آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 5 أبريل 2017

- كنوز الاسماء والصفات الربانية


إسراء سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فيه لكل مسلم نصيب، ولكل مؤمن عطاء، ولكل محسن مشاهد، ولكل موقن تجليات، فالأمة كلها مكرمة بإسراء ومعراج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وإن اختلفت الدرجات، وتفاوتت المقامات، لكن الكل مكرَّم بإسراء ومعراج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، ومن أجل ذلك فكلنا نقول ونردِّد الكلام الذي قاله الإمام أبو العزائم رضِيَ الله عنه وأرضاه:


فبشرى بمعراج الحبيب وإسراه وبشرى لنا نلنا مشاهد معناه


فكلُّنا لنا البشرى بمعراج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، بعضنا يأخذ مشاهـد المعـنى، وبعضنا ينظر إلى الآيات في عالم المبنى، وبعضنا يُكرَم ويُكرَم من كنوز التقوى، ومن مخازن الإلهامات والفتوحات والتفضلات الإلهية، بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والكل.


ونحن نريد أن نأخذ عطايا نصل منها إلى بعض كرم الله في إسراء حبيب الله ومصطفاه، الذي يناله العباد الذين تجملوا بالعبودية لله عزَّ وجلَّ، لأن الإسراء خصّه الله عزَّ وجلَّ بنبيكم الكريم، ولكنه فتح الباب لجميع الأحباب، فقال عزَّ وجلَّ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} 1الإسراء


لم يقل بنبيِّه، لأنه لو قال بنبيه أو برسوله كان هذا قاصراً على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، لكن كلمة (عبد)فتح بها الباب لكل من يصل إلى مقام العبودية الكاملة لله عزَّ وجلَّ، فكل من يصل - بالتخلق بالأخلاق المحمدية، والتعلق بالصفات الإلهية - إلى رتبة العبدية أو إلى مقام العبودية؛ فله نصيب من ميراث خير البرية في إسرائه ومعراجه إلى الله عزَّ وجلَّ.


فالحمد لله، فتح الله الباب لجميع الأحباب، لكن كل واحد يأخذ قسطاً من ميراث رسول الله في الإسراء، ولا يوجد في الأولين والآخرين أحد يستطيع أن يشاهد كل ما شاهده سيد الأولين والآخرين في وقت واحد، وقد أعطانا الله المثل، بالأنبياء السابقين وهم أعلى الرتب في القرب عند ربِّ العالمين، فمنهم من هو في السماء الأولى، ومن هو في الثانية، ومن هو في الثالثة، ومن هو في الرابعة، ومن هو في الخامسة، ومن هو في السادسة، ومن هو في السابعة.


والملائكة أيضاً، منهم عمَّار السماوات، ومنهم سكان سدرة المنتهى، ومنهم حملة العرش، ومنهم خدم الجنان، ومنهم ملائكة وخزنة النيران، وكل جماعة منهم كما قال أميرهم جبريل عليه السلام: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ}164الصافات


والذي هيمن على كل المقامات، والذي احتوى كل الدرجات، والذي مرّ بكل المنازلات، والذي أخذ كل كنوز الخيرات والبركات، واحد فقط: هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لكن الباقي؛ كل على قدره، كل واحد أخذ كنزاً يستطيع تحمله، وعلى قدر ما له من منزلة كريمة عند الكريم عزَّ وجلَّ.


فآدم عليه السلام أخذ كنز الأسماء والصفات: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء} 31البقرة.
وبعدما علَّمه الأسماء كلها - التي كانت معروفة في زمانه وأوانه - جاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وقال: أن الأسماء أنواع وأصناف: {أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أو اسْتٌّاثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ}{1}


فهناك أسماء اختص بها الله في ذاته وفي نفسه، لا يُعلِّمُها ولا يُعرِّفها إلاّ لخاصة رجال الله، وهو سيدنا رسول الله، لكن آدم علم أية أسماء؟ {بِكُلِّ اسْمٍ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ}، الأسماء التي علَّمها للخلق علّمها لآدم عليه السلام، سواءٌ كان الخلق من الجن، أو الإنس، أو الملائكة، كل اسم عرفه الخلق في زمنه وعصره وأوانه، علَّمه له الله، ليعلمهم آدم ما تعلَّمه من مائدة الإكرام والإنعام من المولى عزَّ وجلَّ.


لكن بعد ذلك الذي استأثر به في علم الغيب عنده، أمر آخر، كذلك ما سمَّى به نفسه، ولم يطّلع عليه أحد من خلقه، هذه كنوز، وما استأثر به في علم الغيب عنده، كنوز أخرى من الأسماء والصفات. وما يعلِّمه الخلق؛ هي هذه الأسماء التي يتفضل الله بها الله على المقربين، والتي نزلت في الكتب السماوية هي الأسماء التي اختارها الله والتي تلائم جميع المستويات والتي نسمِّيها الأسماء التوقيفية مثل: الغفور، الودود، ذو العرش، المجيد، الكريم، الوهاب، وهذه كلها موجودة في الكتب.


وهناك أسماء خاصة يعطيها الله عزَّ وجلَّ لخاصة عباده، كل واحد يأخذ اسم على قدره، وهذا يكون اسماً خاصاً به، لا يوجد في الكتب - حتى القرآن الكريم - لكنها أسماء يستأثر الله بها، ولكنه يخص بها عباده عزَّ وجلَّ المكرمين، وهي أسماء خاصة أيضاً من الله عزَّ وجلَّ.كل هذه الأسماء لم يطَّلع عليها كلَّها، ولا رآها كلَّها، إلاّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.


نأتي إلى سيدنا يحي في السماء الثانية: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} 12مريم
أي خذ الكتاب بشدة، وهذا الكتاب خصّه الله عزَّ وجلَّ به ، لكن كل الكتب السابقة هيمن الله عليها في كتاب الله {القرآن الكريم} وأطلع عليها سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فلا يوجد نبيٌّ تحدث بجميع ما في الكتب إلا هو، كل نبي كان مرتبطاً بكتابه:


سيدنا عيسى لا يتحدث إلا من الإنجيل، وسيدنا موسى لا يتحدث إلا من التوراة، وسيدنا داود لا يتحدث إلا من الزابور، وسيدنا إبراهيم لا يتحدث إلا من الصحف، لكن الذي تحدث عن الكلِّ، واطلّع على الكلِّ هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، حتى عندما سألوه ذات مرة: {يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ صُحُفُ إبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: كَانَتْ أَمْثَالاً كُلُّهَا- قرأها كلها - وَعَلَى الْعَاقِل مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوباً عَلَى عَقْلِهِ، أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ: فَسَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيها نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ المَطْعَمِ وَالمَشْرَبِ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا كَانَتْ صُحُفُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ؟ قَالَ: كَانَتْ عِبَراً كُلُّهَا}{2}
فالذي اطلّع على الكل، وقرأ الكل هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.



{1} عن عبدالله بن مسعود فى مجمع الزوائد والمستدرك على الحاكم.
{2} رواه ابن حبان من حديث أبي ذر رضي الله عنه، ونقله عنه صاحب الترغيب و الترهيب.

- مُعْـجِزَةُ الإِسْـرَاء

مُعْـجِزَةُ الإِسْـرَاء
عَجَائِبُ الإِسْــرَاء
سِرُّ تَعَدُّدِ رِوَايَاتِ الإِسْرَاء
حِكْمِـةُ الْمِعْــــرَاج
عَرْضُ الإِسْرَاء عَلَىَ أَهْلِ مَكَّةَ
بَيَـــانُ الْمِعْرَاجِ للْمُؤْمِنِين
الإِسْـــرَاءُ وَالعَصْرُ الْحَدِيث
الرَّبْـطُ بَيْنَ الدِّيـنِ وَحَقَائِقِ الْعِلْم
ضَوَابِطُ الْرَّبْـطِ بَيْنَ الْدِّيـنِ وَالْعِلْم
تَنْقِيَّـةُ الْقَصَصِ الْدِّيِنِي مَنْ الْخُرَافَات
إِعْجَازُ الْقُرْآنِ الْعِلْمِى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الوهَّاب العليم، يفتح على عباده المؤمنين من علومه العليَّة، وأسراره الوهبية، ما لا يخطر على البال، ولا يَمُرُّ بعقلٍ ولا خيال، وإنما هي مِنَحٌ من فضل ووهب الواحد المتعال عزَّ وجلَّ.
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد بن عَبْدِ الله، الذي جعله الله عزَّ وجلَّ نوراً ساطعاً لكل روح آمنت بالله في مُلك الله أو ملكوته، فهو صلى الله عليه وسلم في كل حركة من حركاته، أو سكنة من سكناته، أو طرفة من طرفاته، كنوز من العلوم والأسرار، لا يَدْرِى بها إلا الأخيار. فصلوات الله وسلامه عليه، صلاة نقع بها جميعاً على كنزِ الكنوز، وسرِّ الأسرار، سيدنا ومولانا محمد وآله الأخيار، وأصحابه الأبرار، وكل من تبعهم إلي يوم القرار، أمين .
إخواني وأحبابي: كل عام وأنتم بخير جميعاً. رحلة الإسراء انفردت بصفات ونعوت غريبة وعجيبة، فهي معجزة، والمعجزة هي الأمر الخارق للعادة الذي يأتي على غير السُّنن المرعية، والقوانين الإلهية التي تنظم الحياة الكونية.
والمعجزات تفضل الله عزَّ وجلَّ بها على كلِّ الأنبياء والمرسلين، فما مِنْ نَبِيٍّ أو رسول إلا وأيدَّه الله بمعجزات من عنده. وحكمة المعجزة كأن الله يقول للمُشَاهِدِ لها، و المُبَلَّغين بها: (هذا عبدي ورسولي، وصدق فيما بلغكم عني، فاتبعوه). أي أنها دليل على صـدقه، وتأييد من الذي أرسله عزَّ وجلَّ.
لكن لو نظرنا إلي معجزات السابقين، نجد أن المعجزة لمن هم حاضرون وقتها، يعني حتى الناس المعاصرون لهذا الزمن - ولكن في مكان آخر - لا يرونها. أما معجزة الإسراء فنجدها تختلف عن كل المعجزات، فهي معجزة للسابقين، ومعجزة للاحقين، وفي كل زمان يظهر إعجازها لأهل هذا الزمان، مع أن الزمن الذي حدثت فيه انتهى، لكن في كل زمان تنكشف أسرار من هذه المعجزة الباقيـة، وليس هذا فقط، بل أنها معجزة للبشر جميعاً!!
فهي معجزة للمؤمنين كما أنها معجزة للكافرين، ومعجزة للإنس والجن وللملائكة على كافة أصنافهم وأنواعهم وأشكالهم، وكل واحـد منهم له نصيب معلوم وقدر صرفه له الحيُّ القيوم في هذه المعجزة الباقية الخالدة، وتظل بعد ذلك تلك المعجزة على هيئتها وعلى حالتها، وكلٌّ يبيِّن على قدره، ولكن قدر هذه المعجزة لا يعلمه إلا الذي قال في شأنها: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [1الإسراء].
وكلمة ﴿سُبْحَانَ﴾: تعني التنزيه الكامل لله عزَّ وجلَّ، فكل الأفكار التي وردت في عقول العلماء، وكل الأسرار التي أذاعها الحكماء عن رحلة الإسراء والمعراج، لم تصل إلي الغاية أو إلي القَدْرِ الذي شاهده رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكل من رأى، أو بيّن، أو خطر على باله، أو أُلهِمَ من الله عزَّ وجلَّ بشيء في شأنها، عليه أن يعتقد في نفسه وفي قلبه، أنه ما أوتى من العلم في هذه المعجزة إلا أقل القليل من الله عزَّ وجلَّ.
وهذا حتى لا يأتي أحد ويقول: الذي عرفته في شأن هذه المعجزة لا يوجد غيره!! أو يأتي أحد ويقول: تفسير فلان لهذه المعجزة لا يوجد غيره!! أو الحِكَم التي اكتشفها ووضحها الشيخ فلان لا يوجد غيرها!! لأن فيها كنوز ليس لها حدٌّ، وأسرار ليس لها عدٌّ، وإمداد من الله عزَّ وجلَّ، والله عزَّ وجلَّ لا نفاذ لقدرته، ولا نهاية لكلماته عزَّ وجلَّ.
عَجَائِبُ الإِسْــرَاء
ومن العجب أن الإسراء المعجزة الخالدة تكشَّف بعض منها في هذا العصر، وما زالت البقية تأتي، لأننا نعتقد أن هذا العصر هو عصر القرآن؛ أي عصر بيان القرآن: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [19القيامة]. أي نحن نبيِّنه، فأنت تقوله وتردده، ونحن نبيِّنه!! كيف نبيِّنه؟ كل زمان على حسب علماء الزمان، وأحوال الزمان، وعقول أهل هذا الزمان! فيبين الله عزَّ وجلَّ إلهاماً على لسان العلماء في هذا الزمان شيئاً من أسرار هذه المعجزة الكريمة.
ولذلك فأنا أهمس في أذن إخواني من العلماء بارك الله فيهم؛ أننا يجب أن نمشي على روح هذا العصر. فالعلماء السابقون لم يكن عندهم سوى الروايات التي سمعوها، وهذه الروايات - لأن العصر كان عصر قصص وحكايات وروايات - دخل فيها كثير من الإسرائيليات، وكثير من الخيالات، مثل قصة الإسراء والمعراج التي ينسبونها لعبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو منها برئ. ولذا فعلينا أن نمحص هذه الروايات، ونتحقق من هدفها، وخاصة أننا نجد القصة الصحيحة مذكورة في البخاري ومسلم وكتب السنن، وقد جمع الإمام السيوطي رضي الله عنه وأرضاه معظم هذه الروايات (67رواية) للإسراء والمعراج عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سِرُّ تَعَدُّدِ رِوَايَاتِ الإِسْرَاء
لماذا تعددت الروايات؟ لأن القصة لما وقعت لم يكن القوم يستطيعون تَحَمُّلَهَا، والعقول ليست متشابهة في درجة الذكاء والإدراك، وكذلك القلوب تتفاوت في التسليم والإيمان. ولذا فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رجع من رحلته، تحدث عن الإسراء فقط في مكة، أما المعراج فلم يَرْوِ منه شيئاً في مكة، لكن لما ذهب إلي المدينة، وجلس مع المؤمنين في المدينة، كان يحدِّثُهُم عن المعراج، فكلما يجالس قوماً يحدثهم على قدرهم، وعلى قدر ما تستوعبه عقولهم، وعلى قدر ما تتحمله قلوبهم. فهذا سمع رواية، وهذا سمع رواية أخرى، وهذا سمع رواية ثالثة، والكل نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقى في صدره صلى الله عليه وسلم أكثر من هذا، وإليه الإشارة بقول الله: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [10النجم].
إذاً تعدد الروايات كان لتعدد الحظوظ العقلية، وحظوظ السامعين في الفهم والإدراك، وهذه كانت بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم: {أُمِرْنَا أَنْ نْكَلمَ النَّاسَ عَلَى قَدَرِ عُقُولِهِمْ}[1]
فلا يأتي في جلسة عامة ويتكلم عن المشاهد الخاصة في الإسراء والمعراج؛ لأن هذا لا يجوز، ولا يأتي في جلسة خاصة ويتكلم عن نصيب العـوام في الإسراء والمعراج، بل يؤتي كل روح حقها ونصيبها من رحلة الإسراء والمعراج الشاملة للجميع، والتي فيها معاني وأسرار للسابقين واللاحقين.
فالذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الأنبياء والمرسلين، ذكر عنه صلى الله عليه وسلم لمحات قليلة جداً!!، والذي دار بينه وبين أهل كل سماء في الروايات هو: {مَنْ ؟ جبريل، ومَنْ معك؟ محمد، مرحباً به فَلَنِعْمَ المجيء جاء}، وكل أهل سماء كانوا مستعدين لهذا اللقاء، وهذا اللقاء كان فيه أسئلة واستفسارات، وفيه علوم وفيه حقائق!! أين هي؟ لم يذعها رسول الله! وكان يحفظها كل أهل سماء لأنهم مؤمنون، وأمروا أن يتَّبعوا سيَّد الأولين و الآخرين.

حِكْمِـةُ الْمِعْـرَاج
وكان الهدف الأسمى من الرحلة أن يعطى صلى الله عليه وسلم لكل طائفة نصيبها، وقد قال في ذلك الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
وَحِكْمَةُ إِسْرَاءِ الحَبِيبِ إِغَاثَةٌ           لِعَالَمِهِ الأَعْلَى وَرَحْمَةُ حَنَّانِ

وَلَمْ يَكُ رَبُّ العَرْشِ فَوْقَ سَمَائه         تَنَزَّهَ عَنْ كَيْفٍ وَعَنْ بُرْهَانِ
وَلَكِنْ لإِظْهَــــــــــارِ الجَمَالِ لأَهْلِهِ       مِنْ العَالمِ الأَعْلَى وَنَيْلِ أَمَانِ
فكانت الرحلة لكي يعطى لكل طائفة نصيبها من رحمة الله عزَّ وجلَّ؛ لأنه رحمة الله للخلائق أجمعين، وما نصيب هؤلاء؟ لم يبح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله، لأنهم لا يستطيعون تحمُّله، ماذا دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ملائكة الجنَّة حين زارهم؟. لم يذكره لأننا لا نستطيع تحمله!.
فكلُّ رُوحَانيّ من عوالم الله عزَّ وجلَّ، كان له نصيب في تلك الليلة من رحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل زمان له نصيب، فالذين كانوا مع الرسول في زمانه لا يعرفون إلاَّ بيت المقدس، فلا يعرفون السماء؟ ولا النجوم؟ ولا الكواكب؟.

عَرْضُ الإِسْرَاء عَلَىَ أَهْلِ مَكَّةَ
ولذلك فقد حدَّث الذين في مكة عن بيت المقدس!! فطلبوا الدليل عليه بأن يذكر لهم الأبواب والنوافذ، فذكرها ووصفها وبيَّنها لهم صلى الله عليه وسلم، فطلبوا دليلاً مادياً على سيره من مكة إلي بيت المقدس،  فأخبرهم عن قافلتهم التي تاه منها جمل فدَلَّهم عليه، وقد عرفوه بصوته، وأخبرهم عن القافلة الأخرى التي نزل عليها وكشف سقاءها وشرب من مائها،  وهذا دليل مادي للذين يقولون أن الإسراء بالروح!! وهل الروح تشرب؟!! فأعطاهم دليلاً مادياً.
حتى أن أبا سفيان عندما ذهب عند هرقل وسأله عن رسول الله، فأحبَّ أن يضع شيئاً عليه صلى الله عليه وسلم يفقدهم الثقة فيه، فقال: إنه يزعم ويدَّعى أنه جاء عندكم وزار بيت المقدس ورجع، وكان بالمجلس أحد الرهبان الذين يعملون في بيت المقدس، فقال أنا أعرف هذه الليلة!! هو يريد أن يضعها - أي أبو سفيان – وشاية، فجعلها الله عزَّ وجلَّ دليلاً!!!!- قال الراهب: أليست ليلة كذا؟ قال: نعم، قال: وكيف عرفت؟ قال: أنا كلَّ ليلة لا أنام إلا عندما يطمأن الخدم على غلق أبواب المسجد، وفي هذه الليلة كان هناك بابٌ لم يستطيعوا إغلاقه، فأحضرت النجار، وحاول غلقه فلم يستطع!! فقلت له: اتركه حتى الصباح، فبات هذا الباب مفتوحاً - وهو الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلما جاء الصباح! لم يحتج الباب إلي نجار!!! فكان هذا الحديث على قدر عقول أهل مكة!!!

بَيَـــانُ الْمِعْرَاجِ للْمُؤْمِنِين
وعندما جاء إلي المؤمنين بالمدينة - وهم يعرفون الجنَّة، والنَّار، وسدرة المنتهى، والعرش، والكرسي، والملائكة - فأخبرهم عن هذه الأشياء، ليبيِّن الدلائل للذين يريدون أن يعرجوا بعده بأرواحهم إلى الله عزَّ وجلَّ.
فقال لهم: تعالوَا أعطِي لكم العلامات التي وضعها المرور النبوي على الطريق!! حتى يأخذوا بالهم من المطبات، والعثرات، والأماكن التي تمنعهم من الوصول إلى الله عزَّ وجلَّ!! فيبيَّن لهم العلامات الخاصة بهم، فالعلامة الأولى هي الدنيا، وهكذا وهذا للجماعة الثابتين الذين يريدون السير إلى الله عزَّ وجلَّ.
أما الواصلون؛ فقد وصف لهم كيفية اجتماعه بالأنبياء في بيت المقدس، ثم مشاهدتهم له في السماوات العلا، وعندما يذهب إلى النبيِّ، والنبيُّ يسأل سيدنا جبريل من؟ فيقول: جبريل. ومن معك؟ فيقول: محمد. فيقول: أو قد بعث؟!! فالذي يسأل آدم، وعيسى، ويحي، وهارون، ويوسف، وكل واحد منهم يسأل بالكيفية التي أوردناها، وقد صَلُّوا وراءه صلى الله عليه وسلم!! بل أن سيدنا موسى سلَّم عليه في القبر، ورجع صلَّى وراءه، ثم قابله في السماء السادسة!! إذن فهو هنا يعلِّمهم الأحوال العليَّة، والهيئات النورانيَّة التي تتشكل فيها العوالم الروحانيَّة.
وهذه علوم خاصة، وأسرار خاصة، لا تتكشف إلاَّ لخاصة الخاصة. فكلُّ جماعة لهم عِلْم، ولهم حَال، ولهم أسرارٌ في رسالة الإسراء والمعراج.

الإِسْـــرَاءُ وَالعَصْرُ الْحَدِيث
الذي أريد أن أقوله لإخواني أننا الآن لسنا في عصر الرواية، فعصر الرواية قد انتهى، وعصر القصص والروايات قد انتهى، وماذا يلائم عصرنا من حديث الإسراء؟!!
أن نبيَّن الحِكَمَ والأسرار التي أظهرها العصر، وأظهرتها علوم العصر في كتاب الله، وفي سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله وَعَدَ بهذا حيث قال: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ﴾ [53 فصلت]. ولم يقل: سنريكم، لأنكم آمنتم - والحمد لله - وسلمتم، بل قال: ﴿سَنُرِيهِمْ﴾، أي: الكافرين والمشركين والجاحدين، ولم يقل: "نريهم"، بل قال: ﴿سَنُرِيهِمْ﴾، يعني في المستقبل!! فالسِّينُ للمستقبل، سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي الأنفس، لماذا؟!! حتى يتبين لهم أنَّهُ الحقّ، أي حتى يعرفوا أن هذا الكلام هو الحقّ، وأن الله هو الملك الحقّ، وأن سيدنا محمد هو النبيُّ الحقّ صلى الله عليه وسلم. فكيف بيَّنهــا لهم؟ هم يرونها الآن!! ولكني أريد أنا وأنت أن نربطها لهم بالآيات القرآنية، والأحاديث المحمديَّة، لأنه لا يعرف آيات القرآن، ولكن من أين يعرفها؟ منك أنت!!
فالرجل العالم الكندي "كينيث مور" الذي أَلَّفَ أكبر مرجع في علم الأجنَّة (سبع مجلدات) - وهذا هو المرجع المعتمد في كلِّ كليات الطب في العالم - عندما تقابل مع عالم مسلم في يوم من الأيام، ودار بينهما حوار، وقال (العالم المسلم) له: هذا الكلام الذي قلته يوجد عندنا في آية واحدة!! فقال له: أين؟!! فتلى عليه قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [12-14 المؤمنون].
ترجم له معانيها بالإنجليزية - مع أن كلمات القرآن مستحيل أن تُترجم، لكن الله يمنُّ على الناس الصادقين، ويضع في الترجمة (ما دام فيها صدق) شيئاً من إشراقات أنوار اليقين - وأول ما قرأ الآية، قال الرجل: هذا الكلام هو الذي أفنيتُ عمري أدرس فيه!! وقد ذكر كل هذه الحقائق بالتفصيل.

الرَّبْـطُ بَيْنَ الدِّيـنِ وَحَقَائِقِ الْعِلْم
فهؤلاء الناس يريدون منَّا أن نتابعهم، ونوجِّهَهم، ونربط بين الآيات القرآنية والأحاديث المحمدية وبين الأشياء العلمية. هذا هو البيان الملائم للعصر!! لا يحتاج مني أن أحكي القصة - لأن الناس حفظتها - ولكن استلهم العبر من الأشياء التي في القصة.
مثل: لماذا بدأ الله الآية بــ (سبحان)، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [1الإسراء]؟ لأن هذا شيء فوق طاقة البشر، فالسابقون سمعوها هكذا وسلَّموا، لكن نحن الآن وبهذه المعجزة نزيد إيمان ويقين البشر!! فالبشر الآن لما أراد الله عزَّ وجلَّ أن يبيَّن كتابه؛ ألهمهم صنع التليسكوبات الفلكية الهائلة، وألهمهم صنع مركبات الفضاء، وألهمهم صنع أنواع الوقود التي لا عدَّ لها ولا حصر لها - ومنها الوقود النووي - لينطلقوا في الأكوان!!! لماذا؟ ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [101يونس]، لينظروا قدرة الله، فيخروا ساجدين لكلام الله عزَّ وجلَّ.
ولذلك أنتم جميعاً تذكرون أن أول رائد فضاء أمريكي أسلم في القاهرة عندما سمع الآذان!! وقال: ما هذا؟!! قالوا له: هذا آذان المسلمين. فقال: هذا الذي سمعته على القمر!!- مع أن العلم يقول: أنه على سطح القمر لا يوجد هواء ينقل الصوت، ولا يوجد شيء يشير إلى الحياة، كماء أو زرع - إذن الله أرسله إلى القمر، ليؤمن هنا في القاهرة، فكان هذا سبب الهداية!! فالحمد لله؛ العلم هو الذي هداه للإيمان.
إذا كنا الآن في العالم الذي نعرفه - حتى الآن - نرى قدرات مذهلة لله عزَّ وجلَّ، ولأنها فوق طاقات البشر، فلابد أن تكون هناك قوى عظمى لله عزَّ وجلَّ أوجدت هذه الطاقات، فعندما يأتي الإنسان الآن ويرى بالأجهزة الحديثة الكلام الذي قاله القرآن - وكان قد نَزَلَ على رَجُلٍ أُمِّيّ، لم يكن عنده أجهزة ولا بحوث علمية ولا قوانين كونية - فإن ذلك يعطي مؤشراً أن هذا الكلام من الله!! وأن هذا الرجل جاء به من عند الله!! وأن هذا الدين هو الدين الحقّ!! هذه يا إخواني الأشياء التي يجب أن نلتفت إليها، ونبيُّنها لإخواننا المسلمين، لأن الملحدين يشككون في هذه الأشياء.
فمثلاً قصة الإسراء والمعراج، كلُّ المستشرقين في الفترة السابقة كانوا يشككون فيها، ولما جاء عصرنا .. أصبح العصر نفسه شاهداً على إسراء ومعراج الرسول صلى الله عليه وسلم!! لأن العصر نفسه اكتشف أن هناك سرعة اسمها: (سرعة الضوء)، وهي ثلاثمائة ألف كيلومتراً في الثانية، وعندما حسبها العلماء وجدوها السرعة المذكورة في كتاب الله عزَّ وجلَّ : ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [47الحج].

ضَوَابِطُ الْرَّبْـطِ بَيْنَ الْدِّيـنِ وَالْعِلْم
فالحقائق العلمية تشرح وتوضِّح الآيات القرآنية، وعصرنا الآن هو عصر العلم، قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: {إِنَّكمْ قَدْ أَصبَحْتُمْ في زمانٍ، كثيرٌ فقهاؤُهُ، قليلٌ خُطَباؤُهُ، كثيرٌ مُعْطُوهُ، قليلٌ سُؤَّالُهُ، العَملُ فيهِ خيرٌ مِنَ العِلْمِ، وسيأتي زمانٌ- وهو الذي نحن في الآن -  قليلٌ فقهاؤُهُ، كثيرٌ خطباؤُهُ، وكثيرٌ سُؤَّالُهُ، قليلٌ مُعطوهُ، العلمُ فيهِ خَيرٌ مِنَ العَملِ}[2]. العلم فيه خيرٌ من العمل: لأنني عندما أردُّ مسلماً عن شكوكه التي في عقله نحو مسألة من مسائل الدين أو العقيدة، هل هذا أفضل للمسلمين أم صلاة النافلة التي قد أشعر فيها بنفسي فامتلأ غروراً وتكبراً؟!! عندما أردُّ هذا المسلم إلى الحقّ، وأبيِّن له الطريق المستقيم؛ فهذا عمل أفضل، لأن نفعه تعدَّاني إلى غيري، وهذا العمل داخل في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ [8آل عمران].
فمن الذي يردُّ الناس من الزيغ؟ العلماء العاملون والصالحون الذين كُلُّ همِّهم تثبيت اليقين في قلوب المؤمنين، وزيادة الإيمان في قلوب الموحدين، ونمو الإحسان في قلوب المحسنين، وصفاء القلوب لصفاء المشاهدة في أرواح المؤمنين.
فالجهاد الأعظم يا إخواني في هذا العصر، هو: جهاد العلم!! ولكن هناك ضابطان: الضابط الأول: ألا أحضر شيئاً علمياً، ثم أضعه على كتاب الله أو سُنَّة رسوله، أي أحضر نظرية لعالم افترضها ولم تثبت علمياً بعد، وألوى الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية لتأكيدها. وإنما القوانين العلمية التي أصبحت ثابتة ويقينية؛ هي التي لا تتعارض إطلاقاً مع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهذا ما يجعل كل يوم علماء - لا حصر لهم ولا عدَّ لهم - من دول الشرق والغرب يدخلون في دين الله.
لأنه بعد أن يصل إلى العلم اليقيني؛ يذكر له شخص مسلم آية قرآنية واحدة يكون هو قد وصل إلى نتائجها بعد التجارب العلمية والأبحاث والاكتشافات والمجاهدات، وقد ذكرها الله في القرآن في آية بسيطة! أو في كلمة واحدة! وهذه الكلمة لا يستطيع أن يغيِّرها، أو يبدلها، أو يجئ بكلمة أخرى تحل محلها!
من أين هذا الكلام؟ يعرف عندئذ أن هذا الكلام من عند الله عزَّ وجلَّ، وأنه تنزيل من الحميد المجيد، وأن هذا هو الصدق الذي جاء به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وهكذا .. فالقوانين العلمية اليقينية هي التي قد نؤيد بها حقائقنا الدينية.
فلا يجوز الآن في عصرنا أن نركِّز في حديثنا لشخص تارك للصلاة على عذاب القبر الذي يتعرض له فقط! ونعتقد أن هذا وحده هو الذي يجعله يلتزم بالصلاة، لكن لابد أن أوضح له: ماذا تفيد الصلاة بالنسبة للمخ والجوارح؟، وكيف تفيده نفسه؟ لأنه يريد أن يعرف هذه الأشياء التي تفيده؟ والقرآن بيان لهذه الأشياء في هذا الزمان. وهذا لا يعني أننا نلغي كلام السابقين، ولكن لكل زمان دولةٌ ورجال.
وهذا هو النهج الصحيح للعلماء الذين سبقونا، والذين كانوا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم. فالإمام الشافعي في بغداد عمل مذهباً فقهياً، ولمَّا جاء إلى مصر وجد أن أهل مصر لهم أحوال وأعراف تختلف عن أهل بغداد، فترك مذهبه السابق - وهو فِقْهٌ مُقَنَّن ومقيد - وعمل مذهباً جديداً يتلاءم ويتواكب مع أهل مصر.
 وغنى عن التعريف ما حدث له مع ابنة سيدي أحمد بن حنبل، عندما تركوا له الماء ووجدوا في الصباح الماء كما هو، وسألها أبوها: ما رأيك في الشافعي؟!! فقالت له: فيه ثلاث خصال ليست في الصالحين!! لم يقم الليل، وصلى الفجر بدون وضوء، وملأ بطنه من الطعام!! قال لها والدها: إذا عُرف السبب بطل العجب، وعلينا أن نسأل الإمام الشافعي في ذلك، فقال لهم عندما سألوه:
في هذه الليلة أكرمني الله عزَّ وجلَّ وحللت مائة مسألة كلَّها تَهُمُّ المسلمين! فهل حل المائة مسألة أفضل، أم صلاة ألف ركعة؟!! قال: والفجر صليته بدون وضوء!! لأني منذ صليت العشاء وأنا متوضأ ولم أنم، فقيامه: أن يجلس بين يدي المتفضل يطلب العلم والفضل من الله، ويستمطر كنوز المعرفة من الله؛ هذا قيامه!!!
وهذا كان نظام الأئمة الأعلام رضي الله عنهم وأرضاهم ولكل زمان دولته ورجاله. فالثوب واحد، ولكن حُلَّة هذه السَّنة وموديلها غير السَّنة السابقة أو اللاحقة، وإن كان هو نفس القماش!! ولكن على العَالِم أن يفصِّل القماش على قدر الزمان!! ولا يصحُّ لعالِم من أهل اليقين أن يقف على المنبر ويفصِّل للناس جلباباً كان موجوداً في القرن الثاني أو الثالث!!

تَنْقِيَّـةُ الْقَصَصِ الْدِّيِنِي مَنْ الْخُرَافَات
 في عصور الجهل انتشرت الخرافات، وعلينا الآن أن نُنقِّي تراثنا من هذه الخرافات، ومن ذلك الكتاب الذي سمُّوه " وفاة النبيِّ"، لكي يكثر توزيعه بين أصحاب المكتبات، وكتبوا عليه:"وفاة النبيِّ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه"، وسيدنا معاذ لا يعرف الكتاب ولم يؤلفه!!، ولكنهم يريدون المكاسب الباهظة من أي وجه، وكتاب وفاة النبيِّ نجد فيه أشياءَ لا يقبلها الإنسان العادي - وليس الإنسان المتعلم - عن الموت وشدته وضربات السيف، ولكن العلم الحديث لم يقل هذا الكلام، ولا النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا القرآن. فعندما يأتي شخص ويحكي هذا الكلام للناس، هل ينشر الإسلام بذلك أم يحاربه؟!! عندما تكلَّم النبيُّ عن الموت قال: {لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلتُبْعثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ}[3]. هذا كل شيء، والمؤمنون عندما يموتون يقول فيهم الله عزَّ وجلَّ : ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [32النحل]. لم يضربوهم، بل حيُّوهم وقالوا لهم: (سلامٌ عليكم).
 فالذي جاء من المطار إذا كان مجرماً أو مطلوباً يلقون القبض عليه، إذا كان معه ما يستلزم دفع جمارك أو غرامات يخرج من الخط الأحمر، وإذا كان رجلاً عادياً يخرج من الخط الأخضر، وإذا كان من الوجهاء والأعيان يستقبله الحرس الجمهوري ويخرج من قاعة كبار الزوار.
ونفس الشيء يحدث في الآخرة، فأنا من هنا طالع على مطار الآخرة؛ فإذا كنت من وجهاء المؤمنين؛ فالاستقبال رائع حرس من الجنة، وحرس في كل سماء من السماوات السبع، كما قال الحديث: {يُشَيِّعَهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرِّبُوهَا}[4]. أين الضرب؟!! لأناس آخرين، قال الله فيهم: ﴿الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ [50الأنفال]، إذن هذا ليس للمؤمنين، وإنما للكافرين والجاحدين لعنة الله عليهم أجمعين، وعلى هذا فأنا محتاج أن أظهر البيان القرآني الصحيح، وأنقي منه هذه الأشياء الغريبة.
 بعض الأخوة الأفاضل يقول الناس تحبُّ القصص، فنقول له: هذا شيء جميل، قصص القرآن موجود، وفيه الكفاية!! وقصص النبوة أيضاً فيها الكفاية!! لكن لا ينبغي أن أردِّد الروايات التي وضعها اليهود ليظهروا الدعوة الإسلامية بصورة لا تليق.
إِعْجَازُ الْقُـرْآنِ الْعِلْمِي
 وهناك بند آخر هو الآيات الكونية الموجودة في القرآن، فمعجزة القرآن التي كانت موجودة في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ملائمة للعصر، فلأن العرب كانوا أناساً في قمة البلاغة والفصاحة، أظهر لهم الله عزَّ وجلَّ قمة البلاغة والفصاحة في الكلمات القرآنية والآيات الإلهية. أما الآن فلم يعد مجال الإعجاز القرآني في الفصاحة والبلاغة فقط، بل هناك الإعجاز العلمي في الآيات الكونية التي في القرآن.
 فلو تحدث أحد من العلماء عن تفسير الزلزال للقرطبي عندما فسَّر ظاهرة الزلزال وقال: إن الأرض يحملها ثور على قرن واحد، فإذا تعب الثور نقلها على القرن الآخر فيحدث الزلزال؛ فمثل هذا لا يجوز!! وإنما يجب أن أدرس ظاهرة الزلزال وكيفية حدوثها، وأطبقها على كلام الله، وَسَأَجِدُ أن كلام الله هو القول الفصل، كما قال صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ}[5].
وكذلك قول الله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ [32 الأنبياء]. فالنجوم والكواكب، والشمس والقمر، وهذه الأجرام كلها، لها سقف غير سقف الأرض التي بها ماء وهواء، فلماذا لا تنزل؟!! لأن لها جاذبية عملها الله! وهي من سقفها في حدود مائتي كيلو متر تحفظها، لأنه لو كان هناك ثقب صغير لتسرب الهواء!!
وكذلك الطبقة التي تمنع الأشعة الشديدة من السقوط على الثلج الذي خزنه الله، لأنه مخزن الماء لنا. فالماء جزء منه في الهواء!! وجزء منه في البحر!! وجزء منه في المناطق القطبية جمَّده الله عزَّ وجلَّ، وعندما تنزل هذه المياه على هيئة ثلوج مجمَّدة، تطفو ولا تهبط إلى القاع (لأن الحقيقة العلمية الثابتة أن المواد تنكمش بالتبريد فتزيد كثافتها وكذلك الماء، حتى يصل إلى أربعة درجات مئوية وهى أقل درجة يمكن أن تعيش فيها الأسماك وتستمر الحياة البحرية، وعندها - وهذه خاصية علمية عجيبة أعطاها الله للماء فقط - يبدأ في التمدد وليس الانكماش فيخف وزنه ويطفو إلى أعلى، وبزيادة البرودة يتجمد ويطفو ويصبح هناك طبقة تحت الثلوج الكثيفة بها ماء يجرى، درجة حرارته لا تقل عن أربعة درجات مئوية تحفظ الحياة!!
وسبحان الله، حتى لا تجف البحار ويموت السمك من البرودة الشديدة، ولكن تسير على وجه الماء لكي تذوب وتحفظ درجة حرارة الماء في المناطق السفلى، كي يعيش السمك والحيوانات، فلو ذاب الثلج كله؛ لصار طوفاناً مثل طوفان نوح عليه السلام. فالسقف المحفوظ شيء آخر غير المعلومات التي عرفناها من قبل، إذن لابد أن نجدِّد معلوماتنا، ونعرِّفُها للناس في هذا الزمان؛ لنبين لهم جمال القرآن، وتبيان القرآن الذي يقول فيه الله عزَّ وجلَّ: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [19القيامة].
وطبعاً لا يوجد رجل واحد يستطيع أن يبينه كله، ولكن كل عالم في تخصصه: فالمهندس يحاول أن يبين هندسته في كتاب الله عزَّ وجلَّ، وعالم الطبيعة يبين الظواهر الموجودة في كتاب الله عزَّ وجلَّ ، والمحامي يبحث في القوانين الإلهية ويقارنها بالقوانين الوضعية. لأن العالم كله في القريب العاجل راجع لكتاب الله، فالعالم كله يتخبَّط؛ وفي النهاية سيجد الاقتصاديون أنه لا ينفع إلا القوانين الاقتصادية التي في كتاب الله، وسيجد المشرّعون أنه لن ينفع أبداً إلا قوانين وأحكام القرآن وهكذا.
فنحن نريد أن يوضح كل شخص من إخواننا الجمال الذي في القرآن الذي يتناسب مع العصر الذي نحن فيه، ويطبق معاني القرآن الصالح لكل زمان ومكان على العصر الذي نحن فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {كُونُوا كَالْطَّبِيبِ الْرَّفِيقِ يَضَعُ الدَّوَاءَ فِي مَوْضِعِ الْدَّاءِ}[6]. وكذلك يراعي الإنسان مستوى السامعين: فعندما يقول بعض العلماء: من لا يخرج الزكاة يجئ له الشجاع الأقرع في قبره ... إلى أخره، أقول أنا له شيئاً آخر يلائمه: (عندما تخرج الزكاة تكون قد وقَّعْتَ تأميناً مع الشركة الإلهية، وبمقتضى هذا العقد تُخرج أنت العشر أو نصف العشر، وهم يتولون حفظك، وحفظ أولادك، ويعطوك بركة في أرزاقك، ويعطوك بركة في عقول الأولاد). وهكذا عندما توضح له هذه النواحي العلمية سيقبل على كتاب الله وعلى رسوله. وليس معنى ذلك أن نترك تراثنا الماضي، ولكن هذا ما أمرنا به الله عزَّ وجلَّ عن القرآن: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [49 العنكبوت].
ولذلك فأجدادنا السابقون الذين أخذت أوربا عنهم العلم، كانوا يربطون بين العلم والدين، فمثلاً: ابن سينا طِبُّهُ مربوط ربطاً وثيقاً بآيات الله وأحاديث رسول الله، والرازي، وكذلك البيروني في علم الفلك، والخوارزمي كذلك، كلهم كانوا يربطون بين العلوم وبين القرآن. وعندما ذهبت هذه الكتب إلى أوربا: وكان رجال الكنيسة يفرقون بين الدين والعلم، طبقوا ذلك على اتصال الدين بالقرآن.
أما نحن فعلينا أن نرجعها إلى عهدها السابق، وإلى ما كانت عليه في البداية، فنربط آيات الله عزَّ وجلَّ بالعلوم الحديثة التي ثبتت مصداقيتها، وأصبحت علوماً ثابتة، وهذا هو الجهاد الأعظم في زماننا الآن، ومن فضل الله عزَّ وجلَّ علينا أنه هيَّأ كثيراً من المسلمين وغيرهم لإثبات هذه الحقائق، وعليك أنت أن تزيح الستار عمَّا في هذه الكتب، وتبيِّن جمالها لإخوانك المسلمين، وهذا جهاد العلماء في هذا الزمان.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا العلم النافع، والقلب الخاشع، والعمل الرافع، وأن يجعلنا قرآنيين في أخلاقنا، وفي تذكيرنا، وفي علمنا، وفي سلوكنا، إنه ربُّ الخير على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
وصلى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.

*************
 1    كانت هذه الإشراقات في احتفال الإسراء والمعراج الخميس 21 رجب 1413هـ ، 14 يناير 1993م
[1] رواه الديلمى عن ابن عباس رضي الله عنهم، وفى رواية أبى نعيم ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم في مسند الأحاديث والمراسيل: (لاَ تُحَدثُوا أُمَّتِي مِنْ أَحَادِيثِي إلاَّ من بِمَا تَحْمِلُهُ عُقُولُهُمْ)، وفى رواية أخرى لإتمام بيان المعنى المراد: عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَ: "قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَسْمَعُ مِنْكَ نُحَدثُ بِهِ كُلَّه؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِلاَّ أَنْ تُحَدَّثَ قَوْماً حَدِيثاً لاَ تَضْبِطُهُ عُقُولُهُمْ فَيَكُونَ عَلٰى بَعْضِهِمْ فِتْنَةً"، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُكِنُّ أَشْيَاءَ يُفْشِيهَا إِلى قَوْمٍ.
[2]  عن حِزام بن حيكمٍ بن حِزام عن أَبيهِ في مجمع الزوائد ، وفى ومسند الشاميين عن عبد الله بن سعد ، كما رواه جلال الدين السيوطي في جامع المسانيد و المراسيل عن عبد الله بن سعيد الأنصاري.
[3] ورد في السيرة الحلبية لعبد الله الخفاجي، وفى نور اليقين لمحمد الخضرى.
[4] رواه أبو داود وأجمد وفى مشكاة المصابيح عن البراء بن عازب، كما رواه صاحب الترغيب والترهيب وهو حديث طويل نذكر منه : (إِنَّ الْعَبْدَ المُؤْمِنَ إِذَا كَانَ في انْقِطَاعٍ مَنَ الدُّنْيَا وإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلْيهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، وَيَجِيءُ مَلَكُ المَوْتِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ قالَ: فَتَخْرُجُ فَتَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَيَأَخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا في يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا في ذلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ، قالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلاَ يَمُرُّونَ عَلَى مَلاءٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ إِلاَّ قالُوا: مَا هذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولاَنِ: فُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كانَ يُسَمَّى بِهَا في الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُ فَيُشَيِّعَهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرِّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي في عِلِّيِّينَ)، وللحديث بقية طويلة لمن أراد أن يستزيد.
[5] في الحديث المشهور الذي رواه الإمام على بن أبى طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرض بيانه عن كتاب الله.
[6] حكاية عن قول عيسى عليه السلام كما في الإحياء للغزالي وقوت القلوب لأبى طالب المكِّي.
الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد

الأحد، 2 أبريل 2017

- لماذا ينتصر الأشرار؟!

لا نزال نتعرض للسؤال الأشهر على ألسنة الناس، لماذا ينتصر العصاة والمذنبون والأشرار وأهل الفساد، ولماذا يتقدمون، ولماذا يتصدرون القوائم التكنولوجية، والقوى العالمية، في حين يتراجع المؤمنون، وتصيبهم الهزيمة على كل الأصعدة؟

وهذا السؤال على شهرته وكثرة تداوله من المهم التصدي له والجواب عليه، بما يناسب، فقد يلقي في قلوب بعض الناس أثرًا سلبيًا..

الحقيقة أننا لا بد أن نبين ابتداءً، أن الحقيقة لها عدة وجوه ومناظير لتكمل صورتها، وأن المنظور الأوحد من جانب قاصر لا يكفي في بيان الأمور ولا توصيفها.

فلا بد لنا قبل أن نحكم على الأشياء بهذا المنظور القاصر، أن نعطي لأنفسنا الفرصة الكاملة للرؤية الفوقية المتمتعة بالبصيرة، ورؤية حقائق الأشياء.

فالحياة والآخرة في المنظور الصحيح طريق واحد، ففي الدنيا الاختبار والامتحان، وفي الآخرة الحساب والثواب أو العقاب، فمن نظر للأشياء باعتبار أن الدنيا والآخرة منفصلين فقد نظر من منظور ناقص مغلوط.

ومن ثم، فالناجح ههنا وهو خاسر في الآخرة، لايمكن أن نعده ناجحًا ولا فائزًا، والغني في الدنيا لسنين قليلة زائلة ثم هو في العذاب الأليم خالدًا فيها لايمكن أن نعده من الأغنياء الفائزين، بل من الخاسرين بكل معنى للكلمة، وكذلك المنتصر ههنا لسنوات تمر مرور السحاب، ثم هو مرتكس في الآخرة ذليل مقهور لايمكن أن نعده منتصرًا.

وقس على ذلك أيضًًا ما يتعلق بالاستمتاع، فالمستمتع بالخمر والزنا ههنا في أيام قلائل زائلة، ثم هو مغموس في العذاب، لايمكننا أن نساويه بمن عف نفسه ومنعها عن المحرمات لفترة بسيطة، ففاز برضوان الله سبحانه في الحياة، ثم هو في النعيم الخالد بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

فكيف إذن يقال على من ثبت على منهجه، وصدق وعد ربه، وامتثل مكارم الأخلاق التي اتفق عليها عقلاء العالم، وسعى في الأرض بالخير والصلاح، وبذل للآخرين وأعطى، فصار ينشر الخير والهدى، ويبث المكارم  والفضائل، ويعلم الناس القيم والمعالي، ويتقرب إلى ربه بالعبودية مخلصًا صادقًا، حاملًا بين جنبيه قلبًا سليمًا كريمًا، ثم هو لضعفه، ولعدم استجابة الناس لدعوته الكريمة، وانصرافهم عنه، ثم بظلمهم له، وإيذائهم للناس، وتقديمهم المنافع على المبادىء، كيف يقال على من هذا حاله أنه خاسر؟!

الحقيقة أنه بمقياس الحق والخير هو فالح مصلح، منتصر، تارك لآثار الفضل حيثما كان وحيثما حل، بل إن شانئه وخصمه وعدوه هو الخاسر رغم ما ظهر من انتصاراته الزائفة القائمة على الظلم والزور والخديعة والبهتان، والاستمساك بسبيل غير سبيل الله الرحمن.

كذلك على الجانب الآخر، يجب أن نصف الأمور بوصفها الدقيق، فالمؤمنون قد أمرهم ربهم بمنهج عظيم كريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ووعدهم بالانتصار إن هم طبقوه واستقاموا عليه {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:43-44].

فإن هم نصروه حق نصره حق فيهم وعده سبحانه وهو لايخلف الميعاد، لكنهم إن لم ينصروا ربهم ولم يرفعوا راية دينهم، ولم يفضلوا ما عنده سبحانه على ما يرغبون فيه من هوى أنفسهم، وإن هم غفلوا ولهو واستحبوا الحياة الدنيا، فستتأخر عنهم المكرمات، وستتراجع عنهم الفضائل والبركات، وسيتأخر عليهم النصر.

كذلك فإن الله سبحانه قد جعل للكون قوانين ونواميس لا يحيد عنها، وجعل أسباباً لكل نتيجة.

فقد ساوى في شأن المادة والأسباب بين جميع الناس، فمن أخذ بالأسباب فقد طبق القانون الكوني، ومن أهملها فقد أهمل الشرط.

لكنه سبحانه وعد المؤمنين بالتوفيق والسداد والرعاية إن هم أطاعوه واتقوه {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق من الآية:4].

إذن فالمؤمن الذي يأخذ بأسباب النجاح الحياتي يتفق فيه أمران، القانون الكوني والتوفيق الإلهي، فيكون عمله مباركاً، ويثاب عليه إن هو أخلص فيه لربه.

وأما غير المؤمنين، فيجازون بحسب جهدهم وعملهم، فالله يعطي الدنيا للمؤمن وغيره إذا هم سعوا إليها، لكنه لا يعطي الآخرة إلا لمن يحب من المؤمنين.

على جانب آخر فبعض الناس يريد الحياة نقية بلا شائبة، صافية بلا كدر، فإن أصابه بلاء انزعج وطار عقله باحثاً عما يمكن أن يفرغ فيه طاقته المكبوتة من أمور الدنيا، ويبحث جاهداً عن زيادة المتاع، ويزداد تعلقه بزخرف الحياة ناسيًا التعلق بالله ربه، وقد ذكر الله مثاله ووصف وصفه بدقة القرآن الكريم في آيات تدعو للتدبر، يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ . يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ۚ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ . إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ . مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج:11-15].

والبعض الآخر -من جانب آخر- يظن أنه كلما تقرب إلى الله سبحانه أقبلت عليه الدنيا، وذهبت عنه الآلام بالكلية، وصفت له الحياة فلا مصيبة ولا مشكلة، ويتوقع أن تكون الدنيا مفتوحة له، والأمور سهلة عليه، ولا إزعاج له في شأن من الشئون، وكلاهما فهم خاطئ.

فقد جعل الله سبحانه من سننه في خلقه أن الحياة لا تصفو من كدر، كما شاء سبحانه أن يبتلي المؤمنين بأنواع الابتلاءات والاختبارات، وكلما كان العبد في إيمانه أقوى وأعلى كلما كان ابتلاؤه أشد واختباره أصعب.

وليس هناك أرقى ولا أعظم مقامًا من مقام النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس، وليس هناك أكرم على الله منه، ومع ذلك فقد ابتُلي صلى الله عليه وسلم وأوذي أشد أنواع الابتلاء والإيذاء.

فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يصب منه» (صحيح البخاري [5645])"، وعن أنس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» (صحيح الترمذي [2396])"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» (سنن الترمذي [2399])".

فهذه الأحاديث وغيرها تبين لنا أن الله سبحانه يبتلي أهل الإيمان، ليختبرهم ويعلم الصادق من الكاذب، وكذلك ليطهرهم وينقيهم من ذنوبهم حتى يلقوه وما عليهم ذنب.

فعلينا أن نُري الله منا خيرًا، وأن نصبر في ابتلاءاته واختباراته سبحانه، وأن نعلم أن فيها خيرًا كبيرًا لنا وحكمة عظيمة لا ندركها، فنرضى بكل ما أصابنا الله به ولنسلم به ولنصبر عليه وليلهج لساننا بحمده عز وجل في كل حال.

قال سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2-3].

السبت، 1 أبريل 2017

- خلق القتاعة

عُنوان الغِنى، وكنز لا يفنى، وثوب لا يبلى، بلغ بها العارفون لله عز وجل الدرجات العلى، والمقامات الأسنى، عرفوا ربهم فقنعوا به عن سواه، واقتربوا منه فأغناهم عمن سواه، ما تحلّى بها أحد إلا زادته يقينا واطمئنانا وسرورا وراحة بال، وصار أغنى الناس، وما دخل الطمع والحرص قلبا إلا أفسداه، وصرفاه عن الطريق السوي المُوصّل لرب العزة جل وعلا، فأصبح أفقر المخلوقات.

فالقانع بالكفاف أسعد حياة، وأرخى بالا، وأكثر دعة واستقرارا من الحريص المتفاني في سبيل أطماعه وحرصه، والذي لا ينفك عن القلق والمتاعب والهموم.

قيل للجنيد: ما القناعة؟ قال: "ألاّ تتجاوز إرادتك ما هو لك في وقتك".[1]

من أجل ذلك كان القانع أغنى الناس، لأن حقيقة الغنى هي عدم الحاجة إلى العباد، والاكتفاء بما رزقه الله تعالى، لا يحتاج ولا يسأل أحدا سواه، ولا يتطلع إلى ما عند الله عز وجل من رزق، ليقينه وإيمانه بأنه تعالى كاتبه وقاضيه ومقرره، ولا يحسد الناس على ما في أيديهم مما قسّمه الله تبارك وتعالى لهم.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الناس إيمانا ويقينا، وأقواهم ثقة بالله تعالى، وأصلحهم قلبا، وأكثرهم قناعة ورضاً بالقليل، وأنداهم يدا، وأسخاهم نفسا، وكان الرجل يُسلِمُ من أجل عطائه صلى الله عليه وسلم، ثم يحسن إسلامه، قال صفوان بن أمية: "لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي".[2]

وقال أنس:"ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه. قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا. فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة".[3]

وربّى النبي صلى الله عليه وسلم أهله على القناعة، بعد أن اختار أزواجه البقاء معه، والصبر على القلة والزهد في الدنيا، حينما خيرهن بين الإمساك على ذلك أو الفراق، والتمتع بالدنيا، ولم يكن هذا المسلك من القناعة إلا اختيارا منه صلى الله عليه وسلم وزهدا في الدنيا، وإيثارا للآخرة، كما قال عز وجل: ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما﴾.[4]

وسار على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام، والتابعون لهم بإحسان من العلماء والصالحين والعارفين بالله عز وجل والصوفية، ممن عاشوا على القناعة والكفاف والتعفف والزهد في الدنيا، فأمدّهم ذلك بيقظة روحية، وبصيرة نافذة، حفّزتهم على التأهب للآخرة بالأعمال الصالحة، فامتلأت قلوبهم إيمانا ويقينا وثقة بالله عز وجل، لأن من قنع برزقه فإنما هو مؤمن ومتيقن بأن الله تعالى قد ضمن أرزاق العباد وقسمها بينهم.[5]

قيل لأبي يزيد البسطامي: بماذا وصلت إلى ما وصلت؟ فقال: "جمعتُ أسباب الدنيا فربطتُها بحبل القناعة، ووضعتُها في منجنيق الصدق، ورميتُ بها في بحر اليأس فاسترحت".[6]

وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك، ثم نقر بيده، فقال: عُجِّلت منيته، قلّت بواكيه، قلّ تراثه).[7]

فمن رغب في هذه المنزلة، فعليه بالقناعة مع حسن العبادة، والكفاف مع الطاعة والصبر، إخلاصا لله عز وجل، وطمعا في ثوابه تعالى، لأن من قنع وزهد في الدنيا وطلب الآخرة "تجيئه الصحة، يجيئه الملك والسلطنة والإمارة، تجيئه تُصيِّر ذرته جبلا، قطرته بحرا، كوكبه قمرا، قليله كثيرا، محوه وجودا، فناؤه بقاءً، تحرُكه ثباتا، تعلو شجرته وتشمخ إلى العرش، وأصلها إلى الثرى.. تصير الدنيا عنده كحلقة الخاتم، لا دنيا تملكه، ولا أخرى تُقيِّده...".[8]

ومن حقّق خُلُق القناعة فقد كمُل إيمانه وإسلامه، وعزفت نفسه عن حطام الدنيا، رغبة فيما عند الله تعالى، فيحبه جل وعلا جزاء شكره للمنعم عليه، ومعرفته لحكمة الله سبحانه وتعالى في تفاوت الأرزاق والمراتب.

غير أن التزام القناعة عسير على الإنسان، إلا من وفقه الله تعالى للهدى، وكفاه شر نفسه وشحها وطمعها، لأن بني آدم مفطورون على حب التملك، لكن مجاهدة النفس مطلوبة لتخفيف طمعها، وتقريبها من الزهد والقناعة والعفاف والكفاف والغنى عن الناس، ولن يتم ذلك إلا بالسير في طريق التصوف، والتدرج في مقاماته، والاقتداء بأهله الذين روّضوا نفوسهم على الزهد في الدنيا وإيثار الآخرة، وقنعوا بالقليل اليسير، دون طمع فيما عند الغير.

الهوامش



[1] سعاد الحكيم: تاج العارفين، ص:192 .

[2] النووي: شرح صحيح مسلم،  كتاب الفضائل،  باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: لا، رقم  2313.

[3] المصدر السابق ، رقم 2312.

[4] الأحزاب، آية 28-29  .

[5] ينظر: أخبار الصوفية والزهاد من تاريخ بغداد، جمعته وحققته: بلسم بصري عزت، راجعه: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 2004م.

[6] القشيري: الرسالة القشيرية، ص: 162.

[7] الترمذي: السنن، كتاب الزهد، باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه، رقم 2347،  وابن ماجة: السنن، كتاب الزهد ، باب من لا يؤبه له، رقم 4117.

[8] عبد القادر الجيلاني (470-561هـ): الفتح الرباني والفيض الرحماني، اعتنى به وحققه: أبو سهل نجاح عوض صيام، المقطم للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، د.ط، د.ت، ص: 39.

- Does Islam push Muslims to violence


Does Islam push Muslims to violence? Or is it just a human behavior as a reaction to violence against Islam and Muslims all over the world?
==========================================
Islam urges Muslims to tolerance, pardon, forgiveness, mercy, kindness, cordiality and good dealings with all other people.
What gets some so-called Muslims to be violent is that they feel they are offended, when they see what the westerners do to Islam and Muslims in their cruel wars that have no mercy even for women, children or old people, and the spite they write in their books and newspapers, or say in their seen or heard mass media.
When they see all this, they realize how those people greatly offend Islam, though they know that the reality is completely different, but they did all this by the spite, rancor, malice, hatred and dislike they have against Islam and Muslims.
This leads to a negative response, those young people react to this offense, this is assured by modern science, "For every action there is an equal and opposite reaction". But if those Muslim young people found kindness, sympathy, mercy, or containment, their behavior and their conduct would change.



- Why do some people think that there are no moderate Muslims?


Why do some people think that there are no moderate Muslims?
======================================
This happens because they are far away from Muslim countries; they also do not see Islam in its pure resources and do not read what Muslims write about their religion. They became like this because they only read what is written and listen to what is said by spiteful people among orientalists and western journalists who are fanatics against Islam and Muslims. Besides, the western curriculum in schools and universities is full of wrong information that defames Islam and Muslims




- Competition of believers


Competition of believers
*********************
How can we compete O Allah? Allah says:
"And for this let (all) those compete who want to compete" 83-26
Does the verse mean to compete or strive in food, drinks, clothes, buildings? No, never, but the verse speaks about:
"Verily, the Record of Al-Abrar (the pious who fear Allah and avoid evil), is (preserved) in 'Illiy'yeen. And what will make you know what 'Illiy'yeen is? A Register inscribed. To which bear witness those nearest (to Allah)." 83-18,19,20,21
Where are those people so that we can follow them?
"Verily, Al-Abrar (the pious who fear Allah and avoid evil) will be in delight (Paradise). On thrones, looking" 83-22,23
Where are these thrones? In the balconies of paradise, where are they during the doomsday, questioning people, flying scriptures, the scales and the path? They don't care for all this, because they go straight from their graves to their palaces, as Allah says:
"Only those who are patient shall receive their rewards in full, without reckoning." 39-10
Every one of them sits in his balcony as Allah says:
"On thrones, looking (at all things). You will recognize in their faces the brightness of delight." 83-23,24
What are they doing while they are sitting? Allah says:
"They will be given to drink pure sealed nectar. The last thereof (that nectar) will be the smell of musk." 83-25,26



- How can I deal with religious fanatics?


How can I deal with religious fanatics?
=============================
Dealing with religious fanatics requires avoiding argumentation and discussions with them especially in controversial issues. We just deal with them according to the necessities of our lives.
We should not make friendship with them, live with them, sit with them or keep talking to them, we just do it as necessary, at the same time, we should be cautious about the ideas they believe in and circulate.



الجمعة، 31 مارس 2017

- البركة و التبرك

1- تعريف التبرك:

"التبرك هو ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى: (لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) [الأعراف، 96]".[1]

وعليه فإن التبرك بالصالحين هو "طلب ذلك الخير الإلهي من الله عن طريق ذلك الصالح نبيا كان أو غيره أو عن طريق أثر من آثاره".[2]

وليس كما يزعم بعض الجاهلين ممن لا خبرة لهم بتفاصيل الشريعة أنه شرك وكفر، وفيما يلي الأدلة الناصعة على جواز التبرك بالصالحين.

2- التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته:

كان الصحابة رضوان الله عليهم يتبركون بالنبي صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما حكاه عروة بن مسعود - قبل أن يُسلم - عن الصحابة بقوله –كما روى البخاري ذلك في صحيحه-: (فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم؛ خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم!!، والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يُعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له).[3]

قال الحافظ ابن حجر معلقا على هذا الحديث: "وفيه طهارة النخامة والشعر المنفصل، والتبرك بفضلات الصالحين الطاهرة".[4]

وقال البدر العيني: "ومن الاستنباط من هذا الحديث، التبرك ببزاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم توقيرا له وتعظيما".[5]

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خَدَمُ المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها، فربما جاءوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها).[6]

قال ابن الجوزي في شرحه لهذا الحديث: "إنما كانوا يطلبون بهذا بركته صلى الله عليه وسلم، وينبغي للعالم إذا طلب العوام التبرك به في مثل هذا ألا يخيب ظنونهم".[7]

وقال الإمام النووي: "وفيه التبرك بآثار الصالحين، وبيان ما كانت الصحابة عليه من التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم وتبركهم بإدخال يده الكريمة في الآنية".[8]

كما أن الصحابة الكرام كانوا يتبركون بشعره صلى الله عليه وسلم، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يُفرق شعره على الناس، ليتبركوا به، وهذا يدل عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: (لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر فقال: احلق فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال: اقسمه بين الناس).[9]

عن أنس بن مالك قال: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه، وأطاف به أصحابه، فما يُريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل".[10]

قال الإمام النووي والحافظ ابن حجر والإمام البدر العيني: "فيه التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم".[11]

وقال الحافظ أبو العباس القرطبي: "وتوزيعه شعره على الناس حرصا منه صلى الله عليه وسلم على تشريكهم في التبرك به، وفي ثوابه".[12]

وقال الإمام الشوكاني[13] والمباركفوري[14] وأبو الطيب آبادي[15]: "فيه مشروعية التبرك بشعر أهل الفضل ونحوه".

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فنام عندنا فعرق، وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟"، قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب" رواه مسلم

وفي رواية أنه قال لها أيضا: "ما تصنعين يا أم سليم؟" فقالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا، قال: "أصبت"

فهذا إقرار منه صلى الله عليه وسلم على جواز التبرك بعرقه صلى الله عليه وسلم.

كما أن الصحابة الكرام كانوا يتبركون بلباسه صلى الله عليه وسلم ويرجون بركته، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة...، فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه؟، فأخذها النبي صلى الله عليه وآله وسلم محتاجا إليها، فلبسها فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها، فقال: نعم، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئا فيمنعه، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أُكفن فيها".[16]

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفيه جواز التبرك بالصالحين".[17]

كما لا يفوت الصحابة الكرام التبرك بالمكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن محمود بن الربيع الأنصاري: أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل ضرير، فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أين تحب أن أصلي؟" فأشار إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم".[18]

قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: "في هذا الحديث من الفقه صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووطئها وقام عليها، وفي هذا دليل على صحة ما كان عليه القوم من صريح الإيمان، وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق وجميل الأدب في إجابته كل من دعاه إليه ما لم يكن إثما".[19]

وقال القاضي عياض رحمه الله: "فيه التبرك بالفضلاء، ومشاهد الأنبياء وأهل الخير ومواطئهم، ومواضع صلاتهم، وإجابة أهل الفضل لما رغب إليهم فيه من ذلك، تعاونا على طاعة الله، وتنشيطا على عبادته".[20]

وقال الإمام النووي رحمه الله: "وفيه التبرك بالصالحين وآثارهم، والصلاة في المواضع التي صلوا بها، وطلب التبريك منه".[21]

وقال الإمام الشوكاني: "وفيه أنه يشرع لمن دعي من الصالحين للتبرك به الإجابة، وإجابة الفاضل دعوة المفضول، وغير ذلك من الفوائد".[22]

ونجد عبد الله بن الزبير يتبرك بدم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برزت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدت إلى الدم فحسوته، فلما رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما صنعت يا عبد الله؟" قال: جعلته في مكان ظننت أنه خاف على الناس، قال: "فلعلك شربته؟" قلت: نعم، فقال: "ومن أمرك أن تشرب الدم؟ ويل لك من الناس، وويل للناس منك".[23]

قال موسى: قال أبو عاصم: "فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم".[24]

قال ابن حجر: "وله شاهد من طريق كيسان مولى ابن الزبير، عن سلمان الفارسي، رُوِّيناه في جزء الغطريف، وزاد في آخره: "لا تمسُّكَ النارُ إلا تحلَّة القسم" وآخر عن أسماء بنت أبي بكر في معجم البغوي".[25]

3- التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم حال انتقاله إلى الرفيق الأعلى:

كما أن الصحابة الكرام كانوا يتبركون بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد التحاقه إلى الرفيق الأعلى، فعن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر أن أسماء أخرجت جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج، وفرجيها مكفوفين بالديباج، وقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عند عائشة فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها".[26]

قال القاضي عياض: "وقولها: فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها.: لما في ذلك من بركة ما لبسه صلى الله عليه وسلم أو لمسه، وقد جرت عادة السلف والخلف بالتبرك بذلك منه صلى الله عليه وسلم، ووجود ذلك وبلوغ الأمل من شفاء وغيره".[27]

عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد القارئ: "أنه نظر إلى ابن عمر وضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر، ثم وضعها على وجهه".[28]

4- التبرك بالأولياء والعلماء الصالحين: 

ومازال سلف هذه الأمة وخلفها يتبركون بالصالحين والعلماء الربانيين يرجون أن تصيبهم من بركاتهم ما ينتفعون به.

يقول ابن جوزي في هذا الصدد: "وقد كان جماعة من السلف يقصدون العبد الصالح للنظر في سمته وهديه، لا لاقتباس علمه...[29]."

فقد روى الخطيب البغدادي بسنده عن علي بن ميمون قال: "سمعت الشافعي يقول: "إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم - يعني زائرا -، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد حتى تقضى".[30]

وقال ابن الجوزي: "أحمد القزويني، كان من الأولياء المحدثين، توفي في رمضان هذه السنة فشهده أمم لا تحصى، وقبره ظاهر يتبرك به في الطريق إلى معروف الكرخي".[31]

قال الحافظ الخطيب البغدادي[32]، وابن أبي يعلى الحنبلي[33]، وابن مفلح الحنبلي[34] وابن الجوزي[35] في ترجمة أبي الحسن علي بن محمد بن بشار الزاهد شيخ الحنابلة: "وقبره إلى الآن ظاهر معروف يُتبرك الناس به".

فهذه الأدلة وغيرها كثير أضربنا عن ذكرها مخافة التطويل وإلا فإن كتب التراجم والطبقات طافحة بما لا يدع مجالا للشك أن سلف هذه الأمة وخلفها ما زالوا يتبركون بالصالحين ويرجون بركتهم، ولا يعني ذلك أنهم يأتون منكر الأفعال والأقوال وبالأحرى الوقوع في الشرك كما يدعي من لا علم له، سوى التهجم على العلماء وتبديع الناس ورميهم بالكفر والزندقة، نعوذ بالله من الجهالة الجهلاء والجرأة على العلماء، وقديما قالوا: لو سكتَ من لا يعلم لقل الخلاف.

 الهوامش:

[1] - مفردات القرآن الكريم، الراغب الأصفهاني، 109.

[2] - التبرك بالصالحين، هشام محمد حيجر، 14.

[3] - صحيح البخاري، كتاب: الشروط، باب: الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط، رقم الحديث: 2734.

[4] - فتح الباري، 5/341.

[5] - عمدة القاري، 3/178.

[6] - صحيح مسلم، كِتَاب: الْفَضَائِلِ، بَاب: قُرْبِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ النَّاسِ وَتَبَرُّكِهِمْ بِهِ، رقم الحديث: 2324.

[7] - كشف المشكل من حديث الصحيحين، 3/312.

[8] - شرح صحيح مسلم، للنووي، 15/82.

[9] - صحيح مسلم، كتاب: الحج، باب: بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر، رقم الحديث: 1305.

[10] - صحيح مسلم، كِتَاب: الْفَضَائِلِ، بَاب: قُرْبِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ النَّاسِ وَتَبَرُّكِهِمْ بِهِ، رقم الحديث: 2325.

[11] - ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي، 9/54، فتح الباري، 1/275، عمدة القاري، 3/38.

[12] - المفهم، 10/137.

[13] - نيل الأوطار، 5/128.

[14] -  تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، 3/56.

[15] - عون المعبود شرح سنن أبي داود، 5/317.

[16] - صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب: حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، رقم الحديث: 5689.

[17] - فتح الباري، 3/144.

[18]- رواه البخاري في كتاب: الجماعة والإمامة، باب: الرخصة في المطر، رقم الحديث: 636.، ومسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر.

[19] - التمهيد لابن عبد البر، 6/227.

[20] - إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، 2/352.

[21] - شرح صحيح مسلم، 5/161.

[22] - نيل الأوطار، 3/95.

[23] - رواه الحاكم في مستدركه، 3/638. والبزار في مسنده، 6/169.

[24] - الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 6/152.

[25] - الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 6/152.

[26] - صحيح مسلم، كتاب: اللباس، باب: تحريم: استعمال إناء الذهب والفضة، رقم الحديث: 2069.

[27] - إكمال المعلم، 6/298.

[28] - الطبقات الكبرى لابن سعد، 1/254.

[29] - صيد الخاطر لابن الجوزي، المكتبة العصرية، بيروت، 1429هـ/2008م، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، ص: 165.

[30] - تاريخ بغداد، 1/123.

[31] - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، 9/139.

[32] - تاريخ بغداد، 12/66.

[33] - طبقات الحنابلة، 2/63.

[34] - المقصد الأرشد، 2/254.

[35] - المنتظم، 6/199.

- المروءة خلق الكرام

المروءة
إنها اتصاف النفس بصفات الإنسان التي فارق بها الحيوان البهيم، والشيطان الرجيم. فإن في النفس ثلاثة دواعٍ متجاذبة: داعٍ يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الشيطان: من الكبر، والحسد، والعلو، والبغي، والشر، والأذى، والفساد، والغش. وداعٍ يدعوها إلى أخلاق الحيوان. وهو داعي الشهوة. وداعٍ يدعوها إلى أخلاق الملك: من الإحسان، والنصح، والبر، والعلم، والطاعة.

فحقيقة المروءة: بغض ذينك الداعيين، وإجابة الداعي الثالث. وحقيقة المروءة تجنب للدنايا والرذائل، من الأقوال، والأخلاق، والأعمال.[1]

واعتبرها أهل التصوف جُماع الأخلاق ومُنتهاها، ولحُمة الفضائل وسداها، وخُلُق الكرام، وأروع ما تحلّى به الرجال، فهي حِلية الفضلاء، وشِيمة النبلاء، بها تكمُلُ إنسانية الإنسان، ويتميز بها عن غيره من المخلوقات تميزا كبيرا.

وعرّفها كثير من أهل العلم بأنها هي: كمال الإنسان، من صدق اللسان، واحتمال عثرات الإخوان، وبذل الإحسان إلى أهل الزمان، وكف الأذى عن الأباعد والجيران.

قال الجنيد: "المروءة احتمال زلل الإخوان ".[2]

وقال الماوردي: "اعلم أن من شواهد الفضل ودلائل الكرم: المروءة التي هي حلية النفوس وزينة الهمم، فالمروءة مراعاة الأحوال التي تكون على أفضلها حتى لا يظهر منها قبيح عن قصد، ولا يتوجّه إليها ذم باستحقاق".[3]

فالمروءة خلّة كريمة وخصلة شريفة، تحمل الإنسان على التمسك بالفضائل، والنفور من الرذائل، والتحلي بمحاسن الأخلاق، فهي صدق في اللسان، واحتمال لأخطاء الآخرين، وبذل للمعروف، وكفّ للأذى...

وجعلها ابن القيم على ثلاث درجات:

• الدرجة الأولى: مروءة المرء مع نفسه، وهي أن يحملها قسرا على ما يجمل ويزين. وترك ما يدنس ويشين، ليصير لها ملكة في العلانية. فمن أراد شيئا في سره وخلوته: ملكه في جهره وعلانيته. فلا يكشف عورته في الخلوة، ولا يتجشّأ بصوت مزعج ما وُجد إلى خلافه سبيلا...

• الدرجة الثانية: المروءة مع الخلق، بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء، والخلق الجميل، ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه. وليتخذ الناس مرآة لنفسه. فكل ما كرهه ونفر عنه، من قول أو فعل أو خلق، فليجتنبه. وما أحبّه من ذلك واستحسنه فليفعله.

• الدرجة الثالثة: المروءة مع الحق سبحانه، بالاستحياء من نظره إليك، واطلاعه عليك في كل لحظة ونفس، وإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان.[4]

فالمروءة مع الله تعالى تكون بالاستحياء من الله تبارك وتعالى حق الحياء، وأن لا يقابل إحسانه ونعمته بالإساءة والكفران، والجحود والطغيان، بل يلتزم العبد أوامره ونواهيه، ويخاف منه حق الخوف في حركاته وسكناته وخلواته، وأن لا يراه حيث نهاه، ولا يفتقده حيث أمره.

أما المروءة مع النفس فتكون بحملها على ما يُجمِّلها ويُزيِّنها، وترك ما يدنِّسها، فيحرص على تزكيتها وتنقيتها، وحملها على الوقوف مواقف الخير والصلاح والبر والإحسان، مع الارتقاء بها إلى مراتب الحكمة والمسؤولية، لتكون الناصح الأكبر إليه والواعظ الأكبر له.

وتكون المروءة مع الخلق بإيفائهم حقوقهم على اختلاف منازلهم، والسعي في قضاء حوائجهم، ولطافة اللسان معهم، وسعة الصدر وسلامة القلب تجاههم، وقبول النصيحة منهم وستر عيوبهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.

يظهر من خلال هذا التصنيف أن أخلاق الصوفية كلها محاطة بسياج المراقبة لله عز وجل، فالصوفي مستشعر ومستحضر لرقابة الباري جل وعلا، حتى في اتصافه بأجلِّ الأخلاق وأكرمها، حتى قيل: المروءة اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال، واستعمال ما يحب الله والمسلمون من الخصال.

• وقيل لبعض الحكماء: ما المروءة؟ قال: طهارة البدن، والفعل الحسن.

• وسئل بعضهم: أي الحلال أجمع للخير، وأبعد من الشر، وأحمد للعقبى؟ فقال: الجنوح إلى التقوى، والتحيّز إلى فئة المروءة.

• وقال بعض العلماء: اتّق مصارع الدنيا بالتمسك بحبل المروءة، واتّق مصارع الآخرة بالتعلُّق بحبل التقوى، تفُز بخير الدارين، وتحل أرفع المنزلتين.

وعليه تكون المروءة من أجلّ الأخلاق وأعلاها عند الصوفية وغيرهم، فهي تجمع أكمل الصفات والفضائل التي رغّب فيها الشرع الحنيف، ولها مدلولها الكبير والواسع، فهي تدخل في الأخلاق والعادات والأحكام والعبادات.

الهوامش


[1]  ابن القيم: مدارج السالكين، 2/286.

[2]  سعاد الحكيم: تاج العارفين، ص:200 .

[3] أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي (ت450هـ): أدب الدنيا والدين، شرح وتعليق: محمد كريم راجح، دار إقرأ، بيروت، ط4، 1405هـ/1985م، ص: 325.

[4]  ابن القيم: مدارج السالكين، 2/287-288.




شارك فى نشر الخير