليه وسلَّم هؤلاء التجار أن يبينوا عيوب الصنعة قبل بيعها، وإلا كان ذلك غشاً للمشترين، ولا يستغلوا جهل المشترى فيبيع له البضاعة بضعف ثمنها، لأنه لا يعرف الثمن لأن هذا غشٌ له، وأن المشترى إذا رأى أن يرجع في سلعته فلا عليهم أن يقيلوه ويأخذوها منه ويردُّوا له ما دفعه، فإذا فعلوا ذلك أقال الله عثراتهم يوم القيامة.
خرج الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه إلى السوق وكان تاجراً، وبينما هو سائر وجد رجلاً اشترى حُلةً من حانوته ـ وكان يعرف بضاعته ـ فقال: يا هذا بكم اشتريتها؟ قال: بأربعمائة دينارا، قال: إنها لا تساوى أكثر من مائتي ديناراً، قال: أنا رضيتُ بذلك وهى عندنا في بلادنا أغلى من ذلك، قال: لكنى لا أرضى بذلك وقد أُخذ العهد علينا أن لا نغش مسلماً، يا هذا إما تردَّها وتأخذ نقودك، وإما أن تأخذ الزائد عن ثمنها لأننا أخذ علينا العهد أن ننصح لكل مسلم وأن لا نغش المسلمين.
تجارٌ أبرارٌ يتعاملون مع المؤمنين كلهم على أنهم إخوةٌ في الدنيا وأخوة يوم القرار.
وذهب إلى السوق ذات مرةً في الصباح وعندما فتح الحانوت جاءه رجلٌ كان قد اشترى بضاعةً بالأمس، وقال: يا سيدي خذ بضاعتك واعطنى ثمنها إن أمي لم ترضى بها، فأعطاه ثمنها ثم قال: يا غلام غلِّق الحانوت، قال: ولم ولم نبع شيئاً اليوم؟
قال: إني جئت اليوم وأنوى العمل بحديث رسول الله الذي يقول فيه:
(من أقال نادماً صفقته أقال الله عثرته يوم القيامة).(5)
وما دمت وفقني الله وعملت بالحديث فلا حاجة لي في البيع والشراء اليوم
إخوة الإيمان نحتاج إلى هذا الصنف من التجار وهم منا جماعة المؤمنين، فإذا كنا على ذلك كانت كل أمورنا ميسرة وكل أحوالنا ميسرة، لأن الله عزَّ وجلَّ قال في المؤمنين أجمعين:
"مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "97( النحل)
إذا ما أسباب مصائبنا في هذا الزمان؟ تفشى الأنانية، والأثرة وانتشار الحقد والكره والبغض بين من؟ بين المسلمين، يا ليت هذا على الكافرين والمحاربين لهذا الدين، لكن أغلب المحاكم ومن فيها من المسلمين بل الأخوة، واسمع إلى هذا واسمع لذاك، لترى في عباراتهم وألفظهم قسوة الحقد التي في قلوبهم على إخوانهم.
إخواني جماعة المؤمنين:
﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (11: الرعد).
ثم الدعاء .............
*****************************************
(1) رواه الترمذي عن أنس بن مالك قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل ثم قال لي يا بني وذلك من سنتي ومن أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة
(2) رواه الطبراني في الكبير عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به. ورواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه.
(3) رواه الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة من طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال يا صاحب الطعام ما هذا قال أصابته السماء يا رسول الله قال أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس ثم قال من غش فليس منا وفي رواية مسلم فليس مني
(4) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا } ( المؤمنون : 51 ) ، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ( البقرة : 172 ) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمدّ يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذّي بالحرام ، فأنّى يُستجاب له ؟ )
(5) قد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أقال مسلماً أقاله الله عثرته يوم القيامة) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: حَدِيثُ {مَنْ أَقَالَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ صَفْقَةً كَرِهَهَا , أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . أَبُو دَاوُد , وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ , وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
**************************************************
من خطب فضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير