آخر الأخبار
موضوعات

الاثنين، 21 يناير 2019

هل توسل الناس بقبر النبي صلى الله عليه وسلم للإستسقاء ؟وما صحة حديث مالك الدار وفيه يا رسول الله استسق لأمتك ؟


هل توسل الناس بقبر النبي صلى الله عليه وسلم للإستسقاء ؟
وما صحة حديث مالك الدار وفيه يا رسول الله استسق لأمتك ؟
***********************
الجواب :
لقد توسل الناس بقبر النبي صلى الله عليه وسلم للإستسقاء في عهد سيدنا عمر بن الخطاب وعلم بذلك وشاع بين الصحابة أجمعين ولم ينكر ذلك منهم أحد وهذا حديث يخرص ألسنة الغلاة والخوارج في هذا العصر
الذين قاموا بالباطل لينصروا جهلهم وفهمهم الخاطئ
ويدلسوا محاولين تضعييف الحديث وإنكاره بالتدليس والتضليل
*أخرج خرج ابن أبي شيبة في المصنّف (12/31-32) والبخاري في التاريخ الكبير (7/304) مختصرا والبيهقي في دلائل النبوّة (7/47) والخليلي في الإرشاد (1/314) كلهم من طريق أبي معاوية عن الاعمش عن أبي صالح عن مالك الدار عن مالك الدّار مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :" أصاب النّاس قحط في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا نبي الله استسق الله لأمّتك فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ائت عمر، فأقرئه السّلام، وقل له : إنّكم
مُسْقَوْن، فعليك بالكَيّس، الكيّس، قال : فبكى عمر، وقال : يا ربّي ما آلو إلاّ ما عجزت عنه".
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/495): رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وقال ابن كثير في تاريخه (ج/ص: 7/  105) اسناده صحيح .
قلت: وله طريق آخر مغاير أخرجه عبد الرزاق في المصنّف (3/93-94).و
وأخرجه التقي السبكي في " شفاء السقام " وغيره، من حديث مالك الدار في استسقاء بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه في عهد عمر بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وأما مالك الدار بالإضافة فهو كما قال الحافظ ابن حجر في الإصابة، الجزء السادس. >> [بقية حرف الميم]. >> القسم الثالث من كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويمكنه أن يسمع منه ولم ينقل أنه سمع منه سواء كان رجلا أو مراهقا أو مميزا [ص:268]. >> الميم بعدها الألف :
" مالك بن عياض مولى عمر هو الذي يقال له مالك الدار، له إدراك، وسمع من أبي بكر الصديق وروى عن الشيخين ومعاذ وأبي عبيدة، روى عنه أبو صالح السمان وابناه عون وعبدالله ابنا مالك، وأخرج البخاري في التاريخ من طريق أبي صالح ذكوان عن مالك الدار أن عمر قال في قحوط المطر يا رب لا ءالو إلا ما عجزت عنه، وأخرجه ابن أبي خيثمة من هذا الوجه مطولا قال:  أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق الله لأمتك فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له ائت عمر فقل له إنكم مستسقون فعليك الكفين قال فبكى عمر وقال يا رب ما ءالوا إلا ما عجزت عنه، وروينا في فوائد داود بن عمرو الضبي جمع البغوي من طريق عبدالرحمن بن سعيد ابن يربوع المخزومي عن مالك الدار قال دعاني عمر بن الخطاب يوما فإذا عنده صرة من ذهب فيها أربعمائة دينار فقال اذهب بهذه إلى أبي عبيدة فذكر قصته، وذكر ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين في أهل المدينة قال: روى عن أبي بكر وعمر وكان معروفا،  وقال أبو عبيدة: ولاه عمر كيلة عيال عمر فلما قدم عثمان ولاه القسم فسمى مالك الدار، وقال إسماعيل القاضي عن علي بن المديني: كان مالك الدار خازنا لعمر"اهـ.
وقال الحافظ الخليلي في كتاب الإرشاد عن مالك الدار:" تابعي قديم متفق عليه أثنى عليه التابعون". انتهى
فهذا مالك الدار ثقة معروف روى عنه أربعة رجال وهم أبو صالح السمان وابناه عون وعبد الله ابنا مالك وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي . ويكفي في تعديله تولية عمر وعثمان له بأمر المال، ومعنى قول الحافظ في الإصابة : " له إدراك". أي أنه مخضرم وقد اختلف في هذه الطبقة هل هم من الصحابة أم التابعين؟ والصحيح أنهم من كبار التابعين كما قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة.
أما من ضعف الحديث بحجة أن الأعمش مدلس وقد عنعن، فهو ضعيف السند، مردود على قواعد الجرح والتعديل،لأن الأعمش ممن احتمل الحفاظ تدليسه واحتجوا به وصححوا حديثه مع العنعنة في بعض شيوخه منهم ذكوان أبو صالح السمان كما في سند حديثنا، وممن صحح حديث الأعمش معنعنا عن أبي صالح،ولم يوجد مصرحا البخاري في صحيحه، وبخاصة إذا روى عن أبي صالح كما نص عليه الحافظ الذهبي وخاتمة الحفاظ ابن حجر.
قال الذهبى فى الميزان : هو يدلس وربما دلس عن ضعيف ، ولا يدرى به ، فمتى قال حدثنا فلا كلام ، ومتى قال " عن " تطرق إلى احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم : كإبراهيم ، وابن أبى وائل ، وأبى صالح السمان ، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال
وقال الحافظ في مقدمة الفتح أثناء دفاعه عمن تكلم فيهم من رجال البخاري:سليمان بن مهران عن أبي صالح ذكوان تكرر كثيرا في صحيح البخاري وهو من أصح الأسانيد. انتهى
وعليه،فسند حديثنا من أصح الأسانيد،ومن تجرأ على تضعيفه فهو يريد أن يقلب قواعد الجرح والتعديل،ويفتح الباب لتضعيف عشرات من الأحاديث الصحيحة في البخاري.
والحديث نص على عمل الصحابة في الاستسقاء به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته حيث لم ينكر عليه أحد منهم مع بلوغ الخبر إليهم، وما يرفع إلى أمير المؤمنين يذاع ويشاع. فهذا يقطع ألسنة المتقولين.
ردود على شبهات الوهابية
أطال بعض المتنطعين النفس في إثبات بطلان هذا الحديث انتصارا لفكرهم ، و لكن تصحيح الحافظ ابن حجر العسقلاني و غيره كالحافظ عبد الله بن الصديق رحمه الله من المعاصرين أوثق و أقوى و يتفق مع قول جمهور أهل العلم . قال الشيخ الحافظ عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله في الرد المحكم المتين 51 : إسناد هذا الأثر صحيح ، ورأيت الحافظ ـ العسقلاني ـ عزاه في الفتح إلى ابن أبي شيبة من طريق أبي صالح عن مالك الدار باللفظ المذكور و قال : سنده صحيح ، و الرجل هو بلال بن الحرث المزني أحد الصحابة كما رواه سيف في الفتوح فهذا صحابي فعل كما ترى ما نفاه ابن تيمية نفيا باتا . و حتى وإن لم تصح رواية سيف فالرجل تابعي جزما ثم إن الحجة تكمن في إقرار عمر له حيث لم ينهه عما فعل . اهـ كلام الغماري رحمه الله .
مالك الدار ثقة كيف يولي عمر رجلا بيت مال المسلمين ليس بثقة
لو لم يكن هنالك دليل إلا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتخذه خادما لزالت جهالة الحال لأن عمر لا يتخذ خادما إلا ثقة ولو لم سيلم المخالف لهذا أقول مالك الدار ترجم له عدة حفاظ وروى عنه ثلاثة فكيف يكون مجهولا ومعلوم أن جهالة الحال ترفع عند رواية آخر ثقة عنه وها قد تحقق هذا شرط هذا إن قلنا أنه مجهول الحال أما وهو مالك بن عياض ذكره ابن حبان في الثقات " 5/384" وابن سعد في الطبقات "5/8" وقال ابن سعد "كان معروفا"أهـ وترجمة له ابن حجر في الإصابة "3/484" "روى عنه –أي عن مالك الدار- أبو صالح السمان وابناه عون وعبد الله ابنا مالك " إذا فالحديث صحيح
مالك الدار بالإضافة فهو كما قال الحافظ ابن حجر في الإصابة، الجزء السادس. >> [بقية حرف الميم]. >> القسم الثالث من كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويمكنه أن يسمع منه ولم ينقل أنه سمع منه سواء كان رجلا أو مراهقا أو مميزا [ص:268]. >> الميم بعدها الألف :
" مالك بن عياض مولى عمر هو الذي يقال له مالك الدار، له إدراك، وسمع من أبي بكر الصديق وروى عن الشيخين ومعاذ وأبي عبيدة، روى عنه أبو صالح السمان وابناه عون وعبدالله ابنا مالك، وأخرج البخاري في التاريخ من طريق أبي صالح ذكوان عن مالك الدار أن عمر قال في قحوط المطر يا رب لا ءالو إلا ما عجزت عنه، وأخرجه ابن أبي خيثمة من هذا الوجه مطولا قال:  أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق الله لأمتك فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له ائت عمر فقل له إنكم مستسقون فعليك الكفين قال فبكى عمر وقال يا رب ما ءالوا إلا ما عجزت عنه، وروينا في فوائد داود بن عمرو الضبي جمع البغوي من طريق عبدالرحمن بن سعيد ابن يربوع المخزومي عن مالك الدار قال دعاني عمر بن الخطاب يوما فإذا عنده صرة من ذهب فيها أربعمائة دينار فقال اذهب بهذه إلى أبي عبيدة فذكر قصته، وذكر ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين في أهل المدينة قال: روى عن أبي بكر وعمر وكان معروفا،  وقال أبو عبيدة : ولاه عمر كيلة عيال عمر فلما قدم عثمان ولاه القسم فسمى مالك الدار، وقال إسماعيل القاضي عن علي بن المديني: كان مالك الدار خازنا لعمر"اهـ.
وقال الحافظ الخليلي في كتاب الإرشاد عن مالك الدار:" تابعي قديم متفق عليه أثنى عليه التابعون". انتهى
فهذا مالك الدار ثقة معروف روى عنه أربعة رجال وهم أبو صالح السمان وابناه عون وعبد الله ابنا مالك وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي . ويكفي في توثيقه تولية عمر وعثمان له بأمر المال، ومعنى قول الحافظ في الإصابة : " له إدراك". أي أنه مخضرم وقد اختلف في هذه الطبقة هل هم من الصحابة أم التابعين؟ والصحيح أنهم من كبار التابعين كما قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري المجلد الثاني >> كِتَاب الْجُمُعَةِ >> باب سُؤَالِ النَّاسِ الإمَامَ الاسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا :" وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الدار وكان خازن عمر قال " أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتى الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر " الحديث. وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة"اهـ
لا شك في صحة الاثر لا سيما بعد تصحيح الحافظ له و اما اعلاله بجهالة الرجل فالحجة ليست في،فعل الرجل صحابيا كان او اعرابيا و انما الحجة في عدم،انكار عمر و من معه من الصحابة لعمل الرجل بل عمل عمر بما اخبره به الرجل و دعا لصلاة الاستسقاء بعد بكائه تصديقا لرواية الرجل و في هذا تعديل لهذا الرجل كما لا يخفي
روى الحافظ ‏البيهقي(6)أيضا بإسناد صحيح عن مالك الدار – وكان خازن عمر – قال:{ أصاب ‏الناس قحط في زمان عمر, فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:{ يا ‏رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا, فأُتي الرجل في المنام – أي رأى النبي صلى ‏الله عليه وسلم في المنام - فقيل له: أقرئ عمر السلام وأخبره أنهم يسقون وقل له: ‏عليك الكيس الكيس, فأتى الرجل عمر فأخبره فبكى عمر وقال:{ يا رب ما ءالوا ‏إلا ما عجزت} اهـ. وهذا الرجل هو بلال بن الحرث المزني الصحابي, فهذا الصحابي ‏قد قصد قبر الرسول للتبرك فلم ينكر عليه عمر ولا غيره. ‏
‏ وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري(7) ما نصه:{ وروى ابن شيبة بإسناد ‏صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمن ‏عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك ‏فإنهم قد هلكوا, فأُتي الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر... الحديث. وقد روى ‏سيف الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحرث المزني أحد ‏الصحابة}.اهـ.‏
ولما لم يستطع الألباني أن يثبت ضعف هذا الأثر عمد إلى الافتراء على الحافظ ابن ‏حجر بأنه ضعفه(8) مع أن الحافظ صرّح بصحة سنده كما نقلنا عنه من كتابه "فتح ‏الباري", وهذا دليل أيضا على أن الألباني لا يوثق بنقله ولا برأيه الذي يحرّف ‏الحقائق والوقائع نصرة لرأيه. ‏
‏ ثم إن الاستغاثة بالرسول بعد موته شرك وكفر عند هذا الرجل أي ناصر الدين ‏الألباني فماذا يقول في زعيمه ابن تيمية الذي أوقعه في التجسيم وتوابعه في ‏قوله في كتابه الذي سماه "الكلم الطيب", أي أن كل ما فيه شئ حسن أن عبد الله ‏بن عمر رضي الله عنه خدرت رجله – أي أصابها مرض الخدر الذي هو شبه فالج في الرِّجل ‏وهو معروف عند الأطباء – فقال له رجل: اذكر أحبّ الناس إليك فقال: يا محمد, ‏فكأنما نشط من عقال. ‏
‏ وكتاب ابن تيمية هذا توجد منه نسخ خطية وطبع عدة طبعات في مصر وغيرها, ‏فموجب قوله بتكفير المستغيث برسول الله بعد موته تكفير ابن تيمية حيث انه ‏استحسن هذا ومن استحسن الكفر فهو كافر ومن دلَّ إلى الكفر فهو كافر, فهل يكفر ‏ابن تيمية لأنه استحسن هذه الاستغاثة كما يُكفر المستغيثين بالرسول بعد وفاته ‏على الإطلاق أم يستثنيه؟! أم ماذا يفعل؟! فإن قال: لا أكفر ابن تيمية ‏لاستحسانه ذلك لأنه زعيمنا قيل له: إذن أنت تتحكم تطبق على الناس ما لا تطبقه ‏على زعيمك فقد أشبهت في هذا اليهود الذين كانوا بدّلوا حكم التوراة في الرجل ‏الزاني المحصن كانوا يرجمون الزاني المحصن إن كان من الوضعاء ولا يرجمونه إن كان ‏من أشرافهم. وقد اعترفت يا ألباني بأن هذا الكتاب من مؤلفات ابن تيمية كما ‏عرف الناس سواك لأن مترجميه ذكروا ذلك في عداد من مؤلفاته, فأين المهرب؟! ‏
‏ ثم ماذا يقول الألباني فيما ذكره الحافظ الخطيب(8) بسنده إلى عبد الواحد بن ‏ءادم يقول:{ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو ‏واقف في موضع, فسلمت عليه فرد على السلام, فقلت: وما وقوفك ههنا يا رسول الله؟ ‏قال: أنتظر محمد بن إسماعيل – إلى آخر ما تقدم – وقال القسطلاني: لما ظهر أمره ‏بعد وفاته, خرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة, وقال أبو علي ‏الحافظ: أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السمرقندي, قدم علينا "بلنسية" عام ‏أربعة وستين وأربعمائة, قال: فقحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام, ‏فاستسقى الناس مرارا فلم يسقوا, فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند ‏وقال له: إني رأيت رأيا أعرضه عليك, قال: وما هو؟ قال: أرى أن تخرج ويخرج ‏الناس معك إلى قبر الإمام البخاري فتستسقي عنده فعسى الله أن يسقينا, فقال ‏القاضي: نِعْمَ ما رأيت! فخرج القاضي ومعه الناس واستسقى بهم وبكى الناس عند ‏القبر وتشفعوا بصاحبه, فأرسل الله تعالى السماء بماء عظيم غزير, أدام الناس من ‏أجله بخرتنك سبعة أيام ونحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر ‏وغزارته}. اهـ. – لامع الدراري (1/44) -‏
وقد حصل لشخص من أهل السنة الطيبين أنه ذهب إلى رأس من رؤوس الوهابية في ‏الأردن لمناقشته في مسألة التوسل والاستغاثة, قال: فتكلمت معه في موضوعه التوسل ‏أولا وأعطيته حديث الطبراني فقال لي: إنه يُجيز التوسل بالنبي في حال حياته, ‏فقلت له: حديث الطبراني فيه جواز التوسل بالنبي في حال حياته وبعد مماته, ‏وكذلك حديث بلال بن الحارث المزني الذي ذهب إلى قبر النبي وتوسل به بعد موته, ‏فقال لي: هذا الحديث ضعيف, فقلت له رواه البيهقي بسند صحيح كما قال الحافظ ‏ابن حجر في الفتح وكذلك صححه ابن كثير, فقال لي: ابن حجر يقول رواه البيهقي ‏بسند صحيح إلى مالك الدار أي أن الحديث صحيح إلى مالك الدار, ومالك الدار هذا ‏مجهول, فلا حجة في الحديث, فقلت له: عمر يولي على خزائن المسلمين على بيت مال ‏المسلمين رجلا مجهولا ليس معروفا أم ثقة, فسكت. ثم رجع فقال: أنا التوسل أقول إن ‏فيه خلافا فلا أعترض على من يتوسل أما الاستغاثة بغير الله هي المحرّمة ولا يجوز لمخلوق ‏أن يستغيث بمخلوق ءاخر, فقلت له: ماذا تقول في الحديث الذي رواه البخاري من ‏طريق ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ إن الشمس تدنو يوم ‏القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن, فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم}, فقال لي: ‏هذا في حال حياتهم يجوز أن تستغيث بهم أما بعد مماتهم لا يجوز. ‏
فقلت له: إذا أنت تُقرُّ بجواز الاستغاثة بالأنبياء في حال حياتهم فقال لي: نعم, ‏فقلت له: ما المانع عقلا أو شرعا من الاستغاثة بهم بعد مماتهم, فقال لي: حديث أحمد ‏الذي رواه في مسنده والذي أقوم بتحقيقه ولم تر الأسواق مثله, ثم قال لي: الحديث ‏هو أن الرسول قال:{ إنه لا يُستغاث بي, إنما يُستغاث بالله}, فقلت له أنت شهدت ‏على نفسك الآن بالتناقض, فقد قلت لي لما ذكرت لك حديث ابن عمر إن الاستغاثة ‏بالأنبياء في حال حياتهم جائزة فكيف تُورِد حديثا أن النبي في حال حياته قال إنه ‏لا يُستغاث بي, فقال لي: هذا الحديث ضعيف لا حُجة فيه!!! ثم قال لي: أعطني واحدا من ‏الأئمة الأربعة ذهب إلى قبرٍ أو ولي تبرك أو استغاث به, فقلت له: روى الخطيب ‏البغدادي بإسناد صحيح في تاريخ بغداد – (9) – أن الشافعي قال: إني لأتبرك ‏بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره كل يوم يعني زائرا فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين ‏وأتيت إلى قبره وسألت الله الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى, فقال لي: هذا ليس ‏صحيحا وصار يصرخ ويقول: من أين أتيت بهذا, فكان الكتاب كتاب تاريخ بغداد ‏خلف ظهره, فقلتُ له: أعطني الكتاب ففتحت له الكتاب حيث الرواية فلما رأى ذلك ‏بعينه عجب وقال لشخص عنده: اذهب وخرّج لي رواه هذا الحديث, وهذا يعني أن يُجرئ ‏الذين عنده على التصحيح والتضعيف, فذهب هذا ورجع فسمعته يقول له بصوت ‏منخفض: كل رواة الحديث ثقات, فقلت له فورا: ماذا وجدت في رواة هذا الحديث, ‏فقال: كل رواته ثقات إلا راوٍ لم أجد له عندي ترجمة, فقال الوهابي: إذا هذا ‏الحديث ضعيف لأن فيه راوٍ مجهول, فقلت له: كيف تحكم بضعف هذه الرواية لأنك لم تجد ‏ترجمة لراوٍ عندك والقاعدة تقول " عدم الوجدان ليس دليل العدم", فقال لي: ما ‏معنى هذه القاعدة, فقلت له: إذا لم تجد ترجمة لراوٍ عندك فليس المعنى أنه مجهول ‏ضعيف فقال لي: إذا أتيتني بترجمة هذا الراوي أنا أبصم لك بالعشرة, ثم قال لي: ‏أنا مشغول الآن, وسألني عن اسمي, فقلت له اسمي ‏
للمذيد اضغط : مدونة صفوة أهل السنة والجماعة
----------------------------------------------------------------------------------
(6)- فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/495-496).‏
‏(7)- انظر كتابه المسمى " التوسل أنواعه و أحكامه" (ص/13).‏
‏(8)- لامع الدراري (1/44).‏
‏(9)- تاريخ بغداد (1/123).‏

- حكم ومؤثورات فضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد







الأحد، 20 يناير 2019

. السلاح الإيماني


 السلاح الإيماني 
السلاح الإيماني الذي لا يتخلف معه نصر والذي علمه لهم أستاذ فن الانتصارات في كافة المجالات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  هو::الإخلاص في العمل لله.
أي لا يقصد الجندي أو القائد المسلم أو المؤمن بأي عمل إلا وجه الله وإلا مرضاة الله عز وجل 
 (يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه) (28الكهف)
وما دام يريد الله ورضاء الله وليس له غاية في غنائم أو غاية في شهرة أو سمعة أخرى خلاف ذلك  يستوي عنده الأمر في ميدان القتال .
هل سمعتم يا جماعة المؤمنين قديما أو حديثا ،عن قائد عام برتبة مشير خاض مائة معركة حربية ولم يهزم فى واحده منها ثم يعزل من القيادة فيعمل جنديا ، عاديا بعد أن تجرد من جميع ألقابه ؟؟
ولا يرى فى ذلك غضاضة ولا بأسا ؟ولم ولن يكون هذا أبدا
 فقد انتصر بجيشه الذي لا يزيد عن عشرين ألف على جيش يزيد على أربع مائة ألف ومع ذلك لم يغره النصر ولم يأخذه الزهو ولم يعلن التمرد والعصيان.
وإنما انتظر حتى انتهت المعركة وجمع القادة وجاء بالقائد الذي اختير ليحل محلة وهو أبو عبيده بن الجراح رضي الله عنه وقال : يا أبا عبيده هذه عصا القيادة وإنما أخرت الإعلان حتى لا يصاب المسلمين بالإحباط وليس رغبة في زعامة وها أنا جندي لك  فمرني بما شئت ، وأنا طوع أمرك. في أي معسكر وفى أي كليه تخرج هذا القائد ؟  في مدرسة
(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) (7محمد)
 من كتاب كونوا قراّناً يمشى بين الناس
 لفضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبو زيد

السبت، 19 يناير 2019

. ترك الأثر الطيب بعد الرحيل الأخيرة خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد

5 ً
خطبة الجمعة بعنوان :
(ترك الأثر الطيب بعد الرحيل الأخير )
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ -تَعَالَى- وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأُشْهِدُ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَقْدَامَكُمْ وَأَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكُمْ مَوْقُوفُونَ، وَعَنْ أَعْمَالِكُمْ مُحَاسَبُونَ، وَعَلَى تَفْرِيطِكُمْ نَادِمُونَ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الْحَجِّ: 1-2].
عِبَادَ اللَّهِ: الْجَمِيعُ سَيُغَادِرُ الْوَطَنَ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ، وَأَهْلَهُ وَجِيرَانَهُ وَأَحْبَابَهُ الَّذِينَ نَشَأَ بَيْنَهُمْ، وَمِنْ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ إِلَى تَحْتِهَا، ثُمَّ إِلَى الدَّارِ الْأُخْرَى؛ (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الْجُمُعَةِ: 8]، وَلَيْسَ هَذَا بِجَدِيدٍ وَلَا غَرِيبٍ وَلَا مَشْكُوكٍ فِيهِ؛ لَكِنْ مَا يَجِبُ السُّؤَالُ عَنْهُ هُوَ: عَلَى مَاذَا سَيَكُونُ رَحِيلُكَ؟ وَمَا الَّذِي خَلَّفْتَهُ وَرَاءَكَ؟! هَلْ تَرَكْتَ ثَمَرًا يَدُومُ عَطَاؤُهُ وَذِكْرًا حَسَنًا، أَمْ شَوْكًا يَسْتَمِرُّ وَخْزُهُ ذِكْرًا سَيِّئًا؟!
وَقَبْلَ الْإِجَابَةِ يَنْبَغِي أَنْ نَعِيَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ مُتَبَايِنِينَ؛ فَكَمَا هُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْأَلْوَانِ وَالْأَحْجَامِ كَذَلِكَ هُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الصِّفَاتِ وَالطِّبَاعِ وَالسُّلُوكِ وَالْأَخْلَاقِ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- ذَلِكَ طَبْعًا جِبِلِّيًّا أَوْ خُلُقًا فِطْرِيًّا فَحَسْبُ؛ (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)[الرُّومِ: 30]؛ بِحَيْثُ يَعْجِزُ الْإِنْسَانُ عَنْ تَغْيِيرِ طَبْعِهِ أَوْ تَعْدِيلِ سُلُوكِهِ، أَوْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ عِلْمِيًّا وَسُلُوكِيًّا؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشَّمْسِ: 9-10]؛ بَلْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ ذَلِكَ الْفِطْرِيِّ الْجِبِلِّيِّ: الْمَوْرُوثَ وَالْمُكْتَسَبَ.
وَالْمُوَفَّقُ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- مَنْ هُدِيَ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَالصَّالِحِ مِنَ الْعَمَلِ وَالْجَمِيلِ مِنَ السُّلُوكِ؛ كَانَتْ جِبِلَّةً فِيهِ أَوِ اكْتَسَبَهَا؛ قَالَ تَعَالَى فِي سِيَاقِ وَصْفِهِ أَهْلَ الْجَنَّةِ: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)[الْحَجِّ: 24]، وَهَؤُلَاءِ وَنُظَرَاؤُهُمْ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- غَرْسٌ غَرَسَهُمُ اللَّهُ بَيْنَ خَلْقِهِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ: “لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ” (الْأَلْبَانِيُّ، صَحِيحِ ابْنِ مَاجَهْ)، فَهُمْ؛ (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)[إِبْرَاهِيمَ: 24]، وَمَثَلُهُمْ كَ: (الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ)[الْأَعْرَافِ: 58].
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَجْتَمِعَ فِي الْعَبْدِ كُلُّ الْآثَارِ الطَّيِّبَةِ، أَوْ يَبْرُزَ فِي جَمِيعِ خِصَالِ الْخَيْرِ الْحَمِيدَةِ؛ حَتَّى يَنَالَ شَرَفَهَا جَمِيعَهَا، أَوْ يُحْمَدَ فِي كُلِّهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَسَنًا؛ لَكِنْ قَدْ يَبْرُزُ فِي بَعْضِهَا، وَيَنَالُ فِيهَا وَبِهَا قَصَبَ السَّبْقِ وَشَرَفَ الْمَعَالِي وَالذِّكْرَى الْحَسَنَةَ وَالصِّيتَ الْجَمِيلَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
لَكِنَّ الْمُصِيبَةَ أَنْ يُغَادِرَ الْعَبْدُ دُنْيَاهُ دُونَ أَيِّ أَثَرٍ طَيِّبٍ يُشْكَرُ عَلَيْهِ، وَلَا مَعْرُوفٍ جَمِيلٍ يُقْتَدَى بِهِ وَيُثْنَى عَلَيْهِ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْأَطَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَلَّا يَتْرُكَ إِلَّا شَرًّا مَحْضًا وَسُمْعَةً سَيِّئَةً يُذَمُّ عَلَيْهَا حَتَّى يَقُومَ الْعِبَادُ لِرَبِّهِمْ؛ فَيَكُونُ حَالُهُ؛ (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)[الْمُؤْمِنُونَ: 99-100].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ السِّيرَةَ الْحَسَنَةَ -قَوْلًا وَسُلُوكًا- بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ هِيَ عُمْرٌ ثَانٍ، وَآثَارُهُ الطَّيِّبَةُ تُشَكِّلُ بِمَجْمُوعِهَا لِصَاحِبِهَا فِي تَرْجَمَتِهَا تَارِيخًا جَدِيدًا تَخْلُقُ لَدَى الْآخَرِينَ رَغْبَةً فِي مُحَاكَاتِهِ، وَتَبْعَثُ عِنْدَ الْآخَرِينَ حُبًّا فِي الِاتِّصَافِ بِهِ؛ نَاهِيكَ عَنِ التَّرَحُّمِ عَلَى صَاحِبِ تِلْكَ الْآثَارِ الطَّيِّبَةِ وَالْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ، وَصَدَقَ شَوْقِي يَوْمَ قَالَ:
دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الْحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِي
فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا *** فَالذِّكْرُ لِلْإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِي
وَفِي الْحِكْمَةِ: “لَيْسَتِ الْعِبْرَةُ أَنْ تُضِيفَ سَنَوَاتٍ إِلَى حَيَاتِكَ، وَلَكِنَّ الْعِبْرَةَ أَنْ تُضِيفَ حَيَاةً إِلَى سَنَوَاتِكَ”.
عِبَادَ اللَّهِ: السِّيرَةُ الْحَسَنَةُ الَّتِي يَتْرُكُهَا صَاحِبُهَا بَعْدَ رَحِيلِهِ هَذِهِ الْفَانِيَةَ كَنْزٌ لَا يَقْتَسِمُهُ ذَوُوهُ، بَلْ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ الصَّدِيقُ وَالْعَدُوُّ، وَتَرِكَةٌ لَا يَقْتَسِمُ أَنْصِبَتَهَا وَرَثَتُهُ، بَلْ يَجْنِي أَسْهُمَهَا الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، وَوَرْدَةٌ فَوَّاحَةٌ لَا يَشْتَمُّهَا مَنِ اسْتَنْشَقَهَا بَلْ حَتَّى مَنِ اقْتَرَبَ مِنْهَا، وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ“؛ فَهَذِهِ وَغَيْرُهَا لَيْسَتْ إِلَّا مِنْ ذَلِكَ الذِّكْرِ الْحَسَنِ وَالْأَثَرِ الطَّيِّبِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا أَصْنَافٌ ثَلَاثَةٌ؛ سَبَبُهَا وَهُوَ الْمُتَوَفَّى أَوَّلًا، وَالْقَائِمُ بِذَلِكَ الْأَثَرِ الْمُبَاشِرِ لَهُ، ثُمَّ الْمُجْتَمَعُ مِنْ حَوْلِهِ وَمَنْ سَمِعَ أَوْ رَأَى.
إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ أَنْ يُوَفِّقَهُ فَيَجْعَلَ لَهُ أَثَرًا طَيِّبًا فِي حَيَاتِهِ؛ فَيَصِيرَ ذَلِكَ أَثَرًا حَسَنًا بَعْدَ مَمَاتِهِ يَمُدُّ بِهِ عُمْرَهُ وَيَزِيدَ بِهِ فِي حَسَنَاتِهِ؛ وَهَذِهِ النَّمَاذِجُ -وَإِنْ مَاتَتْ أَجْسَادُهُمْ- فَحَسَنَاتُهُمْ لَمْ تَمُتْ، وَإِنْ وَارَى التُّرَابُ أَجْسَامَهُمْ، فَأَفْعَالُهُمُ الطَّيِّبَةُ وَآثَارُهُمُ الْحَسَنَةُ لَا زَالَتْ تَرْسُمُ صُوَرًا ذِهْنِيَّةً لَدَى الْمُجْتَمَعِ يَذْكُرُونَهُ فِيهَا بِخَيْرٍ وَيَحْتَذُونَ بِهَا.
كَمَا أَنَّ الْأَثَرَ الطَّيِّبَ هُوَ اسْتِمْرَارٌ لِلْعَطَاءِ وَبَقَاءٌ لِلْخَيْرِ وَمُسَاهَمَةٌ فَاعِلَةٌ فِي رِسَالَةِ الْبَلَاغِ الَّتِي عُنِيَتْ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَعَهِدَهُ إِلَيْهَا نَبِيُّهَا الْكَرِيمُ؛ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آلِ عِمْرَانَ: 110]، كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ الطَّيِّبَةَ تَدْفَعُ بِالْمُجْتَمَعِ إِلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ وَالتَّمَسُّكِ بِجَمِيلِ الْقِيَمِ وَمَكَارِمِ الصِّفَاتِ.
عِبَادَ اللَّهِ: الْإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا إِمَّا مُسْتَرِيحٌ مِنْ عَنَائِهَا وَبَلْوَائِهَا أَوْ مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ؛ فَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ مَنْ لَمْ يَجْلِبْ لِنَفْسِهِ وَمَنْ حَوْلَهُ سِوَى الْمَأْسَاةِ وَالْمُعَانَاةِ؛ فَهُوَ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَضْلًا أَنْ يَكُونَ ثَمَرَةً طَيِّبَةً أَوْ أَثَرًا حَسَنًا يَخْلُفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: “مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: “الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ” (الْبُخَارِيُّ: (6512)، وَمُسْلِمٌ: (950)).
وَيَجِبُ أَنْ يُدْرِكَ أُولَئِكَ الْمُسِيؤُونَ أَنَّ آثَارَهُمُ السَّيِّئَةَ مَدْعَاةٌ لِبُغْضِ الْعِبَادِ لَهُمْ، وَسَبَبٌ فِي دُعَائِهِمْ عَلَيْهِمْ مِمَّنِ اكْتَوَى بِنَارِ سُلُوكِهِمُ الْخَاطِئِ؛ نَاهِيكَ أَنَّ مِنَ الْخَلْقِ مَنْ سَيُحْيِي آثَارَهَمُ الْقَبِيحَةَ وَيُمَارِسُهَا وَيُرَوِّجُ لَهَا، وَالنَّتِيجَةُ: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)[النَّحْلِ: 25]، وَقَوْلُهُ: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 13].
