آخر الأخبار
موضوعات

الثلاثاء، 7 يونيو 2016

- اليوم السادس من أيام الله: يوم الحساب

عدد المشاهدات:
قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾،  [47،الأنبياء].
والموازين هي المعايير والمقاييس التي يحاسب الله الناس بها يوم القيامة، وهي أحكام الله وآدابه، ووصاياه وتعاليمه، وشرائعه ودياناته التي أرسل بها المرسلين إلى الناس في هذه الدنيا، فمن وفَّى فله الجنة، ومن نكث فإنما بنكث على نفسه ولا تظلم نفس شيئا.
وإن عمل الإنسان مثقال حبَّة من خردل وتاهت أو ضاعت في أرجاء السموات والأرض، ولم يعرف عنها أحد شيئا، ولم يذكرها صاحبها، أتى الله بها واحضرها، لأنها في ملكه وملكوته، وفي قبضته. وهذه قدرة عجيبة لم يسمع أحد بمثلها ولا يقدر الثقلين على شيء منها ولو اجتمعوا عليه، فسبحان ذي الملك والملكوت وسبحان ذي القدرة والعزة والجبروت. وسبحان الحي القيوم على كل شيء. لا تأخذ سنة ولا نوم، وهو العلى العظيم، وكفي به حسيبا وحفيظا ورقيبا، وهو سبحانه وتعالى أسرع الحاسبين.
ويوم الحساب يطول بحسب أعمال كل عبد. وقد قال أعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أيكون الحساب على يديك؟ قال النبي: لا قال الأعرابي: أيكون على يد الملائكة ؟ قال النبي: لا. قال الأعرابي: أيكون على يد الله؟ قال النبي: نعم: فقال الأعرابي لنفسه: أبشر يا أعرابي فما استوفي كريم دينه. فقال رسول الله. لقد فقه الأعرابي.
وقد ورد أن رجلا كان يطوف بالبيت ويقول: يا كريم، ورسول الله يطوف وراءه ويقول مثله: يا كريم. فالتفت إليه الرجل وقال له. أتهزأ بي يا أخا العرب؟ والله لولا انك كريم المحيا لشكوتك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله: ألا تعرف رسولك يا أخا العرب؟ فأدرك الرجل أنه بين يدي رسول الله، فقال: يا رسول الله أيحاسبني ربى؟ قال له: نعم. قال الرجل: إن حاسبني على ذنبي حاسبته على مغفرته، وإن حاسبني على جهلي حاسبته على حلمه، وإن حاسبني على ظلمي حاسبته على عفوه، وإن حاسبني على بخلي حاسبته على كرمه، فقال رسول الله للرجل: {أبشر يا أخا العرب، فقد جاء جبريل وقال: يا نبي الله قل لصاحبك أن الله يقول لك ابشر لا نحاسبك ولا تحاسبنا}[1]
وذلك فضل الله وكرمه. اللهم لا تحسبنا فانك إن حاسبتنا أهلكتنا، ولا تسألنا فانك إن تسألنا ضيعتنا، وأدخلنا الجنة من غير سؤال ولا حساب.
ويقول الله في الحديث القدسي: ﴿ينادي المنادي من بطنان العرش يوم القيامة فيقول: يا أهل التوحيد ليعفوا بعضكم عن بعض اعف عنكم[2].
وقال تعالى مذكرا بهذه اليوم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا﴾، [33،لقمان]. وقال تعالى ناعيا على الكافرين حالهم لنسيانهم هذا اليوم: ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾، [14،السجدة].
وقال تعالى متوعدا الكافرين الذين يضلون عن سبيل الله والناسين ليوم الحساب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾،[26،ص]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم}[3]
ومن رحمة الله بعباده المؤمنين، أنه لا يحاسبهم على ما أحل لهم وأباحه إليهم في هذه الحياة الدنيا من الأكل والشرب واللبس، والسكن والزواج وغير ذلك مما أكرم الله به المؤمنين في الدنيا من الطيبات التي أباحها لهم، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، [32،الأعراف].
يعنى تفضل الله بها على المؤمنين في الدنيا، وأكرمهم بها، ثم أسعدهم بها في الآخرة خاصة وخالصة لهم من دون الكافرين، لا يشاركونهم فيها كما كان في الدنيا، لأنها دار أعطى الله الفرصة فيها للجميع، المسلم والكافر، أما الآخرة فهي دار جزاء على ما قدم كل واحد في الدنيا، فحرم الكافر من النعم التي أمدَّه الله بها في الدنيا ولأنه كفر بها ولم يشكر المنعم عليها. وأما المؤمن فقد أسعده الله بها في الآخرة لأنه عرف حقها في الدنيا وأدَّاه وشكر الله عليها.
وإن الجزاء من جنس العمل، فإن شكر الله على نعمه يديمها ويزيدها، وإن جحود حق الله فيها يضيِّعها ويحرم منها في الآخرة.
وقد قال الحكيم:
إذا كنت في نعمة فارعها........ فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله.......... فإن الإله سريع النقم
وقال عزَّ وجلَّ: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾، [7،إبراهيم].
 ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾، [19،النمل].
والحساب هو البحث الدقيق عن كل جزئية وإن صغرت جداً، من جزئيات الموضوع الذي يحاسب الله الإنسان عليه. قال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾، [7-8،الزلزلة].
والله لا تخفي عليه خافية: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾، [19،غافر].﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾، [7،طه].
ويمكن للإنسان أن يتفلت من أي قوه تحاسبه، وأن يكذب عليها، وأن يموه عليها، وأن يمثل أمامها، ويخدعها ولكن الله الذي خلق الإنسان وصوَّره وعلم بكل شيء يكون منه قبل أن يخلقه، هو الذي يحاسب الإنسان، حتى إن حاول الإنسان أن يكذب على الله، أخرس الله لسانه ونطقت أعضاءه وجوارحه بما فعلت. قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، [65،يس].
فسبحان من أنطقها وأنطق كل شيء من أرض وحيوان، وزرع وبحر وهواء، وليل ونهار وفلك، وأشهده على الإنسان بما باشر من أعمال وأقوال وأحوال.
اللهم إنا عبيدك الضعفاء المساكين الأذلاء، فلا تحملنا مالا قبل لنا به من المحاسبة والمساءلة، واجعلنا من الذين أكرمتهم بقولك: ﴿فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، [40،غافر]. وقولك سبحانك: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، [10،الزمر].
وقد قال بعض العارفين:
حاسبونا فدققوا........... ثم منوا فاعتقوا
كذلك شأن الملوك......... بالمماليك ترفق
وقد قال سيدنا ابن عطاء الله السكندري: (الهي كم من طاعة لك بنيتها وحالة شيدتها، هدم اعتمادي عليها عدلك، بل أقالني منها فضلك. الهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار. الهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك!! أيكون لغيرك من الظهر مالا يكون لك حاشا. إلهي فاجمعني عليك بفضل منك يجذبني إليك. إلهي عميت عين لا تراك عليها رقيبا، وخسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبك نصيباً).
يوم الحساب وما أدراك ما يوم الحساب، هو يوم القضاء والفصل بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه. قال تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، [54،يس].
وهو يوم تشيب فيه الولدان من الرعب والخوف، وهو يوم تذهل فيه كل مرضعة عن رضيعها لعظم انشغالها بنفسها، وما تتوقعه عند محاسبتها. وهو يوم ترجف فيه القلوب، وترتعش فيه الأعضاء، وترتعد فيه الفرائص من خوف ما ينزل بها من حكم الحكم العدل، العليم الخبير، الذي ينصف الناس من أنفسهم ومن بعضهم، ولا يظلم أحدًا شيئا.
وهناك سؤال وهو أخف من الحساب بكثير، لكنه نوع من أنواع الحساب اليسير.
قال تعالى:﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾، [8،التكاثر].
وقال تعالى ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾، [6،الأعراف].
وقد يكون السؤال للتكريم والتقدير، كمساءلة الله للمرسلين عن استجابة قومهم لهم، وسؤال الله للمؤمنين عن المرسلين، فإنهم يشهدون للرسل بالتبليغ والنباهة، والحكمة والأمانة، والعصمة والفطانة.
وبانتهاء الحساب مع الإنسان ينتهي يوم حسابه، وتذهب به الملائكة الموكلون به إلى تنفيذ الحكم الإلهي الذي صدر له أو عليه فورا. فإذا كان للجَّنة فقد فاز فوزًا عظيمًا، وإذا دخل النار، أخذ يستغيث بالله ورسوله، فيخرج منها بشفاعة رسول الله، أو بعفو الله – ويسمى عتيق الله من النار – أو بعد انقضاء مدة الحكم الذي عليه، وينتهي أمره بدخول الجنة.
اللهم أجرنا من النار ومن عذاب النار، ومن كل عمل أو قول أو حال يقربنا إلى النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار بفضلك وكرمك يا عزيز يا غفار، بجاه النبي المختار، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.



[1] رواه الغزالي في الإحياء.
[2] رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب عن أنس.
[3] رواه أحمد وابن عساكر وابن أبي الدنيا.

منقول من كتاب أيام الله 
لفضيلة الشيخ محمد على سلامة
وكيل وزارة الاوقاف ببورسعيد
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير