آخر الأخبار
موضوعات

الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

- وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ

عدد المشاهدات:


(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر : 9] 
بالله عليكم يا إخوانى لو وُجد هذا الصنف فى أى مجتمع هل يحدث فيه كوارث ونكبات؟   ......    أبداً!!!

وحتى لو حدثت كما حدث القحط فى عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ما الذى أنهى هذا القحط؟ ... ليست المعونات ولا الأقوات وإنما الإيثار الذى تمتع به المؤمنون والمؤمنات، والذى علمهم إياه سيد السادات صلى الله عليه وسلم
يكفى أن إمامهم قد آل على نفسه ألا يأكل إلا الزيت حتى تنتهى المجاعة، يُطعم الناس اللحم والدسم ولا يأكل هو إلا الزيت!! .. وذات يوم أراد أن يصعد المنبر فسُمع أصوات أمعاءه وهى تقرقر فقال بصوت عالٍ:

( قرقرى أو لا تقرقرى والله لا أطعمك إلا الزيت حتى تنجلى الأزمة عن المسلمين )
هؤلاء هم الرجال:
{ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ...} الآية. [23الاحزاب].لا يفرحون فى أزمات المسلمين لأنهم سيصيرون أغنياء بسبب ذلك، ولا يشمتون فيما يصيب المسلمين لأنهم ستأتيهم الدنيا بسبب ذلك، إذا كان الطبيب على هذا المنوال هل سيحزن إذا صحت أجسام المسلمين ويفرح إذا انتشر الوباء والمرض بين المسلمين؟! وكذلك التاجر وكذلك الزارع، فأعطانا النبى صلى الله عليه وسلم النموذج الأمثل فى معسكر إعداد هؤلاء الرجال. 
ثم أراد صلى الله عليه وسلم أن يبين المثال للعالم كله فكان لابد أن يهاجر إلى موضع يؤسس فيه مدينة فاضلة يملؤها بهؤلاء الرجال يكونون مثالاً للوجود كله إلى يوم الدين فكانت الهجرة، وبنى هذه الدولة على ثلاث خصال. 
الخصلة الأولى:
 وهى أهمها: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار التى نفتقدها الآن فى كل زمان ومكان، وجعلها هى أساس المدينة الفاضلة ومشى على هذا النهج الصالحين من عباد الله، عرفوا سر هذه التجربة وسر هذه الحكمة فدعوا فى كل زمان ومكان إلى التربية النورانية التى كان يربى عليها خير البرية وإلى تأسيس المدن الفاضلة بالأُخُوة التى كان عليها أصحابه المباركين.
فجعل المؤاخاه هى الأساس الأول.
فجعل الأخ أغلى عند الإنسان من أهله وماله وولده وكل شئ عنده، حتى أنهم بسماحة نفس كانوا يقترعون على الرجل المهاجر ولا يأخذه أحدهم إلا بعد إجراء قرعة يجريها حضرة النبى، ويقتسمون معه برضاء نفس الأموال والدور والمساكن وكل ما يملكون وكانوا يتوارثون من بعضهم ولم ينته هذا التوارث إلا بعد غزوة بدر عندما نزل قول الله [6الأحزاب]:
(وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) وكانت هذه الأُخُوة هى أعظم العبادات التى يتنافسون فيها، أعظم عندهم من قيام الليل ومن صيام النهار ومن الصدقات ومن غيرها.
كان الإمام علىّ رضى الله عنه وأرضاه يقول:
{ لأن أنفق درهماً على إخوانى خير من أتصدق بعشرين درهماً على الفقراء والمساكين، ولأن أنفق عشرين درهما على إخوانى خير من أن أتصدق بمائة درهم على الفقراء والمساكين، ولأن أنفق مائة درهم على إخوانى خير من أن أعتق رقبة }
وكان الإمام الحسن رضى الله عنه يذهب إليه إخوانه ويطيلون فكان أحياناً يقابلهم ابنه فيعتذر إليهم ويقول لهم إنه مشغول فلا تطيلون عنده فيخرج لهم ويقول لإبنه: مهلاً ثكلتك أمك، هم خير عندى منكم لأنكم تحبوننى للدنيا وهم يحبوننى لله عزوجل
جعل الله عزوجل الأخ فى الله إذا نظرت فى وجهه على شوق كان خير من اعتكاف فى مسجد رسول الله أربعين سَنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{ نَظَرُ الرَّجُلِ إِلَى أَخِيهِ عَلَى شَوْقٍ خَيْرٌ مِنَ اعْتِكَافِ فِي مَسْجِدِي هٰذَا أربعين عاماً } 
وإذا صافحته نزلت ذنوبك وذنوبه، قال صلى الله عليه وسلم:
{ إنَّ المُسْلِمَ إذَا لَقِيَ أَخَاهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ -أي صافحه- تَحَاتَّتْ عَنْهُمَا ذُنُوبُهُمَا كَمَا يَتَحَاتُّ الْوَرَقُ عَنِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ، وَإلاَّ غُفِرَ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمَا مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ } 
وفى رواية أخرى فيها تشبيهٌ جميل وزيادة رائعة فى المعنى:
{ مَثَلُ الأَخَوَيْنِ إِذَا الْتَقَيَا مَثَلُ اليَدَيْنِ تَغْسِلُ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَمَا الْتَقَى مُؤْمِنَانِ قَطُّ إِلاَّ أَفَادَ الله أَحَدَهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ خَيْراً } 
وإذا جالسته أو زرته أو وددته أو بذلت له مطعماً أو شيئاً فيا هناك لأن الله عزوجل بذاته يقول فى ذاك:
{ وَجَبَتْ مَحَبّتى لِلْمُتَحابّينَ فِيَّ، وَالْمتجَالِسينَ فِيَّ، وَالمتباذِلينَ فِيَّ، وَالْمتَزاوِرينَ فِيَّ } 
واجد الوجود عزوجل يوجب على نفسه محبة مَنْ هذه أوصافهم، الذين يحبُّون بعضاً لله ويزورون بعضاً لله وينفقون على بعض لله عزوجل، شرط هذه الأُخُوة أن تكون لله لا لمنفعة دنيوية زائلة أو لشهوة أو لمقصد دنى وإنما لوجه الله عزوجل
ولذلك ورد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قيل فى شأنهم كانوا يمشون فى طرقات المدينة فتعترضهم صخرة فيلتفون من حولها فإذا مروا بها تصافحوا حتى ينالوا الفضل العظيم الذى ساقه لهم المولى الكريم عزوجل
حدث أن أخوين أستدانا ديناً وعجزا عن السداد، وهما سيدنا خيثمة رضى الله عنه وأحد أصحاب رسول الله المباركين فذهب خيثمة بعد أن جاءه مال وسد عن أخيه دينه دون علمه، وكان أخاه قد جاءه مال فذهب وسد دين خيثمة بدون علمه:
(بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ) [67التوبة]
بل كان بعضهم وصل إلى حال إذا جاع أخيه يحس بهذا الجوع وإذا مرض أخيه يشعر بأنه مرض.
هذه الأُخُوة هى أساس بنيان المدينة الفاضلة والمجتمعات الفاضلة فى أى زمان ومكان، .....  لا يكدرها ولا يعكرها إلا طلاب الدنيا وطلاب الحظوظ وطلاب الأهواء وطلاب المنافع وطلاب الشهوات،....  لو كانت الأُخُوة خالصة لوجه الله فى أى زمان ومكان فإن مجتمع المدينة سيكون هو هو بعينه ومعهم عناية الله ورعاية الله وفضل الله جل فى علاه.
فبدأ النبى صلى الله عليه وسلم أولاً بالأُخُوة فكانت الخصلة الأولى وهذا بين المؤمنين وبعضهم، أما الخصلة الثانية التى أسس عليها رسول الله هذه المدينة الفاضلة فكانت فى حق الله، فبنى المسجد وجعله جامعة لكل ما يطلبه الله وما يحتاجه عباده من علم الله ومن دين الله. 
والخصلة الثالثة: أنه لم يترك أمر غير المسلمين المُساكنين لهم، لأن الإسلام دين السلام، فغير المسلمين وهم اليهود وقَّعَ معهم النبى صلى الله عليه وسلم معاهدة.
وهذا هو أساس المجتمع الفاضل  الذى بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما يحاول الصالحين فى كل زمان ومكان إعادته واستعادته فى إخوانهم وفى أحبابهم.
أول أهدافهم هى تبديل أحوال المريدين التى هم عليها وأوصافهم بأوصاف السلف الصالح السابقين الذين ذكرهم الله عزوجل وأشار إلى أوصافهم فى قرآنه الكريم، لم يذكر الله عزوجل لهؤلاء ولهؤلاء من الأنصار والمهاجرين وهو يمدحهم ويثنى عليهم أوصافاً حسية ولكن كلها أوصاف معنوية، أو عبادات ظاهرية ولكنها عبادات معنوية علية وهى أيضاً التى ركز عليها الصالحين لأنهم رأو أن فى ذلك حسن المتابعة لسيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
من كتاب احسن القول ص100
لفضيلة الشيخ فوزى محمد ابوزيد

التعليقات
0 التعليقات



شارك فى نشر الخير