فَجَرِيمَةُ الْقَتْلِ أَثَرٌ سَيِّئٌ لِابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ (قَابِيلَ)؛ فَهُوَ أَوَّلُ مُبَاشِرٍ لَهُ، وَعَنْهُ أَخَذَتِ الْبَشَرِيَّةُ، وَمِنْ حِينِهَا يَجْنِي عَوَاقِبَ ذَلِكَ الْأَثَرِ وَتِلْكَ الْجَرِيمَةِ، وَيَحْمِلُ وِزْرَهَا وَوِزْرَ مَنْ قَارَفَهَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: “لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ” (الْأَلْبَانِيُّ، صَحِيحِ النَّسَائِيِّ (3996)).
فَقُلِّي بِرَبِّكَ: هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ أَمْضَى عُمْرَهُ فِي عِتْقِ الرِّقَابِ وَفَكِّهَا وَصَوْنِ الْأَنْفُسِ وَرِعَايَتِهَا، وَإِطْعَامِ الْبُطُونِ وَرَيِّهَا، وَكُسْوَةِ الْأَجْسَادِ وَسَتْرِهَا؟! لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ الْأَصْنَامُ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؛ فَقَدْ كَانَتْ أَثَرَ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيِّ الْقَبِيحَ الَّذِي جَلَبَهَا إِلَيْهَا؛ فَكُلُّ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَمَعَهُ كَانَ لِجَالِبِهَا أَوْفَرُ الْإِثْمِ وَالنَّصِيبِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: “وَرَأَيْتُ فِيهَا أَبَا ثُمَّامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ” (الْأَلْبَانِيُّ، صَحِيحِ الْجَامِعِ (2398)).
فَقُلِّي بِاللَّهِ عَلَيْكَ: هَلْ يَسْتَوِي الْخُزَاعِيُّ وَمَنْ أَوْقَفَ حَيَاتَهُ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ دَاعِيًا إِلَى تَوْحِيدِهِ وَتَصْحِيحِ عَقَائِدِ النَّاسِ لِرَبِّهِمْ دَعْوَةً وَحِوَارًا وَتَأْلِيفًا وَغَيْرِهَا؟! لَا يَسْتَوُونَ مَثَلًا.
وَهَكَذَا مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فِي الدِّينِ وَمَارَسَهَا وَدَعَا إِلَيْهَا، ثُمَّ مَاتَ دُونَ أَنْ يَتُوبَ مِنْهَا وَيُحَذِّرَ مِنْ فِعْلِهَا؛ فَهِيَ أَثَرٌ سَيِّءٌ يُرَافِقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَجْنِي وِزْرَهَا إِلَى يَوْمِ بَعْثِهِ.
هَلْ يَسْتَوِي وَمَنْ صَرَفَ عُمْرَهُ فِي دَعْوَةِ الْعِبَادِ إِلَى سُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى اتِّبَاعِ هَدْيِهِ الْمُبِينِ وَعْظًا وَنُصْحًا وَكِتَابَةً وَغَيْرِهَا؟!
وَمِثْلُهُ صَاحِبُ الْأَغَانِي الْمَاجِنَةِ وَالْمُسَلْسَلَاتِ الْهَابِطَةِ وَالصُّوَرِ الْخَلِيعَةِ وَانْتِشَارِهَا فِي أَجْهِزَةِ الْعَالِمِينَ، فَذَلِكَ الْإِثْمُ الْمُبِينُ، وَالْأَكْبَرُ مِنْهُ إِذَا مَاتَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ مِنْهَا؛ فَهِيَ أَثَرٌ سَيِّءٌ يُلَاحِقُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيَجْلِبُ عَلَيْهَا وِزْرَ مَنْ سَمِعَهَا وَشَاهَدَهَا، نَاهِيكَ عَنِ السُّمْعَةِ السَّيِّئَةِ الَّتِي تُرَافِقُهُ حَتَّى يُعْرَضَ عَلَى رَبِّهِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ غَيْرَهَا؛ (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)[النَّحْلِ: 25].
هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ أَمْضَى عُمْرَهُ فِي تَعَلُّمِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَسَاهَمَ فِي تَعْلِيمِهَا وَنَشْرِهَا فَيَجْرِي أَجْرُهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا؟! لَا يَسْتَوُونَ أَبَدًا.
وَهَكَذَا مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا أَوْ أَوْقَفَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقْفًا، وَمَنْ أَجْرَى نَهْرًا أَوْ كَفَلَ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ نَشَرَ عِلْمًا أَوْ طَبَّقَ سُنَّةً وَعَلَّمَهَا أَوِ امْتَثَلَ سُلُوكًا وَنَشَرَهُ؛ فَهَذِهِ وَأَمْثَالُهَا آثَارٌ طَيِّبَةٌ وَذِكْرَى حَسَنَةٌ يَجْرِي لِصَاحِبِهَا ثَوَابٌ لَا يُحْصِي عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ؛ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ…
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، هَدَى وَوَفَّقَ مَنْ شَاءَ بِفَضْلِهِ، وَصَرَفَ عَنِ الْحَقِّ وَالْهُدَى بِعَدْلِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ وَأَكْرَمِ رُسُلِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ حِرْصَنَا عَلَى الْأَثَرِ الْجَمِيلِ وَالسُّمْعَةِ الطَّيِّبَةِ وَالسِّيرَةِ الْحَسَنَةِ يَنْبَغِي أَلَّا يَحْمِلَنَا ذَلِكَ عَلَى تَجَاهُلِ الْإِخْلَاصِ وَتَغَافُلِ النِّيَّاتِ وَإِصْلَاحِ وَمُرَاقَبَةِ السَّرَائِرِ وَالطَّوِيَّاتِ، أَوْ يَحْمِلَنَا ذَلِكَ لِلتَّطَلُّعِ إِلَى ثَنَاءِ الْآخَرِينَ أَوِ ابْتِغَاءِ الْأَجْرِ مِنْهُمْ؛ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نَتَائِجَ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ وَلَا مَرْجُوَّةٍ فِي الدُّنْيَا؛ وَيَكُونَ دَافِعُنَا لِلْإِحْسَانِ هُوَ ابْتِغَاءُ مَا عِنْدَ اللَّهِ، وَقَائِدُنَا لِلْجَمِيلِ هُوَ رَجَاءُ مَا عِنْدَ اللَّهِ؛ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا)[الْمُزَّمِّلِ: 20]، وَقَوْلُهُ -تَعَالَى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[الْإِنْسَانِ: 9].
فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى إِحْسَانِكَ وَمَعْرُوفِكَ ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَيْكَ وَدُعَاؤُهُمْ لَكَ فَذَلِكَ مِنْ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ الَّتِي يَجْعَلُهَا اللَّهُ عَلَامَةً عَلَى إِخْلَاصِ عَبْدِهِ وَقَبُولِهِ مِنْهُ؛ فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: “تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ” (صَحِيحِ مُسْلِمٍ، (2642)).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَقُولُ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)[يس: 12]، فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْبَصْمَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ عُمْرِكَ، وَاللَّوْحَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ حَيَاتِكَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ زَوَالِهَا.
إِنَّ مِنَ الْحِرْمَانِ الْعَظِيمِ وَالْخُسْرَانِ الْمُبِينِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ مُجَرَّدَ رَقْمٍ فِي قَائِمَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الْبَشَرِ، لَيْسَ لَهُمْ وَزْنٌ فِي قِيَمِ الْأَخْلَاقِ، وَلَا يُشَكِّلُونَ ثِقَلًا فِي مَسِيرَةِ السُّلُوكِ.
غَدًا تُوَفَّى النُّفُوسُ مَا كَسَبَتْ *** وَيَحْصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا
إِنْ أَحْسَنُوا أَحْسَنُوا لِأَنْفُسِهِمْ *** وَإِنْ أَسَاؤُوا فَبِئْسَ مَا صَنَعُوا
عِبَادَ اللَّهِ: لَيْسَ لِحَيَاةِ الْإِنْسَانِ قِيمَةٌ إِذَا رَضِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَيْشَ فِي غَيَاهِبِ السُّكُونِ؛ فَإِذَا لَمْ تَزِدْ شَيْئًا عَلَى الْحَيَاةِ كُنْتَ زَائِدًا عَلَيْهَا، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ لِنَفْسِهِ أَثَرًا قَبْلَ مَمَاتِهِ دُفِنَ وَلَا شَيْءَ يُذْكَرُ وَرَاءَهُ؛ دُونَ أَنْ يُسَجِّلَ عَنْهُ التَّارِيخُ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَاتَ؛ بِخِلَافِ النَّاجِحِ فِي الْحَيَاةِ؛ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ كَيْفَ يَصْنَعُ لَهُ مَجْدًا تَلِيدًا وَتَارِيخًا زَاخِرًا.
نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُوَفِّقَ الْجَمِيعَ لِمَرْضَاتِهِ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا وَيَهْدِيَ بِنَا، وَيَجْعَلَنَا سَبَبًا لِمَنِ اهْتَدَى. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَعَمَلَ عَمَلٍ يُقَرِّبُنَا إِلَى حُبِّكَ.
هذا ولنجعل مسك الختام أفضل وأزكى السلام على سيد الورى وشفيع الأنام. فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وباركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد ].
[وارض اللهم عن جميع صحابته الأبرار، المهاجرين منهم والأنصار، وعن أزواجه وذريته وسائر آل بيته الطيبين الأطهار، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ].
وانصر رب من قلدته أمر عبادك، عبدك الخاضع لجلالك، أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين، جلالة الملك محمد السادس. رب انصره نصرا عزيزا تعز به الدين، وتجمع به كلمة المسلمين، وأصلح به وعلى يديه، واحفظه بما حفظت به الذكر الحكيم. رب أقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وأصلحه وأنبته نباتا حسنا، وشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، واحفظه في كافة أسرته الملكية الشريفة.
رب أغدق شآبيب عفوك وفضلك، وسحائب مغفرتك ورحمتك ورضوانك على الملكين المجاهدين، مولانا الحسن الثاني ومولانا محمد الخامس، رب أكرم مثواهما، وطيب ثراهما، واجعلهما في مقعد صدق معَ الذين أنعمت عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.
رب انصر الإسلام والمسلمين، وأعل كلمة الحق والدين، و وفقهم لجمع الشمل وتوحيد الكلمة، ولما فيه خيرهم وصلاحهم في كل بلد وحين، واجعل بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ربنا إنك سميع مجيب .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين
والحمد لله رب العالمين.

حقيقة الحجر الأسود


☀    حقائق الاشياء    ☀
*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*.*
☀ جاء سيدنا عمر رضى الله عنه وكان من المحدثين كما قال فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم:

 ( أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي هَذِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ ، فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ  )   (1)
--------------------
    والمحدث الذي يحدِّث الحقائق كلها، يحدِّث الأرض كما ذكرنا اليوم في المسجد، يحدِّث الحجر، يحدث كل الحقائق - فكان يحج فوقف أمام الحَجَر وقال له: (إنك حجر) - وهذا خطاب أي أنه يسمعه، (إنك حجر لا تضر ولا تنفع) – أي: من نفسك - ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). فقال الإمام عليٌّ رضى الله عنه وكرم الله وجهه  كاشفاً لمن حوله هذا الأمر:
   (بل إنه يضر وينفع بإذن الله يا أمير المؤمنين، أما علمت أن الله حين أخذ العهد علي الذرية كتبه في كتاب ثم ألقمه هذا الحجر، فهو يشهد لكل من استلمه أو قبَّله بالوفاء يوم القيامة)   (2)
------------------
  هذا الحجر
   من أين نزل    
    من الجنة.
   ماذا فيه    
  فيه وثيقة العهد الذي أخذه علينا الله عزّوجل، ولذلك جعل الله الحجَّ تمام الدِّين، تمام الإسلام.
   لماذا يذهب الإنسان إلى هناك    
    ليُعلن وفاءه بعهد الله عند بيت الله عندما يواجه هذا الحجر الأسعد الذي فيه الوثيقة التي كتبها الله عزّوجل  علي عباده أجمعين.
☀ الكلام المباح والمتاح في هذا الباب ذكرناه، أما غير ذلك فإن الإنسان يرتقى حتى يكرمه الكريم ويتذوقه بقلبه، أو يطالعه بعين روحه، عندما يقرأ قول الله عزّوجل:
)    كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ( (18-21 المطففين)
☀ لم يقل (يقرأه) وإنما قال هنا:
    (يَشْهَدُهُ)   
  نسأل الله عز وجل أن يَمُنَّ علينا بذلك، وأن يؤهلنا لذلك، وأن يصطفينا ويجتبينا ويجعلنا أهل لذلك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
----------------------------------------------------------------
  ☀ (1) مسلم والترمذي عن عائشة رضي الله عنها.
       ☀   (2) الحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه بلفظ: (يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود، وله لسان ذلق، يشهد لمن يستلمه بالتوحيد).
--------------------------------------------------------------
 ☀همسات صوفية من كتاب {مجالس تزكية النفوس }  ☀ 
 ☀ لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبو زيد ☀  
 ☀ رئيس الجمعية العامة للدعوة الى الله  ☀ 
=====================================

