آخر الأخبار
موضوعات

الخميس، 5 ديسمبر 2013

- من سيرة الشيخ فوزى محمد أبوزيد

عدد المشاهدات:
علامات على الطريق - من سيرة الشيخ فوزى محمد أبوزيد
هذا فضل اللَّه
علامات على الطريق
من سيرة الشيخ فوزى محمد أبوزيد
البداية - البحث عن العارف - معرفة الإمام أبى العزائم رضي الله عنه - البحث عن المعرفة- العثور على الرجل الحي - البداية الصحيحة للسير إلى الَّله - فى صحبة الشيخ رضي الله عنه - استلام الراية - إكمال المسيرة والفتح الوهبى فى الدعوة – جمع التراث العلمى والدعوى للشيخ وتفريغه – الدعوة على شبكة الإنترنت -الدعوة والهدف
وأما بنعمة ربك فحدث
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين
أيها الأخوة الكرام! أحباب النبى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، فامتثالاً لأمر الله فى كتابه الكريم فى قوله عز وجل :
(وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (11الضحى)
ونزولاً على رغبة الكثيرين من الإخوان والمحبين والمسلمين؛ أكتب شيئاً من سيرتى السلوكية فى طريق القوم تحدثاً بفضل الله تعالى علىَّ ومنته، فكل هذا من فضل الله عز وجل علىَّ وإنعامه وإكرامه، ولذا أسميت هذا السيرة " هذا فضل الله"، وأنا فى هذا يا إخوانى الكرام؛ إنما اتَّبع نهج الصالحين لأن أكثرهم خطوا سيرة حياتهم بأيديهم لمن بعدهم، فكشفوا عما عايشوه عياناً بياناً، ولم يتركوا غيرهم يحكي عنهم نقلاً ولا سماعاً، فأبانوا للقاصدين عن دقائق سيرهم ومجاهداتهم وأنوار أفعالهم وأحوالهم التى بلغهم الله تعالى بسرها المنازل؛ فلا تكون سيرتهم من بعدهم نهباً لتآليف المنتفعين! ولا مرتعاً لأدعياء المتصوفين! ولا مبالغات المحبين!! وهم فى هذا كله قد تجرَّدوا عن رؤية ذواتهم ومدح أفعالهم، لأنهم لم يشهدوا إلا بالحق القاطع تنفيذاً لأمر الله المانع فى الكتاب الجامع فى قوله تعالى فى (283البقرة):
( و لاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ )
فكانوا فى سردهم لمجاهداتهم وأحوالهم ومشاهداتهم ومنازلاتهم ومكافحاتهم مسترشدين فى كل لمحة ونفس وأقل بقول الحق تبارك وتعالى فى كتابه الكريم :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ , كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) (2-3 الصف)
ومهما عجبت مما يقولون! أو صعب عليك استيعابه أوعسر فهمه أو هضمه فاعلم أنهم جعلوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم نصب أعينهم ولم يحيدوا عنه قيد أنملة:
{ إِنَّ أَفْرَى الْفِرَى مَنْ قَوَّلَنِي مَا لَمْ أَقُلْ، وَمَنْ أَرَى عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَامِ مَا لَمْ تَرَيَا }
فلولا أنه حق صراح ما قالوه ولولا الحاجة لكشفه ما حكوه، وما خفى كان أعظم!، فإن عجبت من شيىء ذكروه فلا تعجل بنقدهم ولا انتقاصهم! ولكن عد باللوم على نفسك ولا تقدح فى حقهم، فإنهم لم يصدر عنهم قول إلا عن نور حق بيِّنٍ شهدوه؛ لا مجال فيه للنفس ولا للوهم أو التوهم ولا الخيال.
وممن نهجوا هذا النهج فكتبوا سيرهم بأنفسهم للذكر لا للحصر:
الإمام المحاسبى فى كتابه: "النصائح الدينية"، والإمام الغزالى فى كتابه: "المنقذ من الضلال"، و إبن الجوزى فى كتابه: "لفتة الكبد إلى نصيحة الولد"، والإمام ابن حجر العسقلانى فى كتابه: "رفع الإصر عن قضاة مصر"، و محمد بن طولون الدمشقى فى كتابه: "الفلك المشحون فى أحوال محمد بن طولون"، والإمام الشعرانى فى كتابه الشهير :" لطائف المنن والأخلاق فى التحدث بنعمة الله على الإطلاق"، وغيرهم وغيرهم … رضى الله عنهم أجمعين، فأنا على نهجهم رضي الله عنهم أكتب هذه الشذرات المختصرة ليكون فيها بفضل الله بعض العون والعبرة لمن يرغبون سلوك طريق القوم ويريدون أمثلة حديثة أمامهم!.
ويعلم الله منى أنِّى أرى نفسى أقلَّ من أن أكون نموذجا أو قدوة للسالكين! أو أن أقف بجوار من ذكرت من السابقين المفلحين! ولكنه إلحاح الإخوة المحبين! وإصرار الأحباب الكرام أجمعين! أسأله سبحانه وتعالى أن يغفر لى مالا يعلمون، وأن يجعلنى أحسن مما يظنون فهكذا علمنا الحبيب الأعظم أن نكون، كما أنِّى أسأله سبحانه وتعالى أن يقيمنى دائماً وأبداً على خير حال يحبُّه الله ورسوله والمؤمنون.
مع وعد بعود حميد إن شاء الله لإكمال هذه السيرة وإخراجها فى كتاب منفصل كما يرغب إخوانى، وكما تقضى أمانة العلم والشهادة على ما ربَّانا عليه ساداتنا ومشايخنا، والله المستعان وبه بلوغ الإخلاص والتوفيق فى كل شان.
إبدأ بسم الله الرحمن الرحيم، فاقول ولدت ببلدة الجميزة مركز السنطة بمحافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، يوم الإثنين الثامن عشر من أكتوبر 1948م، الموافق للخامس عشر من ذى الحجة 1367هـ، وتلقيت تعليمى ببلدتى وبالمركز حتى حصلت على الثانوية العامة، ثم التحقت بكلية دار العلوم بالقاهرة سنة 1966م، ومنها حصلت على ليسانس دار العلوم سنة1970 م.
ثمَّ عملت بالتربية والتعليم بصعيد مصر أولاً، ثم تنقَّلت وترقَّيت حتى وصلت إلى منصب مدير عام بمديرية طنطا التعليمية، ثم تقاعدت سنة 2009م، وما زلت أقيم حتى الآن ببلدتى بالجميزة، وقد منَّ الله تعالى على بفضله واستعملنى فى مجال الدعوة إليه سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة منذ ما يقرب من الأربعين عاماً والحمدلله على فضل الله وتوفيقهالبداية
وأنا فى السنة الثانية من كلية دار العلوم – جامعة القاهرة- وكان ذلك فى عام1967م، حبِّبت إلى العبادة، وخاصة الصيام وتلاوة القرآن والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ، وأكرمن الله بالمحافظة على الفرائض فى أوقاتها فى جماعة.
واستأنست فى تلك الفترة ببعض الكتب الدينية محاولا جهدى أن أقرأها لأعمل بها، وكانت البداية هى كتاب) تنبيه الغافلين (لأبى الليث السمرقندى ، ثم كتاب) بداية الهداية (للإمام الغزالى وهو مطبوع على هامش كتابه) منهاج العابدين( والذى وضع فيه رضي الله عنه .منهاجا كاملا للفرد من وقت يقظته من نومه حتى نومه ثانية بعد صلاة العشاء .
وقد أكرمنى الله عز وجل بتنفيذ ما فى هذا الكتاب، بالإضافة الى صيام يومى الاثنين والخميس من كل أسبوع والأيام الفاضلة كأيام العشر من ذى الحجة ويوم عاشوراء وغيرها، وكذا حبِّبت إلى الصلاة على النبى ، فكنت أواظب على قراءة كتاب) دلائل الخيرات (للإمام الجزولى وكتاب ) أنوار الحق فى الصلاة على سيد الخلق (للشيخ عبدالمقصود سالم .
وكنت أجد لذة عظيمة فى الصلاة علي النبى صلى الله عليه وسلم فى طريقى بصيغ كان يلهمنى الله عز وجل بها، حتى كنت أفرُّ ممن أعرفهم فى الطريق لكى لا يشغلونى عن تلك اللذة العظيمة، كما جعلت لى حزبا من الصلوات والتسليمات عليه صلى الله عليه وسلم أقرأه فى منتصف الليل قبل النوم، فكنت أقرأه فى سكون الليل ووحشته وأحسُّ بأنس عظيم يجعلنى أستحضر أنه صلى الله عليه وسلم سيحضرنى ويمكننى من رؤيته،وأنام على هذه الكيفية وأنا منتظرٌ ومترقِّبٌ لمجئ حضرته، فأكرمنى الله عز وجل برؤيته صلى الله عليه وسلم مرات عديدة.
وقرأت وقتها كلاماً منسوباً للإمام الغزالى ومقتضاه: أن العبد إذا واظب على الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأنس به ويراه، ثم تعلو همته بكثرة الصلاة عليه فإنه صلى الله عليه وسلم يصير شيخه ويوجِّهه في منامه أو في يقظته إن كان من الأقوياء وأن مثل هذا لا يحتاج إلى شيخ آخر، وصادف هذا الكلام هوى في نفسي وعزمت على السير في هذا المنهج إلى منتهاه.
البحث عن العارف وبركة رسوله صلى الله عليه وسلم .
وفي ذلك الوقت كان الصالحون ومحبوهم يتجمعون حول العارفين المنتقلين، وخاصة في موالدهم وكنت أتردَّد على تلك الموالد بحثاً عن الصالحين للتعرف عليهم وزيارتهم، وأيضاً كنت أتردَّد على الأضرحة المباركة بدعوة من أصحابها، فكنت أرى نفسي في ضريح أحد العارفين ربما لا أعرفه من قبل فأذهب إلى زيارته.
وفي مرة إلتقيت برجل من الصالحين هو الشيخ حسن شعبان ، وأثناء تجاذبنا الحديث سألني: هل لك شيخ؟، فقلت: نعم، شيخي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: هذا لا ينفع عندنا (أي عند أهل الطريق) من لا شيخ له فالشيطان شيخه!!
فكانت هذه الكلمات بمثابة الشرارة التى حركت ما كمن في نفسي من حبِّ الإتصال بالعارفين تحقيقاً لقوله تعالى (119 التوبة) :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ )
وهكذا انتقلت بفضل الله تعالى إلى المرحلة التالية فأصبحت كلما سمعت عن عارف أو صالح ذهبت إليه وعرضت نفسي عليه، فمنهم الشيخ "أحمد حجاب" رضي الله عنه الذي قال لي: "هو أنا شلت نفسي لمَّا ها شيل غيري"!!
فخرجت من عنده حزيناً، ولم أكن أعلم وقتها أن الأولياء قسمان، وليُّ مرشدٌ وهو الذي يقيمه الله عز وجل لدلالة الخلق عليه، ووليُّ لنفسه وهو الذي يقيمه الله لعبادته وطاعته.
ولما كانت الكلية بحي المنيرة بالقاهرة في ذلك الوقت بالقرب من السيدة زينب رضي الله عنها، فكنت أتردد على السيدة زينب كثيراً وأسأل عن الصالحين، فذهبت إلى الشيخ عبدالمقصود سالم ، وعرضت عليه صحبته، فقال لي: هل تزوجت؟ ، فقلت: لا، فقال: عندما تنهي دراستك وتتزوج إئتني !!
فتعجبت لأني كنت في حال لا أحسُّ فيه بأن هذا الأمر عائق عن السير إلى الله، فقلت على الفور: وهل سيدنا عيسى تزوَّج؟ فأجابنى: لسنا كسيدنا عيسى.
وبعد بحث جهيد مع الصادقين من رجال الله تارة، ومع البطالين في طريق القوم، والذين هم في نظرنا قطاع طريق للخلق، ولذا لا نجد داعياً لذكرهم ..
ذهبت في المولد الرجبى لسيدي أحمد البدوي بطنطا لزيارة الشيخ إبراهيم حسين عمّار بعد ما سمعته عنه، وعندما صافحته وجلست أمامه، أخذ يتأملني ثم أثني عليَّ وطلب مني أن أكرر زيارته، ففعلت وتوثقت عرى المحبة بيننا ومكثت معه سنتين كانت فيهما التربية الروحية الأولى لي.
وكان الشيخ إبراهيم حسين رضي الله عنه رجلاً صاحب حال، وهو قطبٌ للمقام العيسوي، فكان يضع يده على ظهري ويربِّت بها فأحسُّ بحرارة الحال تنتقل إلىَّ، وقد ورثني الله عز وجل ببركته أحوالاً باطنية حتى كنت لا أطيق أن أحرك لساني لإستماعى بوضوح إلى الذكر الذي ينشغل به جناني! إلى درجة أني كنت عندما أركب المواصلات في طريقي إلى الكلية، لا أحسُّ بأجساد من حولي رغم شدة الزحام ولصوقها بي لما أنا مشغول به.
وكان هذا حال طيبٌ، ولكنه كان سيؤثر عليَّ تأثيراً سلبيَّاً لولا أن تداركتني عناية الله عز وجل ، فقد قوَّى هذا الحال عزمي على التفرغ للعبادة، ونويت فعلاً ترك الدراسة والبحث عن مكان منقطع أتفرغ فيه لعبادة الله عز وجل لما أجده من لذة في العبادة، لولا أن تداركتني عناية الله بمعرفة الإمام أبي العزائم رضي الله عنه .
معرفة الإمام أبى العزائم رضي الله عنه

وفي غضون ذلك كنت لا أكفُّ عن قراءة كتب الصالحين وآثارهم... وبينما أنا في جلسة مع نفر من محبي الصالحين، ذكروا لي نبذة عن طيبة عن الإمام أبي العزائم وعن خليفته القائم في ذلك الوقت، وهو ابنه السيد أحمد ماضي
أبو العزائم، وبعد انصرافي نمت في تلك الليلة فرأيت السيد أحمد ماضي أبو العزائم جالساً على كرسيه الخاص به، ولم أكن رأيته من قبل.
وعندها استخرت الله عز وجل في زيارته، فرأيت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذ بيدي وطاف بي العوالم العلوية ثم هبط بي على الأرض، وأدخلني على الإمام أبى العزائم وقال لي: تعرف من هذا؟، فسكت تأدباً معه صلى الله عليه وسلم فقال صلوات الله وسلامه عليه: هذا شيخك، فعلمت أن هذا إذن منه صلى الله عليه وسلم بالانتقال، فتوجهت إلى السيد أحمد وكان عنده نفر من الإخوان فانصرفوا سريعاً، وبقيت أنا وهو، فبايعته ولزمت طريق أبيه رضي الله عنه .
البحث عن المعرفة
ولما كان الشيء الذي يؤرقني ويدفعني إلى البحث عن الصالحين هو كيفية معرفة الله عز وجل المعرفة الشهودية، وذلك لا يتأتى إلا بانكشاف أنوار البصيرة النورانية، فكان أول سؤال أطرحه على كل عارف ألتقي به هو: كيف تنفتح البصيرة؟ وكان كل واحد منهم يجيبني على حسب منهجه ومشربه. 
ولما دخلت رياض المدرسة العزمية وجدت فيها طريقة التربية تختلف من فرد إلى فرد، فقد ربَّى الإمام أفراداً على نهج الدعوة الصوفية الحقة، وأذن لهم في الإرشاد، فكانوا يجوبون البلاد ويلتف حولهم الصادقون ويحيط بهم المطلوبون، ولكل واحد منهم نهج خاص به؛ وفي ذلك يقول الإمام رضي الله عنه : { الوسعة تقتضي التفاوت }، فوسعة المرشد تقتضي تفاوت مشارب ومشاهد السالكين، فكان أن أقبلت على بعض هؤلاء الهداة أطلب الحصول على بغيتي، وهي فتح باب البصيرة.
وكان أول من تلقَّيت منهم الشيخ طاهر محمد مخاريطة فتعلقت به لأن الله وهبه لسان بيان الإمام أبي العزائم، ومن شدة تعلقي به وقد كنت مواظباً على حضور دروسه في أى مكان، أنى كنت أحفظ الدرس من أوله إلى آخره وأعيده على إخواني بعد رجوعي بقاله وحاله، وكأنه شريط مسجل. 
وكان له الفضل علىَّ إذ حثّني على الإقبال على دراستي حتى الإنتهاء منها ثم بعد ذلك يكون الإقبال بالكلية على طريق الله، ولما كاشفته برغبتي ومنيتي، دلَّنى على الأوراد العزمية من الأحزاب والفتوحات الخمسين في الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واللطائف البرزخية وغيرها حتى أنه لما وجد نهمي في ذلك وأن كل ما وظَّفه لي لا يشبع رغبتي، قال لي: كل الأوراد مفتوحة لك ومعك الإذن فيها.
ولما كان من شروط السلوك الصحيح الذي يعقبه الفتح عند الصوفية أن المريد لا يفعل ورداً إلا بإذن من شيخه؛ حيث أن الإذن يفتح له باب الإمداد ويجعل روح الشيخ تلاحظه فتحفظه من العقبات الخفية والوساوس النفسانية، فقد فرحت بهذا الإذن وأقبلت على الأوراد بهمَّة لا تكلُّ، غير أن هذا لم يشف غليل نفسي، وكان قول الإمام أبي العزائم: 
أبداً إلى هذا الجناب حنيني ... لا صبر لي حتى تراه عيوني
يرنُّ في أذني دائماً مما حدا بي أن أكشف هذا الأمر للشيخ محمد شحاته هنداوي ، فقال لي: الذي يفتح البصيرة هو ذكر الله عز وجل ، ولكنه لم يبين لي كيفية هذا الذكر ولا طريقته، فعرضت الأمر على رجل آخر من الدعاة وهو الشيخ قطب زيد ، فأجابني إجابة فهمت منها أنه يريد صرفي عن هذا الأمر، وأن يكون كلُّ همي هو الإقبال على مجالس الإخوان وتبادل الزيارات وقراءة الصلوات في الجماعة.
هذا ولم يكن يعجبني بعض مفاهيم راجت وسط جموع الإخوان في ذلك الوقت ... حيث أنهم كانوا يروِّجون فيما بينهم أن هذه الأذواق العالية ... والأحوال الراقية ... والمشاهد السامية ... إنما هى أذواق وأحوال ومشاهد قاصرة على الإمام أبي العزائم رضي الله عنه فقط!!، أما الباقون .. فيكفيهم أن يحبُّوه ويقبلوا على الأوراد والمجالس! ولا يكلفون أنفسهم هذا الأمر! .. ويؤيدون دعواهم أن هذه الأشياء تنال بفضل الله فقط! وليس للمجاهدات فيها شأن.
وكنت أرد عليهم بما سمعته منهم من أحوال الإمام أبي العزائم وغيره من الصالحين ومجاهداتهم الفادحة في ذات الله عز وجل ، وفي أن اصطفاء الله عز وجل لم يتوقف وفضله سبحانه وتعالى واسع وغير محصور ورحمته عز وجل واسعة تسع كل من اهتدى وأناب، وقد قال سبحانه وتعالى فى (75 الحج):
( اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ )

فكلمة يصطفي بصيغة المضارع تدل على دوام هذا الأمر إلى يوم القيامة. 

البداية الصحيحة للسير إلى الله
وكان من فضل الله عز وجل علىّ أن أكرمنى بصحبة أخي الشيخ أحمد حسن غرباوي الذي أخذ بيدي إلى الطريقة الصحيحة لتهذيب النفس وصقلها وتكميلها بالآداب العالية الواجب اتباعها عند الدخول على الشيخ أو مصاحبته، وفي ذلك يقول الإمام أبو العزائم:
{ على السالك في طريقنا أن يصطفي له أخاً صادقاً سبقه في صحبة الشيخ يتأدب بأقواله، ويتهذب بأفعاله، ويأنس بأحواله، حتى يُدخله على حضرة المرشد ويكشف له عن جمالات وكمالات المرشد، لأن المرشد في ذاته عبد ولا يتحدث عن نفسه }
وكنت وأنا في غمرة تلك الأحوال أتطور سريعاً في الأحوال الروحانية وأشعر بشوق شديد إلى لقاء الشيخ رضي الله عنه ، إلى أن حانت الفرصة ونزلنا لقضاء إجازة العيد، فذهبت تواً للقاء الشيخ ثاني أيام عيد الفطر المبارك.
وكان هذا أول لقاء بيني وبين الشيخ، واستهله رضي الله عنه بعد سؤاله عن الإخوان بأن حكى لي قصة الرجل الذي عزم على زيارة الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه ، وأثناء سيره إليه وجد عابداً يسكن في كوخ صغير بالقرب من ساحل البحر، فعرّج عليه ليتعرف عليه وعرف منه أنه يصوم النهار أبداً ويقوم الليل أبداً!!
فلما سأله العابد عن وجهته؟ عرفه أنه متجه لزيارة الشاذلي فطلب منه أن يسأله الهاء له، فسار الرجل في طريقه حتى وصل إلى الإسكندرية، ونزل على القطب أبي الحسن فوجد من خيرات الله الحسّية والمعنوية، مالا يحيط به الوصف.
وبعد قضاء مدة الضيافة، استأذن الشيخ في السفر فسأله الشيخ: ألم يكلفك أحد بشيء؟، فحكى له ما دار بينه وبين العابد، فرفع يديه وقال لأصحابه: إني داع فأمّنوا: اللهم إنزع حبَّ الدنيا من قلبه؛ فتعجب الرجل! من دعوته.
ثم سافر الرجل راجعاً حتى وصل إلى كوخ العابد، فسأله عن رحلته، فأخبره بها وكتم عنه حياءاً منه ما دعا به الشيخ له، لما يراه من عبادته، ولكن العابد ألّح عليه في معرفة الدعوة التى دعا بها الشيخ له، فذكرها له، فقال: الحمد لله! لقد تعرفت الإجابة وأحسست بها في نفسي منذ ذلك الوقت، فقال الرجل مندهشاً: وما الدنيا التى عندك؟ ، فقال: أنا أصوم النهار، فإذا دنا المغرب ذهبت إلى البحر لأصطاد شيئاً أفطر عليه، فكان الله عز وجل يخرج لي كل يوم سمكة واحدة، كأنها بعينها التى أتحصّل عليها كل يوم، ومهما اجتهدت في الحصول على غيرها لا أستطيع!!.، فكنت كل يوم وأنا ذاهب إلى البحر أتمنى بقلبي أن يرزقنى الله بسمكة أكبر أو بأخرى معها؛ فلما دعا لي الشيخ لم أعد أجد ذلك الخاطر في نفسي.
فزادت دهشة الرجل من أحوال الصالحين وعزم على زيارة الشيخ أبا الحسن في السنة التالية، وعندما ذهب إليه فوجئ بأن الأكل غير ما اعتاده فهو صنف واحد في كل يوم في الفطور والغداء والعشاء، وتعجب من ذلك وظن في نفسه أن الشيخ لا يريد إكرامه، مع أنه كان يأكل معه، وأدرك الشيخ ببصيرته النورانية ما يختلج بصدره فقال: "نحن قوم نجود بالموجود، ولا نتكلف المفقود".
فكانت هذه الحكمة هي المفتاح الذي فتح قفل قلبه ووضعه على أول طريق الفلاح، الذي نهايته لقاء الكريم الفتاح. 
وقد أثمر هذا اللقاء مع الشيخ رضي الله عنه عندي عدة أشياء منها: أني فهمت أنى أنا على شاكلة هذا العابد لشغلى في ذلك الوقت بالعبادة...؛ لأن المريد الصادق يأخذ كل حديث للشيخ في الخلوة أو في الجلوة على أنه هو المقصود به!، ولا شأن له في ذلك بغيره،.
ومنها أنى علمت أن المريد لا يصح له وضع قدم في طريق الله عز وجل حتى يخلع الدنيا بالكلية من قلبه، ومنها أنى أدركت أن دعوة الشيخ وقد كررها أمامي ثلاثاً هي لي والحمد لله شعرت بالإجابة من وقتها، فصارت الدنيا لا تساوي عندي قليلاً ولا كثيراً بجانب رضا الله عز وجل . 
أما الدنيا التى كانت عندي، فهى أني كنت أعبد الله عز وجل لأنال آمالاً وقصوداً في نفسي وهى وإن كانت قصوداً راقية لأنها تتعلق بالدار الآخرة والوصول إلى الله عز وجل ، إلا أنها لا تليق بآداب أهل الحضرة الذين يعبدون الله عز وجل لا لنوال عطاء ولا خوفاً من جزاء، وإنما لأنه سبحانه أهلاً لهذه العبادة وهذه طريقة العارفين، حيث يرمزون إلى السالكين بما يصحح أحوالهم في سياق حديثهم حتى ولو كان حديثاً عادياً، وفي ذلك يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه :
عنّي اسمعوا ما تعقلون من الكلام
فالعلم بالرحمن من صافي المدام

والعلم بالله العلي غوامضٌ
لا يُفْقهن إلا لصبٍ في اصطلام

خذ ما صفا لك من إشارة عارف
فالعارفون كلامهم يشفي السـقام

وهكذا بدأت السلوك الحقيقي إلى الله عز وجل على القدم الثابت المحمدي في حظوة هذا الولي، وما دار بيننا سأذكر نذراً يسيرا منها فى هذه السيرة تنشيطاً لهمم الأحباب ورفعاً لعزائم الطلاب وإن كان أغلب ذلك لا يليق أن نذكره لقوله صلى الله عليه وسلم :
{ المجالس بالأمانات } 
وقانون أهل الحضرة في مجالسهم: نحن قوم نجلس مع الله، فإذا قمنا من المجلس فكأنما لم نجلس كتماناً للسر، وهذا لأن هذه العلوم والأسرار تحتاج إلى أذواق خاصة فالطريق إليها الحكمة القائلة: "ذُق تعرف".، والإشارة إليها في قول الإمام الغزالي: 
فكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر 
وهي المعنية بقول الإمام أبي العزائم رضي الله عنه .: 
احفظن سري فسري لا يباح
من يبح بالسر بعد العلم طاح

علمنا فوق العقول مكانة
كيف لا وهو الضيا الغيب الصّراح

خصَّنا بالفضل فيه ربنا
ذاك سرٌ غامض كيف يباح
فى صحبة الشيخ رضي الله عنه
وبدأت صحبتى مع الشيخ رضي الله عنه ، وأذكر باختصار شديد أنه عندما أمرنى بالإرشاد وكنت أتوجه بأمره إلى الجهات المختلفة للقيام بوعظ أهلها وإرشادهم، كان يتولى بعد عودتى وفى درسه تصحيح بعض المفاهيم التى ذكرتها، ويعيد توضيحها بما يلائم العصر مع اليسر فقد كنت أنقل عن السابقين آرائهم واستشهد بها فى دروسى، وربما لاأفطن أنها لاتلائم العصر أو أنها تشدد على الناس.
فكان يقول لى منبِّها وهو فى الدرس العام: بعض الناس يقولون كذا، و الصواب الذى يجب أن نقوله للناس هو كذا، ويذكر الأسباب، ومثال ذلك موضوع الموت، فقد كنت أركز فى حديثى عنه عن شدته ورهبته كدأب السابقين، حتى سمعته رضي الله عنه يقول:
يذكر الناس الموت وشدته ورهبته ولا يفرقون فى ذلك بين المؤمنين وغير المؤمنين، وما قالوه حق وواقع ولكن بالنسبة للكافرين والمشركين والجاحدين، أما بالنسبة للمؤمنين فالأمر يتغير، فهو بالنسبة لهم فرح بلقاء الله وسرور بتكريم الله، وجعل يذكر من ضروب التكريم وألوان النعيم التى يتلقاها المؤمن عند موته حتى جعل الحاضرين يحبُّون الموت ويتمنونه. 
وأذكر أنه مما أثار دهشة الكثير من الأخوان أننا كنا ذات مرة فى زيارة فى بلدة الرزيقات قبلى بأرمنت بمحافظة قنا، وقد ذهب رضي الله عنه .لزيارة مريض وذهبت مع الإخوان للمسجد الصلاة ، وبعد الصلاة طلبوا أن ألقى درسا ، فتحدثت معهم شارحا حكمة للإمام أبى العزائم: ( الورثة أربعة، ورثة أقوال: وهم حملة الشريعة الممنوحين، وورثة أعمال؛ وهم العباد الورعون، وورثة أحوال؛ وهم أهل المواجيد الصادقة المحدثين، والرابع الوارث الفرد الجامع )
وشرحت للإخوان الحاضرين الثلاثة الأولى بحسب ماتيسَّر، وهممت بشرح الرابعة، وإذا بأخ يدخل علينا ويقول الشيخ يدعوكم، فقمنا وذهبنا وجلسنا حيث كان الشيخ وبدأ درسه قائلا: الورثة أربعة وسردهم ثم بدأ بشرح الرابع وهو الوارث الفرد الجامع أى من حيث أنتهيت أنا رضي الله عنه .وأرضاه.
واستمرت بنا السنوات، وتوالت الأحداث، ووقع فيها ماشاء الله له أن يحدث، وظهر فيها من الأنوار والأسرار والإفاضات والتأييدات مما لايسعه الذكر أو لا تطيقه العبارة ولاتحمله الإشارة.
وفى أثناء تلك السنين أسس الشيخ رضي الله عنه جمعية الدعوة إلى الله بمصر الجديدة لتكون واجهة رسمية للدعوة الصادقة، وقد أنضم إليها أبناؤه وتلامذته وكنت واحدا منهم واستمرت المسيرة.
وقد كلفنى رضي الله عنه بما شاء فى هذا السبيل من الأمور والمهام ومن شئون الدعوة، وكنت أصحبه رضي الله عنه فى غالب رحلاته الدعوية، وكان الشيخ رضي الله عنه يحيل إلى الكثير من شئون الإخوان واستشاراتهم، وكان رضي الله عنه إذا ما استشاره أحد فى شيىء وسأله: هل سألت أخانا فوزى فى هذا؟ فإن قال نعم ، قال له أعمل ما أشار عليك به !! وربما سأل الشيخ بعضهم: بماذا أشار عليك فوزى؟ فيقول له: كذا، فيقول: نعم هو الصواب، وأخبرنى البعض ممن كان يلازم الشيخ أثناء إقامته ببورسعيد أنه سمعه فى غير موقف يقول لمن يسأله: إذهب لفوزى ففوزى أنا وأنا فوزى.

استلام الراية
ومرت السنون وكان لى مع الشيخ من الشئون ما لا يسعه المجال، وما قد لا يسطر بحال مما ليس له وعاء إلا صدور الرجال......
حتى جاء أمر الله وكان العام 1411هـ، 1991م ، وذهب الشيخ للحج هذا العام وكان على موعد للقاء الله تعالى، وقد صحبته بعد أن أمرنى بالحج حيث كنت لاأنوى الحج هذا العام وقال لى: ومن الذى يثبت الإخوان عند إنتقالى، فكان ماأراد رضي الله عنه .
ولما جاء الأوان الموعود .... .. وفى آخر ليلة قبل انتقال الشيخ وقد مرَّ رضي الله عنه على جميع الإخوان يسلم عليهم فرداً فرداً وكانوا يعجبون لذلك، جاءنا حيث نقيم بفندق أم القرى الحادية عشرة مساءاً، فأحببنا أن يخلد إلى النوم لينال قسطاً من الراحة، ولكنه قال: أحبُّ أن أجلس معكم لحظات، وبدأ رضي الله عنه يسرد ماحدث فى محاضراته التى ألقاها اليوم للحجيج، ويوضح أن هناك أخطاء كثيرة يقعون فيها للجهل بالمناسك، ثم توجَّه إلى وقال: عندما تنزل مصر إن شاء الله اجمع هذه الأخطاء تحت عنوان "أخطاء شائعة فى الحج " وأضفها إلى كتاب حكمة الحج وأحكامه فى طبعة جديدة. 
وفى اليوم التالى كان ما قدر الله، وانتقل الشيخ رضي الله عنه إلى رحاب الله ، ودفناه بمقبرة المعلا بمكة المكرمة.
وهنا عجيبة من ترتيبات القدر أحببت أن أقصها عليكم ، فقد عرفنا لاحقاً أن مقبرة المعلا تقع فى عطفة أو حارة الجميزة بمكة المكرمة ووجدنا يافطة كبيرة بذلك على مدخل المقبرة للقادم من ناحية الحرم واليافطة مازالت موجودة بجوار المدخل، والعجيبة هنا أن اسم حارة "الجميزة" إسم غير مشهور لا بالسعودية ولا بمصر، وهو نفس اسم بلدتى التى ولدت فيها وأعيش بها فى الوقت الراهن وهى بلدة "الجميزة" مركز السنطة بمحافظة الغربية بمصر.

إكمال المسيرة والفتح الوهبى فى الدعوة
وبعد العودة من الحج استكملنا مسيرة الدعوة المباركة كما بدأها رضي الله عنه .، وأسسنا الجمعية العامة للدعوة إلى الله وهى جمعية مركزية، وأصبح لها ما يزيدعن العشرين فرعاَ بجميع المحافظات.
وأكرمنا الله بإخوان صدق أعانونا فى شئون الدعوة، واكملنا المسيرة على نهج الشيخ بعقد لقائين جامعين فى السنة، اللقاء الأول إحتفالاً بالمولد النبوى الشريف، والثانى إحتفالاً بذكرى الإسراء والمعراج، وأضفنا إليه لقاءاً ثالثاً وهو لقاء الإحتفاء بذكرى الشيخ محمد على سلامة رضي الله عنه .
وكنت أسافر بانتظام إسبوعياً تقريباً من بلدتى إلى بلدة أخرى للقاء إخواننا بأهل هذه البلدة يوم الجمعة أو ليلة الجمعة ويومها، كما واظبت أيضاً على اللقاءات السنوية بالصعيد فى أسوان والأقصر وإسنا وسوهاج، وكذا بالمنيا ومغاغة وأيضاً الإسكندرية وبورسعيد وبنها والمنصورة وكفر الشيخ وغيرها، وكل ذلك على نفقتى الخاصة بفضل الله، ومع استمرارى فى العمل بالتربية والتعليم وترقيتى فى عملى واجتهادى لأكون صورة صادقة جامعة فى هذا الزمان بإذن الله، و ذلك حتى إحالتى إلى التقاعد عند بلوغ الستين ومن وقتها وأنا متفرغ تماما للدعوة ليل نهار وهذا فضل الله تعالى وحسن توفيقه ونظرات حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم .
وكان لهذه اللقاءات المطولة بالصعيد والأسبوعية بالبلاد الأثر الأكبر فى ترسيخ الدعوة وطرح أساليب التربية الصادقة على المريدين ... وتفريخ الرجال الصادقين، وقد أظهر الله تعالى لنا فيها من التأييد وافاض علينا من بحور الإلهام مما تعجز عن تسطيره الأقلام، وجمع علينا بفضله من خيرة الأتباع الصادقين المقبلين على ربِّ العالمين مما جدد روح الدعوة وأشاع فيها روح المحبة والصدق والأخوة.
ثم ألهمنى الله تعالى لما ظهرت لى حاجة الدعوة للقاءات المتتالية المنتظمة المنهجية إضافة إلى ما كان يجرى بالفعل، أن نعقد لقاءاً شهرياً جامعا، فكان لقاء المعادى بالقاهرة يومى الخميس والجمعة الأولى من الشهر، يبدأ اللقاء من بعد صلاة العشاء يوم الخميس، ثم صباح الجمعة فالخطبة ويستمر إلى صلاة العصر.
وقد أكرم الله الدعوة بهذه اللقاءات المنتظمة والتى استمرت من يومها فى منتصف التسعينات حتى اليوم فى أن تكون منبرا راسخاً فى التربية الصوفية المنهجية المنتظمة، وترسيخ الدعوة الصادقة إلى جهاد النفس وغيرها من الكثير مما فتح الله تعالى به علينا، فكانت هذه اللقاءات الشهرية على مدار السنوات بمثابة معاهد علمية صوفية شرعية راسخة ، بل واصبحت لقاءاتنا الشهرية اليوم منبراً عالميا يتابعه آلاف المسلمين على الهواء على الشبكة الدولية للمعلومات.
وانتشرت الدعوة وأكرمنى الله ببركة حبيبه صلى الله عليه وسلم فأفاض على من الحكمة وفصل الخطاب مما دعا الكثيرين لإستضافتى بكثير من البرامج المسجلة أو على الهواء بالإذاعة والتليفزيون والقنوات الفضائية ، وقد عرض علينا ومازال الكثير من ذلك ومن البرامج ولكنى كنت ومازلت أصرُّ دائما على ألا أقبل إلا دعوات البرامج التى تدعو للمِّ الشمل، ومحاربة البدع والخرافات، وعدم التجريج أو بلبلة الرأى العام بالأقوال المهجورة، وعدم شن الحروب الدعائية والبعد عن الإثارة وعدم افتعال أو إشعال الخلاف، وتجنب ما يحدث الفتن ويشيع روح التباغض أو الفرقة والتشدد فى المجتمع.
كما أكرمنى الله بالتأكيد على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لإحياء روح الإسلام الحقيقية وإعطاء الشكليات وزنها الحقيقى بلا مبالغة ولا تسيب، وبأن تكون دعوتنا وسطية لا تفريط فيها فى شرع الله ولاإفراط ولا مغالاة.
وفى المقابل فقد جعلنى الله تعالى أنا محبَّ الصوفية الحقة والمتصوفين الصادقين حرباً على كل أدعياء التصوف ومحبى الدروشة والشعوذة والكسل والإختلاط والخزعبلات ومرتزقى أو أرزاقية التصوف، لنعود بالتصوف إلى رحاب الدين الحق وإلى طريق الصدق والإخلاص والإقبال على الله بالعمل والجد ونفع المجتمع أفراداً وجماعات.

جمع التراث العلمى والدعوى وتفريغه
وقد منَّ الله علينا بأخوان صدق فى جميع البلاد يسجلون دروسنا منذ أيام الشيخ وفى حياته وبعد ذلك، حتى جمعوا لنا من ذلك حتى الآن ما يزيد عن الأربعة ألاف شريط من التسجيلات والعشرات من شرائط الفيديو ثم التسجيلات الرقمية والإسطوانات المدمجة فانضم من ذلك المئات إلى ماسبق، ومازال الكثير لم يجمع بعد مما سجِّل بحقبة السبعينات والثمانينات وأوائل التسعينات وجارى جمعه وتفريغه.
وقام من بينهم جماعة من أهل الإخلاص والصدق أفرغوا ما يقرب من الأربعمائة وخمسين شريطاً ، فكتبت وخرجت أحاديثها وآياتها وأكرمنا الله حتى الآن بطباعة تسعين كتاباً فى جميع شئون الدين والحياة والتصوف والطريق إلى الله والحقيقة المحمدية وأكثرها من هذه الشرائط المفرغة وكذا من اللقاءات الحديثة الممنهجة ؛ نسأل الله تعالى أن يعيننا على إخراج ماتبقى للنور لنفع المسلمين والمسلمات إنشاء الله رب العالمين.

الدعوة على شبكة الإنترنت
الخطوة الأولى والثانية:
لما ظهرت حاجة الدعوة لخوض غمار المجال الحديث على الإنترنت أعان الله إخواننا أهل الصدق فأنشأوا لنا موقعاً على شبكة الإنترنت وذلك عام 1999م، وكان موقعاً بسيطاً بقدر ما أتاحته الشبكة وقتها.
ومع تطور تكنواوجيا الكمبيوتر والإنترنت أكرمنا الله عام 2011م وبجهود المخلصين طوَّرنا الموقع للمرة الثانية ليصبح مرجعاً عالمياً علمياً تسجيلياً لجميع رحلاتنا ولقاءاتنا وكتبنا، واجتمعت جدهود القائمين عليه فى الطريق لتفريغ هذا التراث الضخم بالكامل من التسجيلات وكذا تسجيلات الفيديو لتحويلها رقمياً أيضاً، كل هذا مع تبويب الجميع زمنياً ومكانياً، وفهرستها موضوعيا ليسهل الوصل إلى موادها بأي طريق، ونهاية فالموقع كان فى تطويره الثانى يعرض جميع محاضراتنا صوتا، وصورة ناطقة، وكتابة، ويمكن للمتصفح السماع فقط أو قيديو أو قراءة أون لاين، أو التنزيل كتابة أو صوتا أو الفيديو بامتدادات مختلفة، وطبعا احتجنا إلى العديد من عمليات الإصلاح الهارد والسوفت والمعقدة لتحسن جودة التسجيلات القديمة بعد هذا العمر، ثم يزاد على هذا بتخريج الآية والحديث وغيره لإتمام العمل وكتابة التفريغ ومراجعته ثم رفعه بتلك الصور المتعددة.
وقد احتوى الموقع على كم هائل من الإستشارات والأسئلة والفتاوى التى تجمعت عبر هذه السنين الطوال، واحتوى أيضاً على قسم للبث المباشر مكَّن ملايين المشاهدين من متابعة لقاءات الشيخ فى وقتها آنياً، وإضيف للموقع واجهة باللغة الإنجليزية، وتم رفع المواد التى ترجمت وكذا عدد جيد من الكتب.
وقد بلغ عدد التمابعين للموقع ما يزيد عن المليونين وتم تنزيل عشرات الآلاف من الكتب وكذلك المقالات والصوتيات والفيديوهات.
التطوير الثالث أغسطس 2015:
ومع التطور السريع بعالم الإنترنت ظهرت الحاجة الماسة للتطوير الثالث للموقع وقد تمَّ بحمد الله تعالى إفتتاح الموقع فى نسخته الثالثة المطورة جداً وهو يحتوى على نفس أساسيات الموقع السابق ولكن بأحدث الأساليب البرمجية والعلمية وكذا لتصفحه على الأجهزة النقالة الحديثة من الموبايلات والتابلات وغيرها، وسوف نصدر تطبيقات مختلفة للموبايلات قريباً إن شاء الله.
والأمل فى الله كبير أن يعين القائمين على هذا المشروع ويجمع عليهم المزيد من أهل الصدق والإخلاص والمتخصصين ليكتمل تفريغ وتصنيف ورفع تراث الشيخ قديمه وحديثه فيكون الموقع شاملاً لتراثه العلمى، وبلغات متعددة، والله الموفق من قبل ومن بعد وهو تعالى من وراء القصد وهو يهدى السبيل.


الدعوة والهدف
وأنا أعمل الآن رئيسا للجمعية العامة للدعوة إلى الله بجمهورية مصر العربية، والمشهرة برقم 224 ومقرها الرئيسى 114 شارع 105 حدائق المعادى بالقاهرة، ولها فروع فى جميع أنحاء الجمهورية.
كما أتجول فى جميع الجمهورية والدول العربية وغيرها، لنشر الدعوة الإسلامية وإحياء المُثل والأخلاق الإيمانية بالحكمة والموعظة الحسنة، بالإضافة إلى الكتابات الهادفة إلى إعادة مجد الإسلام ، والتسجيلات الصوتية و الوسائط المتعددة للمحاضرات والدروس واللقاءات على الشرائط و الأقراص المدمجة، وأيضا من خلال موقع الإنترنت: WWW.Fawzyabuzeid.com
أما الدعوة فأدعو بحمد الله تعالى إلى نبذ التعصب والخلافات بين المسلمين والعمل على جمع الصف الإسلامى وإحياء روح الإخوة الإسلامية، والتخلص من الأحقاد والأحساد والأثرة والأنانية وغيرها من أمراض النفس، كما أحرص على تربية أحبابى على التربية الروحية الصافية بعد تهذيب نفوسهم وتصفية قلوبهم
وأعمل جاهداً على تنقية التصوف مما شابه من مظاهر بعيدة عن روح الدين، وإحياء التصوف السلوكى المبنى على القرآن وعمل الرسول والأصحاب.
وهدفى من وراء ذلك هو إعادة المجد الإسلامى ببعث الروح الإيمانية، ونشر الأخلاق الإسلامية وترسيخ المبادئ القرآنية.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه السيرة كل من قرأها ، وأن تكون له عونا على تلمس سبيل الحق، فماكان فيها من خير فمن الله، وما كان من غير ذلك فمن سوء طبعى، أسأله سبحانه أن يغفر لى ويتولنى وأحبابى والمسلمين أجمعين.
و ختاماً لتلك السيرة فإنى وكنهج السابقين الصالحين أورد وصيةً لازمة علىَّ لأحبابى وإخوانى وكل من يتصفح أو يقرأ هذه الصفحات:
وصيَّــــــــــــة
إخوانى الأحباب .بارك الله عز وجل فيكم أجمعين ...
ويا كل من يحبُّ الله ورسوله، فيسير إلى مولاه ويتمنى أن يبلغ فى الدنيا رضاه، وفى الآخرة مناه يوم لقياه ... ولكل من يحبُّ الصالحين والمتبعين لهدى سيد المرسلين، وكلَّ من تعلق قلبه بأحوال الواصلين ومقامات الأولياء والعارفين، أو من مالت قلوبهم لأخبار الإكرامات وتأييد الله لأحبابه ولدينه بالبينات، وبما أفاضه الله على أهله من البصيرة المضيَّة والإلهامات القرآنية، والمشاهدات النبويَّة، والرؤى البهيَّة والمكاشفات الوهبيَّة، والتوفيق وإستجابة الدعاء وتحقيق الرجاء! فحرصاً على سلامة عقيدة وقلوب أبنائى وإخوانى وأحبابى والمسلمين أجمعين فأنى أوصيهم جميعاً بهذه الوصية الأبوية:
1- إننى والحمد لله لا آلو جهداً أن يكون نصحى وقولى من بعد عملى مطابقاً للكتاب والسنة وعمل السادة الأئمة، فأنصحهم جميعاً إن وجد أحدٌ شيئاً مما ينسب إلى غير ذلك؛ فليقف فوراً وليستوثق من القول والفهم ليستبين له الحق!.ثمَّ فليأخذ بما وافق الشرع، وليسأل الله لنا المغفرة إن أخطأنا فى إجتهادنا، فإن تكرَّم وراجعنا؛ فله الشكر منَّا والأجر من الله، فإن فوق كل ذى علم عليم.
2- أن يعلَّوا هممهم وعزائمهم فى طريق الله فيسيروا فيه لله؛ لا لسواه، لا لعطية ولا لفتح ولا كشف ولا كرامة، وأن يتحلُّوا بكمال الإعتقاد بأن الإستقامة على شرع الله هى الكرامة الحقيقية الدائمة والتى هى خيرٌ من ألف كرامة.
3- إننا والحمدلله نطلب من كل مسلمٍ، ولا ندخر وسعاً لكى نؤكد لكل من قصدنا ونحثهم بكل السبل على الأخذ بالأسباب الشرعية والأساليب التقنية والوسائل العلمية التى سنَّها الله تعالى فى هذه الدنيا لإنجاز الأعمال وقضاء المصالح كالتوظف والعلاج أو الزواج والإنجاب أو أى أمل فى الحياة! فنطلب من الجميع أن يقصدوا أولاً المختصِّين من أهل العلم والخبرة وأن يطرقوا جميع الأبواب الشرعية كما أمر الله تعالى وسنَّ رسوله صلى الله عليه وسلم ، الذى قال فى الحديث الشريف الجامع فى الأخذ بالأسباب :
{ ثَلاَثَةٌ لاَ يُجِيبُهُمْ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ: رَجُلٌ نَزَلَ بَيْتَاً خَرِباً، وَرَجُلٌ نَزَلَ عَلَى طَرِيقِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ أَرْسَلَ دَابَّتَهُ ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَحْبِسَهَا } 
أى لا يستجيب دعائهم ولا يبلغون غايتهم وقصدهم، فالأول نزل مكانا مهجورا لا يأمن فيه الضرر على نفسه ويقضى ليله متضرعاً لله ليحميه ويحرسه! فلن يجيبه الله! لأنه لم يأخذ بأسباب الأمن والنجاة، وخالف النبى صلى الله عليه وسلم الذى كانت جنود الله كلها تحرسه! ولكنه مع ذلك وأدباً مع مولاه واتباعاً لنظام وقانون الحياة كان يوقف حارساً على بابه عملاً بأسباب الحفظ و الأمان، حتى أنزل الله قوله:
( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (67المائدة) 
فصرف الحارس.
والثانى لم يأخذ بأسباب الكرامة والسلامة ولم يرع حق الطريق فجلس حيث يسير الناس والسيارات والدواب فعرض سلامته للضرر، وكرامته للإمتهان، وأضر بمصالح الناس بتضييق الطريق عليهم! ويريد إحترام الناس ويدعو الله ألا يؤذيه أحد وأن يحفظ عرضه! فلن يستجيب له مولاه لأنه استخفَّ بقوانين الحياة!
أما الثالث ترك أسباب الوقاية والرعاية وبلوغ الغاية! فلا يلومنَّ إلا نفسه ! وكلنا يذكر الحديث الشريف :
{ قال رَجُلٌ للنبيِّ: أُرْسِلُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ؟ قالَ: اعْقِلْها وَتَوَكَّلْ } 
فأوصى كل من أراد أن يستنير برأى الصالحين وبصيرتهم بأن يسألوا أهل الذكر والخبرة قبل أن يأتوا الصالحين! فيعطوا الطب حقه و يتركوا الكسل و التراخى والتواكل فى الأخذ بالأسباب! لأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة!.. فليستشيروا أهل العلم وليأخذوا بالأسباب!
ولكن لا تأتى الرجل الصالح تسأله وأنت لم تدرس الأمر، وتريد من الشيخ أن يكون مكتباً لدراسة الجدوى وبيت خبرة فى الطب والهندسة والإستثمار .. وغيرها! وأنت تكسل أو على نفسك تبخل! و تأتى الرجل وأنت خامل كسلان ليريحك من الطب أو العمل والسعى والسؤال والبحث! وتريده أن يدعو لك فينجح المشروع بلا جهد! أوتتزوج البنت ويعمل الولد بلا سعى! ويشفى المريض بلا طب! فهذا تواكلٌ لا يحبُّه الصالحون لأنهم أشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه وسلم الذى علَّم أصحابه والدنيا بأسرها من بعدهم لما سألته الإعراب:
{ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَيْنَا جُنَاحٌ أَنْ لاَ نَتَدَاوَى؟ قَالَ: تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً } .
وورد فى الأثر أن موسى عليه السلام اعتلَّ فعرف بعض بني إسرائيل علَّته فقالوا: تداوَ بكذا تبرأ؛ فقال: لا حتى يعافيني بلا دواء! فطالت علَّتُه فأوحى له الله:
{ ياموسى أردت أن تبطل حكمتي في خلقي بتوكلك عليَّ! لا أبرأتك حتى تتداوى بما ذكروه لك!، من أودع فى العقاقير المنافع غيري؟
4- ثم أنصح إخوانى أجمعين وكل من استجاب وأخذ بالأسباب أن يعلى عقيدته فى مولاه فيعلم أن الفاعل على الحقيقة هو الله وأنه سبحانه وتعالى مسبِّب الأسباب، فلا يكون إعتماد المؤمن الصادق علي الأسباب؛ بل نعمل بها اتباعاً لسنة نبيينا وحفظاً لقانون حياتنا؛ ثم نتوكل على الله ونعتمد عليه لا على فعلنا! فالله إن شاء عطَّلَ الأشياء، أو أتى للأسباب بتصاريف عجاب فتتوقف الأسباب ويظلُّ العبد فى تعب وعذاب! ولذا نحتاج لرفع الأكف بالدعاء، ولبركات الصالحين والأولياء وإكرامات الله لأهل الرجاء فتعمل الأشياء ويحصل التوفيق بلا مزيد عناء، أو يأتى الفرج فى الخفاء ويكفى الله عبده الإبتلاء.
وقد ورد أن موسى عليه السلام مرض فأمره الله أن يتداوى بنبتة فبرأ، ثم عاد المرض فأخذ النبتة فلم يبرأ! فتعجَّب فقال له الله: يا موسى! ليس الشفاء فى الشجرة وإنما الشفاء فى كلامى! أى أنى أودعت الدواء فى الشجرة، أما الشفاء فلا يأتى إلا بإذنى بأن يفعل الدواء، فالأشياء لا تعمل بما أودعه الله فيها إلا بإذن باريها، وهذا الفرق بين المؤمن والكافر، كيف ذلك؟
هذا لأن الأخير يمرض ويتعالج ويشفى أو يموت ولا يدرى إلا الظاهر كبَعِيرٍ أُمْسِكَ ثمَّ أُطْلِقَ ولا يدرى لم؟، أما المؤمن فيرى السبب الظاهر أنه أهمل الوقاية فمرض، ويدرى السرَّ الباطن أن الله يُطَهِّره أو يرفع درجته أو ينبِّهَه!، فيذهب ليتعالج سائلاً الله الشفاء مع أخذ الدواء وشكر النعم والآلاء! فأنصحكم أن تعملوا بإخلاصٍ وهمَّة؛ وكُلٌ واضعٌ أمله فى الله لا فيما أدَّاه، فيوفِّقه مولاه فيصيب بالعمل مناه! ويحفظه تعالى بفضله مما خفى من تصاريف القدر وأنواء الحياة!..
فإذا أخذ تم بالأسباب وأتيتم الصالحين نلتم من بركاتهم ودعائهم فكنتم متأدبين بأدب النبى الذى لما أراد الحرب أستعدَّ؛ فلما تقاتلوا قام يدعو الله ويلحُّ! فمع الجدِّ والعمل يدعو الصالحون ويتضرعون لتعمل الأسباب عملها، ويبارك الله فى نتاجها، ويحمى من الشرور والآفات ثمارها؛ ببركة دعائهم وقربهم من ربهم.
5- أوصى إخوانى وأحبابى وأنصحهم دائما باستشارة أهلهم وزوجاتهم وأزواجهم وأبنائهم وبناتهم، وأحثهم جميعاً على تدريب من يعولون على الرأى والمشاورة وإعمال الفهم والفكر وتدبر الأمور؛ لأنه هكذا كان صلى الله عليه وسلم مع أهله وصحبه الكرام بالرغم من تأييد السماء له، وغناه عن كل رأى بعد توفيق الله.
6- كما أوصيكم إخوانى بالإستخارة الشرعية مع الأخذ بالأسباب العملية، وأن تعلِّموا ذلك لأهليكم وأن تقووا عقيدتهم أن الله الفعَّال هو العالم بالنفع فى الحال والمآل، فعند اللزوم نستخيره مفوِّضين وندعوه أن يوفقنا لنستبين، فإن لم نهتدِ فلنخلِّص النوايا ولنكرر بيقين مع لزوم التسليم للعليم المبين، فإن غُمَّ علينا أو صرنا حيارى؛ فلنلجأ للإستنارة والإستشارة بصدق العرض و صائب العبارة.
7- وأنصح إخوانى الأحباب والمسلمين والمسلمات وأصحاب الحاجات أن يُرَشِّدُوا العقائد ويصَحِّحوا المفاهيم أن البنات لم تتزوجْن والنساء لم يطلَّقْن أو لم ينجبن! أو لم يُكْرَهْن! والأزواج لم يتعطلوا ليس بسبب الأعمال ولا السحر ولا الجن ولا الغيرة والحسد! ولا تلك الأمور التى ذكرها الشرع الشريف فى أضيق الحدود! فكانت عند الأولين استثناءاً لا أساساً، لكننا وللأسف لمَّا استشرى الجهل والضعف والإستكانة؛ قلبنا الأمر وجعلنا تلك الأشياء أساس مشاكلنا الزوجية والإجتماعية! بل ونصبناها شمَّاعة هائلة لكل عيوبنا التربوية وأخطائنا الإجتماعية وجهالاتنا العلمية والدينية! فأستمر إستسلامنا وخضوعنا لموروثات وعادات ليست من الدين! ولم يكن هكذا نبينا ولا الصحابة والتابعين.
فدعوا الضعف والخوف والذل والرجاء لغير الله إخوتى! وخذوا بالأسباب مع اللجوء للربِّ المعين! وإياكم والسحرة والدجالين وأهل الإرتياب، اتقوا الله واقيموا شرعه كما فى الكتاب؛ ثم انصبوا الأكف بالدعاء وقفوا بالباب لتعمل الأسباب، ويأتى خفىُّ لطف الله ونجدته وفضله وإسعافه بلا بطء ولا احتساب.
وأنصحكم هنا إخوانى الأحباب ألا تخجلوا من اللجوء للطب النفسى أو الأسرى عند اللزوم! وألا نرى حرجاً من ذلك! لأن الكثيرون يهربون ويلجؤن للدجالين! أو حتى والصالحين ونعتقد أن استشارتهم ودعوتهم أو حضور مجالسهم وفقط سيأتينا بالبركة وستحل مشاكلنا ونكون أرحنا أنفسنا من الطب والأطباء والتحاليل والمستشفيات أجمعين! فكيف ذلك؟!!
فالطب النفسى صار اليوم ضرورة لأن الأمراض النفسية استشرت فى عصرنا بسبب الضغوط الهائلة التى يتعرض لها الناس أفراداً وجماعات من جميع الإتجاهات مما يسبب العديد منها ويضعها على قدم مع القلب والضغط والسكرى والسمنة، بل وأخطر لأنها صارت سبيلاًً لباقى الأمراض، و نحتاج اليوم أيضاً للطبِّ الأسرى لأن شبابنا زادت مشاكلهم الجنسية بسبب التطورات التكنولوجية وتراجع التربية الدينية وغياب الرقابة والتوجيهات الأبوية، وإنتشار العادات المؤذية، وتفشِّى الرذيلة وتقليد مظاهر الحياة الغربية.
8- كما أنصح إخوانى الأحباب والمسلمين أيضاً بالرجوع إلى المفاهيم الشرعية فيما أنتشر من العلاج بالقرآن أو الرُقْيَة الشرعية أو التداوى بالأعشاب أو الحجامة وأن يعلموا أن لذلك ضوابطاً علمية وحدوداً شرعية!! وأحذركم أجمعين من الدجالين والأفاقين والمشعوذين الذين يأكلون الدنيا بالدين ويستغلون سذاجة المتدينين حتى يصدق بعض السذج أن العسل يشفى مرض السكر وكل داء!، أو أن ما عجز عنه الطبُّ تشفيه سور مخصوصة أو أسماء الله الحسنى مع الحبة السوداء!..، فلا غنى عن العلاج بالطب المعلوم والثابت! والأدوية والعقاقير المعتمدة، وكثير منها مستخلصٌ من نباتات بواسطة العلماء والهيئات، مع عقيدتنا أن الشافى هو الله مع الأخذ بالمسببات، وعندها تنفع الدعوات وتفيد البركات، فمن يأتوننى لطلب دعوة شفاء أو تحقيق رجاء أو للنصح والإفتاء! ظانِّين أنى ساقول لهم خذوا كذا أو إقرأوا كيت كما عودهم بعض المشايخ! أنصحهم جميعاً أن الدين هنا هو فى الأخذ بالطب المعلوم الثابت يقيناًً مما علمه الله للأطباء والمختصين والعلماء، وأن النصائح النبوية تأتى مع اتباع الأسباب الدنيوية.
ونحن ياإخوانى مع الأخذ بتلك الأسباب ندعو الله ونتضرع إليه أن يمنَّ بالشفاء وأن يرحم بفضله من كل ابتلاء ببركة سيد الرسل والأنبياء؛ فيوفق سبحانه الأطباء فى تشخيص الداء، فيصيب الدواء، ويبعد الله ببركة الدعلء ما خفى من الأدواء والأنواء، ويسبل الله ستره ويكشف البلاء.
9- وأنصحكم جميعاً ياإخوانى أن نقف صفَّاً كالبنيان المرصرص مع كل الجادين المخلصين ضد كل من يجعل التصوف باباً للسلبية أو التواكل أو التنطع أو الكسل أو ترك الأسباب أو أكل الدنيا بالدين! أنصحكم بتقوى الله ما استطتعتم مع أخذكم بأسباب العلم والعمل لأن الغرب لما أتقن العمل والأسباب فتح الله لهم فى الدنيا الأبواب، وكذا يعاملنا الله إن فعلنا مثلهم، ولكنه سبحانه يزيدنا أهل الإيمان عليهم فوق الرزق بالأسباب؛ بأن يرزقنا أيضاً من وراء الأسباب رزقاً بالفضل من غير حساب ولا احتساب! بشرط التقوى ياأولى الألباب!
والتقوى هى الأخذ بالسنة والكتاب بلا تواكل ولا تنطع! ولا كسل ولا تسكع! وبها يفتح الله بركات الأرض والسماء! وينتفع الناس بالصالحين! وبمشورة أهل الذكر فتصيب النظرات! وتستجاب الدعوات فيأتى توفيق الله ويصير القليل أبرك من الكثير، ويتعطَّف الله إكراماً لأحبابه بفضله وخفى لطفه وبره فتزول الشدائد ويقلب مقلب القلوب قلوب عباده، فيحنن من شاء على من شاء استجابة لدعاء الأولياء، فتنزل العطايا تترى فى كل وقت وحين على المجدين الذين اتقوا الله وأخذوا بالشرع المبين! و ليس على الكسالى ولا البطالين! ولا من يضيعون العلم والدنيا والدين! ولا المدَّعين المستبيحين لأعراض المسلمين! ولا من يعطلون الشرع المتين! وأتباعهم من الغافلين يرونهم مبروكين!!.
10 - أحبابى توقوا الجدال واللجاج والعناد وتمسكوا بوسطية الدين واتركوا ما ظهر من الجاهلين والمغرضين من الطعن على ثوابت الدين أو إبراز مهجور القول وغريب الرأى طلباً للشهرة وإيقاعاً للفرقة فتكونوا ممن أكل الدنيا بالدين فاستحق وعيد رب العالمين، واضربوا المثل فى التآخى ومراعاة أهل الحقوق جميعاً، وارجعوا لحديثه صلى الله عليه وسلم : { إنَّ هَذَا الدينَ مَتِيْنٌ فأوْغِلْ فيه برفقٍ ولا تُبَغِّضْ إلى نَفْسِكَ عبادَةَ الله، فإنَّ المُنْبَتَّ لا أَرْضاً قَطَعَ ولا ظَهْراً أَبْقَى } فاتركوا التشدد والتنطع وخذوا بالأيسر من الدين كما أوصى سيد المرسلين.
وختاماً: أنصحكم أبنائى وإخوانى وأحبابى والمسلمين بالعمل بكل ماسبق! وفقنى الله وإياكم للعمل بما نسمع! ورزقنا الصدق والتوفيق فيما نعمل!.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا
الشيخ فوزى محمد أبوزيد
: الجميزة ، محافظة الغربية ، جمهورية مصر العربية
: 5340519-40-0020
: WWW.fawzyabuzeid.com
: fawzy@fawzyabuzeid.com
fawzyabuzeid@hotmail.com
fawzyabuzeid@yahoo.com
fawzyabuzeid48@gmail.com





التعليقات
0 التعليقات



شارك فى نشر الخير