الجمعة، 18 يناير 2019

- أهل التمكين

🌾🌾أهل التمكين 🌾🌾
***********************
🌼.. أهل التمكين هم الواثقون بأن الله عز وجل يشمل بعنايته ورعايته الثلة المباركة التي يقول تعالى جل وعلا فيها :-
( ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ) 40-41 الواقعة
🍃 فمهما اشتدت الظلم قال ﷺ :-
{ طُوبَى لِلْمُخْلِصِينَ أُوْلئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى تَنْجَلِي عَنْهُمْ كُلُّ فِتْنَةٍ ظَلْمَاءَ } - عن ثَوْبَانَ رواه البيهقي
🌿 {إن لله ضنائن من خلقه يحييهم في عافية فإذا توفاهم توفاهم إلى جنته أولئك تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم وهم فيها في عافية } - عبدالله بن عمر ، المحدث الهيثمى ، المصدر : مجمع الزوائد
 وهذا كلام ، وفى سورة النجم :
{وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى} – 4،3 ..
🌱 وهؤلاء هم أنتم إن صدقتم وعملتم بقول الله :-
( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ ) - (23 الأحزاب)
☀️☀️ خذ رسالة التكليف الموجودة في كلام الله في الآية واعمل بها ..
💐 تجد فوراً أن الله عز وجل يتولاك والأكوان كلها تتسابق وتتسارع فى رضاك..
🌴فلا تشتهي شيئاً إلا وتجده أقرب إليك من لمح البصر؛ وذلك لأنك مع الله..
🌳 ووجهت وجهك لحضرة الله..
🌵 وتابعت سيدنا رسول الله..
🍁ووظفت نفسك في ديوان أهل الله .. إماماً يقتدي به في طريق الله.
☝️ وإياك يا أخي أن تربأ بنفسك عن هذا الطريق، أو تظن أنك لست أهلاً لهذا المقام، وقد عرفت أن الله عز وجل هو الذي أجلسك فيه مع التبجيل والتعظيم والاحترام !!
🌻فلا تباعد نفسك عن هذا الخير أبداً ..
💝 واعلم علم اليقين أن الله لو نظر إلي قلبك ووجد فيه الصدق واليقين ،،، فإن نظرة واحدة من رب العالمين تجعل حياتك كلها في أنوار سيد الأولين والآخرين
💞 وتجد كل أحوالك أحوال الصالحين ..
💗 وأوقاتك أوقات المقربين..
💓 💓 فنظرة من فضل جوده تجعل الكافر ولياً!! والشقي تقياً..!!💓💓
⁉️ فما بالك إن كانت هذه النظرة لرجل من خير أمة أخرجت للناس !!
🍂 نظرة واحدة من الله تخلع عن قلبه كل لبس وكل هاجس وكل وسواس و تدخله في قوله عز وجل :-
( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) - (42 الحجر)
🌹 وتجعله المعنِّي بقول مولاه جلَّ فى علاه :-
( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) - (90 الأنعام)
( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) - (82 الأنعام) ....... 🌷🌷
===========================
🍄 الكنز الثمين من كتاب موازين الصــــادقين 🍄
🦋 لفضيلة الشيخ / فوزي محمد أبوزيد 🦋

- السلاح الإيماني

-  السلاح الإيماني
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏يبتسم‏، و‏‏نص‏‏‏‏
🌷 السلاح الإيماني 🌷
السلاح الإيماني الذي لا يتخلف معه نصر والذي علمه لهم أستاذ فن الانتصارات في كافة المجالات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو::الإخلاص في العمل لله.
أي لا يقصد الجندي أو القائد المسلم أو المؤمن بأي عمل إلا وجه الله وإلا مرضاة الله عز وجل 
🌷 (يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه) (28الكهف) 
وما دام يريد الله ورضاء الله وليس له غاية في غنائم أو غاية في شهرة أو سمعة أخرى خلاف ذلك يستوي عنده الأمر في ميدان القتال .
هل سمعتم يا جماعة المؤمنين قديما أو حديثا ،عن قائد عام برتبة مشير خاض مائة معركة حربية ولم يهزم فى واحده منها ثم يعزل من القيادة فيعمل جنديا ، عاديا بعد أن تجرد من جميع ألقابه ؟؟
ولا يرى فى ذلك غضاضة ولا بأسا ؟ولم ولن يكون هذا أبدا
🌷 فقد انتصر بجيشه الذي لا يزيد عن عشرين ألف على جيش يزيد على أربع مائة ألف ومع ذلك لم يغره النصر ولم يأخذه الزهو ولم يعلن التمرد والعصيان.
🌷وإنما انتظر حتى انتهت المعركة وجمع القادة وجاء بالقائد الذي اختير ليحل محلة وهو أبو عبيده بن الجراح رضي الله عنه وقال : يا أبا عبيده هذه عصا القيادة وإنما أخرت الإعلان حتى لا يصاب المسلمين بالإحباط وليس رغبة في زعامة وها أنا جندي لك فمرني بما شئت ، وأنا طوع أمرك. في أي معسكر وفى أي كليه تخرج هذا القائد ؟ في مدرسة
(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ) (7محمد)
🌷 من كتاب كونوا قراّناً يمشى بين الناس
🌷 لفضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبو زيد

- الصدق وأثره في صلاح الفرد والمجتمع خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد


الصدق وأثره في صلاح الفرد والمجتمع
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
*******************************************
الحمد لله رب العالمين، نحمده عزَّ وجلَّ على ما أعطانا حيث اختارنا وجعلنا من أمة الإسلام، وكتب فى قلوبنا الإيمان والصدق والإخلاص، وجعلنا من عباده المؤمنين الصادقين،
سبحانه سبحانه، قلوب العباد بيديه، يغير ولا يتغير، ويحوِّل ولا يتحوَّل، وبيد وحده تصاريف القلوب والأمور.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8آل عمران).
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له خلق خلقاً وجعلهم أنصاراً لشريعته، وأتباعاً لخير بريته، وكتب لهم فى الدنيا هدايته، وفى الآخرة سعادته نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون منهم أجمعين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أمره الله عزَّ وجلَّ بتبليغ رسالته، والدعوة إلى العمل بشريعته، وأن يجاهد الكفار ومن يعاونهم ممن حولهم من المنافقين لأنهم أضرُّ على المؤمنين من الكافرين، وقال له عزَّ وجلَّ فى شأنهم:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73التوبة).
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد الذى حمَّله مولاه فى الدنيا لواء هدايته، وفى الآخرة لواء شفاعته، وفى الجنة لواء أهل سعادته،
صلى الله عليه وعلى آله الذين اقتدوا بهداه، وأصحابه الذين آزروه ونصروه فى شرع الله، واتباعه المباركين الذين سلكوا على هداه واجعلنا منهم أجمعين آمين يا رب العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
أسس النبي صلى الله عليه وسلم رسالته ودعوته بل وأسس أنبياء الله ورسل الله السابقون دعوتهم على أسس وأولها هو خلق الصدق
فإن الصدق هو الخلق الأول الذي تخلق به أنبياء الله ورسل الله وفي ذلك قال لنا الله عز وجل
" وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " (33الزمر)
والذي جاء بالصدق هم انبياء الله ورسل الله وفي هذه الآية هو رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي صدق به هم اهل اتباعه الذين آمنوا بحضرته
إن الله عزوجلّ جعل الدين جامعاً لكل ما يحتاجه الإنسان وما يُقرّب المرء إلى الله، ومايعلّو به شأن المرء فى هذه الحياة،من العبادات من صلاة وصيام وزاكاة وحج ، وجعل لإصلاح المجتمعات المعاملات الإسلامية النازلة فى الآيات القرآنية والتى وضّحها الحبيب صلى الله عليه وسلّم فى سنته العملية فجعل لتقدم الأمم والمجتمعات والشعوب الأخلاق الإلهية والأخلاق القرآنية والأخلاق النبوية
التي قال فيها صلى الله عليه وسلم
" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "( البخاري والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
والأساس الأول لهذه الأخلاق هو الصدق
وقد كان صلى الله عليه وسلم هو خير مثال لذلك فقد كان حتى قبل رسالته يلقب بالصادق الأمين وبعد أن نزلت عليه الرسالة وبلغّ دعوة الله وآذوه وعادوه إلا أنهم شهدوا له بهذا الخلق الكريم وكانت هذه شهادة من ألد أعدائه .
حينما استدعا هرقل ملك الروم أبو سفيان بن حرب وسأله عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم وكان من جملة ما سأله هل جربتم عليه كذبا ؟ فقال : لا فقال له هرقل ما كان له أن يترك الكذب على الناس ويكذب على الله عز وجل
وكان صلى الله عليه وسلم صادق في كل أقواله حتى في مزاحه وكان يقول صلى الله عليه وسلم
" إني لأمزح ولا أقول إلا حقا" ( الطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما)
وقد أدب أصحابه الكرام على هذا الخلق الكريم بعد أن بين القرآن الكريم أن أعلى منزلة عند الله بعد أنبياء الله ورسل الله هي منزلة الصديقين والصادقين من عباد الله وقال الله تعالى
" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " (النساء69)
فكانت المرتبة التالية للنبيين هي مرتبة الصديقين
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الوصول إلى مرتبة الصديقين فقال في حديثه الصحيح صلى الله عليه وسلم
" عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ، وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا "(متفق عليه عن عبد الله بن مسعود)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كان يراقب أصحابه في هذا الخلق حتى في أدق الأمور وخاصة في تربية النشء
عن عبد الله بن عامر أنه قال دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا في بيتنا فقالت ها تعلى اعطيك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اردت أن تعطيه قالت اعطيه تمرا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة(رواه ابو داود
إخواني جماعة المؤمنين
إن أساس صلاح المجتمعات هذا الخلق الكريم الذي يقول فيه لنا رب العالمين
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة119)"
والصدق يربي في النفوس الثقة والطمأنينة بين عباد الله المؤمنين فيطمئنون في بيعهم ويطمئنون في شرائهم ويطمئنون في أحاديثهم عند سماعهم لبعضهم ويطمئنون في كل شيء فيما بينهم حتى في اعمالهم يعملون بقول نبيهم صلى الله عليه وسلم :
"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً ان يتقنه ( رواه ابو يعلى والطبراني عن عائشة رضي الله عنها)
ويقومون على نشر العدالة والمساواة بين الجميع وعلى عدم الغش فى قليل أو فى كثير، لان النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"من غشّنا فليس منا" (مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه) وفى رواية أخرى ( من غشّ أمتى فليس منا ) فالمؤمن لايكون مؤمناً حقاً إلا إذا حافظ على دين الله، حتى يوفقه الله بالنطق بالشهادتين عند لقاء الله،
ولذلك فإن رجلاً جاءته سكرة الموت فى زمن الإمام أبى حنيفة، فلقنوه الشهادتين فلم يستطع لسانه أن يتحرّك بهما.
فذهبوا للإمام أبى حنيفة وسألوه، وأخذوه معهم إلي بيته ، فسأل الرجل عن سبب ذلك، فأشار الرجل إلى شيءٍ معلقّ فى السقف، فنظروا فوجدوا مكيالين، أحدهما كبير، والآخر صغير، وقد كان يكيل بالكبير إذا إشترى من الناس، ويكيل بالصغير إذا باع للناس فقال لمن حوله :
هذا الذى منعه من النطق بالشهادتين .
إن هؤلاء وأمثالهم يقول فيهم الله :
"وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)" ( المطففين )
والصدق أسا س صلاح المجتمعات الإيمانية الذي أقام عليه نبينا صلى الله عليه وسلم مجتمع المدينة المنورة الأول والذي يقول فيه الله
" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ" (29الفتح)
كان التاجر المسلم فى عصره صلى الله عليه وسلمّ وفى عصر الخلفاء الراشدين الهادين المهديين يوّظف نفسه لحل مشاكل المسلمين زمن الكوارث والنكبات هذا التاجر يقول فيه صلى الله عليه وسلم
"التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يوم القيامة"(رواه ابو يعلى والدارمي عن ابي سعيد رضي الله عنه)
أين ذلك من تجار المسلمين الآن الذين تخصصوا فى أحتكار الأقوات لإعلاء السعر على المؤمنين ومضاعفة الكسب مع انهم يعلمون علم اليقين قول سيد الأولين والاخرين :
"لا يحتكر إلا خاطىء "( مسلم والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها) المحتكر الذى يخزّن الأقوات والأغذية الضرورية حتى يُغلى ثمنها فتتضاعف له الأرباح
وهذا ما نهى عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلمّ .
قال صلى الله عليه وسلم " إن اثقل شيء تجدونه في موازينكم يوم القيامة الخلق الحسن "
أو كما قال ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين الذى أغنانا بفضله وجوده وكرمه على الخلق أجمعين وجعل لنا فى كتابه منهجاً مبيناً لو إتبعناه لسعدنا فى حياتنا ولم يعد بيننا مشاكل أجمعين قال فيه عزّ شأنه :
﴿ ولو أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالارْضِ ﴾ ( الأعراف:96 )
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُحب عباده المؤمنين أن يكونوا متخلقين بأخلاقه العلية عاملين بأوامره القرآنية متآسِّين فى كل أحوالهم بالحبيب الأكرم خير البرية صلى الله عليه وسلّم .
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله الذى أعلا شأنه مولاه وكرّمه وحاباه وادناه حتى جعل طاعته من طاعة الله عزوجلّ فقال لنا أجمعين :
﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله ﴾ ( النساء:80 )
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هُداه ووفقنا جميعاً لعمل بسنته يا ألله وغيّر أحوالنا إلى الحال الذى تحبه وترضاه .
اما بعد .. أيها الأخوة جماعة المؤمنين :
إذا ضاع خلق الصدق من قوم ضاعت بينهم الأمانة وضاعت بينهم الثقة وضاعت بينهم الطمأنينة وأصبح الناس لا يطمئنون إلى بيعهم وشرائهم ولا يثقون في أحاديث بعضهم وانتشرت بينهم شهادة الزور
وشهادة الزور تفتك بالمجتمعات وتقلب الحق باطلا والباطل حقا وهذا لا يكون بين المؤمنين أبدا
ولذا قيل يا رسول الله
" أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا ؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ: ( لَا المؤمن ليس بكذاب المؤمن ليس بكذاب المؤمن ليس بكذاب"(الإمام مالك في الموطأعن صفوان بن سليم)
وكان يوما مضجعا على جنبه الشريف صلى الله عليه وسلم ثم التفت إلى أصحابه وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ،الإشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور أوقول الزور وجلس صلى الله عليه وسلم وأخذ يكررها حتى قال من حوله ليته سكت "( البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه)
لأن هذه الصفة تحبط عبادة المؤمن وتجعل المرء غير أهل لفضل الله عز وجل فإن المؤمن إذا كان في عمل صالح وهذا العمل يتوجه به لمولاه يحبط هذا العمل صفة الكذب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "(البخاري عن ابي هريرة
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرصون على ذلك حتى في أدق الأمور لأنهم يعلمون ان صفة الكذب إذا وجدت في إنسان كانت فيه صفة من صفات المنافقين حتى يتركها وقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في رواية الإمام مسلم
" من علامات المنافق ثلاثة: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)) (رواه مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه)
فجعل من كانت فيه خصلة من هذه الخصال الثلاث فإن عمله حابطا وباطلا حتى يتركها لأن الله عز وجل يحب من عباده المؤمنين أن يكونوا صادقين ولذلك كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يدعونا معشر الأمة إلى الأخلاق والفضيلة والتحلي بمكارم الأخلاق لمن يريد أن يكون معه في الموقف العظيم يوم القيامة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" (التوبة:119) ... ثم الدعاء
************************************************
ولمزيد من الخطب الدخول على موقع فضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد

- العفو خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد

العفو
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
******************************************
الحمد لله رب العالمين العفو الغفور، الرؤوف الرحيم، الشفوق العطوف، الحنان المنان الذى لايؤاخذنا بأعمالنا، ولا يحاسبنا على افعالنا بل يقابلها بمحض جوده وكرمه وغفرانه وهو أرحم الراحمين ..
سبحانه سبحانه .. نعصاه فيسترنا، وإذا رجعنا إليه تائبين أقال لنا عثرتنا وغفر لنا ذلاتنا لأنه سبحانه وتعالى عفو كريم يحب العفو عن عباده .
وأشهدأن لا إله إلا الله وحده لاشريك، يحب من خلقه من كان على خلقه،
وأشهد ان سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، الذى أدّبه مولاه بما يحبه ويرضاه فكان نعم العبد الذى يتخلقّ بأخلاق مولاه ويسير على نهجه وهُداه حتى قال لنا فى شأنه صلى الله عليه وسلمّ :
"وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم:4)
اللهم صلى وسلمّ وبارك على سيدنا محمد صاحب الخُلق العظيم وآله وأصحابه الذين ساروا على نهجه القويم وانظمنا معهم فى عقد معيتهم بفضلك ومنّك وجودك يا حنان يا كريم ..
أما بعد فيا إخوانى ويا أحبابى :
يظن كثيرٌ من الناس أن العبادات الإسلامية التى عليها المكافأت الإلهية وبها دخول الجنان الرضوانية هى الصلاة والصيام والزكاة والحج وفقط ونقصد بذلك السنن من هذة العبادات .. ، لكن هناك عبادات أعظم فى الأجر والثواب من مواطن هذه العبادات، ومن سنن تلك المعاملات، وعليها حرص رسولكم الكريم صلوات الله وسلامه عليه، وبها أدّب أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وهى عبادة النبيين وعبادة المرسلين
وهو خلق العفو والصفح ــ
وهل العفو عبادة ؟
نعم ــ بل أكبر عبادة يُثاب عليها المرء يوم لقاء الله عزوجلّ،
حتى أن اول فوجٍ يدخل جنة الله يقول فيهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلمّ : ( إذا كان يوم القيامة يُنادى منادى الله عزوجلّ على أهل الفضل، قالوا : يا رسول الله ومن أهل الفضل ؟ قال : العافين عن الناس، ويكونون وجوههم تتلألأ كالقمر فى ليلة التمام)رواه أبو يعلى مرفوعا)) فيكون أول فوجٍ يفرّ من الزحام ويدخلون الجنة بسلام كما أنبأ النبى الكريم صلوات الله وسلامه عليه
لماذا كان اهل العفو أوّل فوجٍ يدخل الجنة بعد النبيين والمرسلين ؟
لأن أول خُلقٍ تخلقّ به الأنبياء والمرسلين وأمرهم الله عزوجلّ أن يتخلقوّا به فى كل وقتٍ وحين هو العفو :
"فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الامْرِ" ( آل عمران: 159)
أمر الله حبيبه ومصطفاه بالعفو فتخلقّ بهذا الخلق الكريم فى كل أحواله وفى كل أحيانه،
عندما كان صلى الله عليه وسلم فى إحدى الغزوات ونزل المطر من السماء وإبتلتّ ثيابه بالماء، فذهب خلف شجرة وخلع ثيابه ووضعها فوق هذه الشجرة لتجّف واستلقى على ظهره تحتها فنام، والأعداء يتربصون بالمسلمين من فوق رؤوس الجبال، فقال أحدهم ــ وكان قوى البأس ـ قال هذه فرصة لن تلوح لكم مثلها أبداً، فمحمد نائمٌ بمفرده تحت الشجرة وأصحابه قد إنفصلوا عنه ونزل إليه الرجلٌ ــ وكان صلى الله عليه وسلمّ نائماً ــ والعرب مع أنهم كانوا أهل جاهلية إلا انهم كانوا لايغدرون، ويعتبرون الغدر خُلقاً رديئاً سيئاً لايجب على الشجعان ولا الوجهاء ولا الأكفاء أن يفعلوه فلا يعتدى رجلٌ منهم على غيره إلا إذا كان فى مواجهته ــ
فلما وجده نائماً جذب سيف رسول الله صلى الله عليه وسلمّ من على الشجرة ثم أيقظه لأنهم لايقتلون غيلة، وكان يستطيع ان يقضى عليه وهو نائم، لكنهم مع أنهم لم يدخل الإيمان إلى قلوبهم ولم تنطق بالتوحيد ألسنتهم ــ إلا أنهم كانوا لايغدرون ويعتبرون من يغدر قد إرتكب ظلماً عظيماً وجرماً كبيراً ويشيع أمره بين الناس أجمعين .
فأيقظه من نومه وقال له : يا محمد من يمنعك منى الآن ؟
قال : الله ــ فشُلتّ يده وسقط السيف من يده فى الحال، فأمسك صلى الله عليه وسلمّ بالسيف وقال له : ومن يمنعك منى الآن ؟
قال عفوك وحلمك وكرمك، قال : عفوت عنك ــ ( البيهقي في دلائل النبوة)
جاء ليقتله ومكنّه الله عزوجلّ منه لأنه هو العفو الذى جمّله الله بالعفو وتخلقّ بخلق العفو عفا عنه ــ وكذلك من جملهم الله بالإيمان ، وتابعوه فإن لهم المزيد ..
.
وأنتم تعلمون جميعاً ماذا فعل فيه قومه ومن حولهم من أصناف الإيذاء، ومن أنواع العذاب، وعندما دخل عليهم بأمر الله فاتحاً، هرب كل واحدٍ منهم حتى أن منهم من وصل إلى شاطئ بلاد اليمن هارباً وهم يظنون أنه سيفعل بهم الأفاعيل لأن الله عزوجلّ مكنّه منهم .
فوقف على باب الكعبة وقال : يا معشر قريش ماتظنون أنى فاعلٌ بكم ؟ قالوا : خيراً أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال : فاذهبوا فانتم الطلقاء، لا أقول لكم إلا كما قال أخى يوسف لإخوته : لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين، فجاءه نفرٌ وقالوا : يا رسول الله إن إبن عمك صفوان بن أمية خرج ووصل إلى شاطئ اليمن خائفاً منك، قال :
أمّنوه وقولوا له إرجع فلن ترى إلا خيراً، فذهبوا إليه وقالوا : لاتخف فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خائفاً ــ وكان رسول الله قد رجع من غزوة الطائف ومعه الغنائم الكثيرة ــ فقال : ياصفوان ماذا يرضيك ؟
قال : أن تعفوا عنى يا رسول الله، قال :
قد عفوت عنك ولك كل هذه الأغنام ــ وهى غنم بين جبلين تزيد على الخمسة آلاف رأس ــ فقال صفوان : لاتطيب بهذا إلا نفس نبى، والله يا رسول الله لقد جئتك وانت أبغض الخلق إلىّ، والآن صرت أحبّ الخلق إلىّ .
خلقٌ كريمٌ صنعه النبى العظيم صلى الله عليه وسلم، واسس شريعته على هذا الخلق، وعندما حجّ حجة الوداع وخطب خطبته العصماء على جبل عرفة ــ أنهى كل عادات الجاهلية، وأعلن بدء وجود العادات والأخلاق الإسلامية وقال : ( إن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا، وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب.
وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد) ( . مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه)
وفى رواية : ( وإن دماء الجاهلية قد إنتهت فلا تطالبوا بدمٍ منهم لأنه جاء دين العفو واول دمٍ دم ابن عمى سفيان بن الحارث ــ وكان قد قتل أباه ويطالب بدمه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم العفو وبدأ بنفسه صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن ديننا هذا هو دين :
"وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " (آل عمران:134)
والأمثلة كثيرة في هذا المجال، ولا أريد ان أطيل عليكم ولكن لنا مثلٌ واحدٌ عند الأصحاب، فقد يقول البعض :
هذا نبى الله وله حالٌ خاصٌ مع الله، لكن أنظروا إلى اصحابه، فهذا أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه وأرضاه يتوّلى إبن خالته مُسطح بن أثاثة، يُطعمه ويُنفق عليه ويكسوه ويُعطيه كل ما يحتاج إليه ويُروّج المنافقون سوء الفتنة للحبيبة زوجة الرسول السيدة عائشة، ويتلقفّ مسطح بن اثاثة الخبر وينشره فى كل أرجاء المدينة ، فتراود نفس أبو بكرٍ ان يقطع عنه المعونة ولا يكفيه بالنفقة ــ لايفكر أن يقتله أو ان يؤدبه، لأن هذا لم يكن يدور فى تفكيرهم لإخوانهم المؤمنين والمؤمنات، لكن كل الذى فكر فيه هو ان يقطع عنه النفقة التى كان يعطيها له .
وإذا بالله عزوجلّ ينزل قرآناً خاصّاً له ويقول له :
"وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ" (النور:22)
فعندما قرأها رسول الله قال : بلى يا رب أحب أن تعفو عنى، عفوت عنه ــ رغم ما فعل وما قال،
لأن الله عزوجل يعفو عمن يعفو عن إخوانه
يحاسب بشدّة من يحاسب إخوانه بشدّة ــ الله عزوجلّ يعاملنا بما نعامل به إخواننا،
لقد روى نبيكم الكريم : أن رجلاً أمر الله عزوجل به فى النار، فقالت الملائكة : أليس لك عملاً صالحاً تذكره لله عزوجلّ ليعفو عنك ؟ قال : لا ــ ثم تذكّر وقال :
إنى كنت أعمل تاجراً وكنت آمر صبيانى أن يتجاوزوا عن المُعسر وينتظروا حتى يُوسر، فقال الله عزوجلّ : تجاوزت عن عبادى وأنا أحق بالتجاوز والعفو وانا أرحم الراحمين (متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه) ــ
عفونا عنك بعفوك عن الناس أدخلوه الجنة لأنه كان يعفو عن الناس ويتجاوز عن الناس ولا يشكوهم لجهات حكومية مطالباً بالشيكات والكمبيالات التى يستدينون له فيها، بل ينذرهم ويُمهلهم حتى يُوسروا، ويعفو عن الذى ليس فى إستطاعته السداد .
عباد الله يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ معلماً داعياً مولاه :
اللهم إنك عفو كريمٌ تُحب العفو فا عفو عنا (للترمذي والنسائي وأحمد عن عائشة رضي الله عنها).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( من جاءه أخاه متنصلاً ــ أى معتذراً ــ فليقبل منه مُحقّاً كان أو مبطلاً فإن لم يقبل منه لم يرد علىّ الحوض)(الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه(
او كما قال أدعوا الله وانتم موقنون بالإجابة .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، نحمدك اللهم سبحانك على أن هديتنا إلى هذا الدين، وعَمرت قلوبنا بالهدى واليقينن وحببت إلينا الإيمان وزينته فى قلوبنا، وكرّهت إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وجعلتنا من الراشدين ونسألك سبحانك أن تديم علينا هذا الحال حتى تتوفانا مسلمين وتلحقنا بالصالحين .
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له بالجود معروف وبالخير موصوف،
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله،
اللهم صلى وسلمّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد واعطنا الخير وادفع عنه الشر ونجنا واشفنا يا رب العالمين .
اما بعد ..
عباد الله جماعة المؤمنين
السلاح الذي ينبغي أن أتسلح به في هذا الزمان وكل زمان،
وهذا هو السلاح الأساسي الذي استخدمه النبي العدنان في فتح القلوب، وهو سلاح العفو والصفح،
أين المؤمنين الآن من خُلُق العفو والصفح؟!
نحن نسمع من يقول في أخيه المؤمن مع أن الآية نزلت في الكافرين وغير المؤمنين:
"فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ "(194البقرة)
وهل هناك مؤمن يعتدي على مؤمن؟! ا
{ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ } (سنن ابن ماجة وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه)
! لكن المؤمن معه دوماً العفو، اسمعوا إلى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقد جَاءَه رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ أَعْفُوا عَنِ الْخَادِمِ؟
فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ أَعْفُوا عَنِ الْخَادِمِ؟ فَقَالَ:"كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً "
(سنن الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه)
إذا كنت سأعفوا عن الخادم في اليوم سبعين مرة، فكم أعفوا عن الأخ وعن الجار وعن الزوجة وعن الولد وعن الإبنة وعن الرفيق وعن الزميل؟!!
فالعفو مداه واسع ليس له نهاية، لأن خُلُق المؤمن الأول الذي عليه المعوَّل
، قد يقول قائل ويظن أن هذا الكلام لا ينطبق على الحالة الحاضرة، ويقول:
إن العفو يجعل الناس تطمع فيَّ ويزيدون في إيذائي، لا والله ما قال ذلك الذي لا ينطق عن الهوى
قال صلى الله عليه وسلم ليمحو عنا هذه الشبهة الخبيثة:
"ماذاد الله عبدا بعفو إلا عزاً" ( رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله )
إخوانى وأحبابى : إن أعزّ شيءٍ يخرج به الإنسان وهو خارج من هذه الحياة للقاء الله عزوجلّ أن يحرص على الإيمان، ويحرص على التمسك بأخلاق النبى
العدنان حتى يكرمنا الله عزوجلّ ..... ثم الدعاء
********************************
وللمزيد من الخطب الدخول على موقع فضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد



شارك فى نشر الخير