آخر الأخبار
موضوعات

الاثنين، 30 يوليو 2012

- المنهج العملي للتصوف

-  المنهج العملي للتصوف

أهميتها وفائدتها وآثارها:
إن للصحبة أثراً عميقاً في شخصية المرء وأخلاقه وسلوكه، والصاحب يكتسب صفات صاحبه بالتأثر الروحي والاقتداء العملي، والإنسان اجتماعي بالطبع لا بد أن يخالط الناس ويكون له منهم أخلاء وأصدقاء ؛ فإن اختارهم من أهل الفساد والشر والفسوق والمجون انحدرت أخلاقه، وانحطت صفاته تدريجياً دون أن يشعر، حتى يصل إلى حضيضهم ويهوي إلى دركهم.

أما إذا اختار صحبة أهل الإيمان والتقوى والاستقامة والمعرفة بالله تعالى فلا يلبث أن يرتفع إلى أوج علاهم، ويكتسب منهم الخُلق القويم، والإيمان الراسخ، والصفات العالية، والمعارف الإلهية، ويتحرر من عيوب نفسه، ورعونات خُلُقِهِ. ولهذا تُعرف أخلاق الرجل بمعرفة أصحابه وجلسائه.

إذا كنتَ في قوم فصاحب خيارَهمولا تصحب الأردى فترْدَى مع الرديعن المرء لا تسأل وسل عن قرينهفكل قرين بالمقارن يقتدي وما نال الصحابة رضوان الله عليهم هذا المقام السامي والدرجة الرفيعة بعد أن كانوا في ظلمات الجاهلية إلا بمصاحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالستهم له. وما أحرز التابعون هذا الشرف العظيم إلا باجتماعهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبما أن رسالة سيدنا محمد عليه السلام عامة خالدة إلى قيام الساعة، فإن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وُرّاثاً من العلماء العارفين بالله تعالى، ورثوا عن نبيهم العلم والخُلق والإيمان والتقوى، فكانوا خلفاء عنه في الهداية والإرشاد والدعوة إلى الله، يقتبسون من نوره ليضيؤوا للإنسانية طريق الحق والرشاد، فمَنْ جالسهم سرى إليه من حالهم الذي اقتبسوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومَنْ نصرهم فقد نصر الدين، ومن ربط حبله بحبالهم فقد اتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن استقى من هدايتهم وإرشادهم فقد استقى من نبع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هؤلاء الوراث هم الذين ينقلون للناس الدين، مُمَثَّلاً في سلوكهم، حيَّاً في أحوالهم، واضحاً في حركاتهم وسكناتهم، هم من الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:

"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" [أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإمارة، وأخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة بلفظ آخر، وأخرجه الترمذي في كتاب الفتن، وابن ماجه في كتاب السنة].

لا ينقطع أثرهم على مر الزمان، ولا يخلو منهم قطر.

وهؤلاء الوراث المرشدون صحبتهم ترياق مجرب، والبعد عنهم سم قاتل، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ؛ مرافقتهم هي العلاج العملي الفعَّال لإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق، وغرس العقيدة، ورسوخ الإيمان، لأن هذه أُمور لا تُنال بقراءة الكتب، ومطالعة الكراريس، إنما هي خصال عملية وجدانية، تُقتبس بالاقتداء، وتُنال بالاستقاء القلبي والتأثر الروحي.

ومن ناحية أخرى، فكل إنسان لا يخلو من أمراض قلبية، وعلل خفية لا يدركها بنفسه، كالرياء والنفاق والغرور والحسد، والأنانية وحب الشهرة والظهور، والعجب والكبر والبخل... بل قد يعتقد أنه أكمل الناس خُلقاً، وأقومهم ديناً، وهذا هو الجهل المركب، والضلال المبين.

قال تعالى:

{قُلْ هل نُنَبِّئُكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنَّهم يُحسنون صنعاً} [الكهف: 103ـ104].

فكما أن المرء لا يرى عيوب وجهه إلا بمرآة صافية مستوية، تكشف له عن حقيقة حاله، فكذلك لا بد للمؤمن من أخ مؤمن مخلص ناصح صادق، أحسن منه حالاً، وأقوم خُلقاً، وأقوى إيماناً، يصاحبه ويلازمه، فيريه عيوبه النفسية، ويكشف له عن خفايا أمراضه القلبية إما بقاله أو بحاله.

ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "المؤمنُ مِرآةُ المؤمن" [رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه البخاري في "الأدب المفرد" وقال الزين العراقي: إسناده حسن. "فيض القدير" ج6/ص252].

وعلينا أن نلاحظ أن المرايا أنواع وأشكال ؛ فمنها الصافية المستوية، ومنها الجرباء التي تُشوِّهُ جمال الوجه، ومنها التي تُكبِّر أو تُصغِّر.

وهكذا الأصحاب ؛ فمنهم الذي لا يريك نفسك على حقيقتها، فيمدحك حتى تظن في نفسك الكمال، ويُدخل عليك الغرور والعجب، أو يذمك حتى تيأس وتقنط من إصلاح نفسك. أما المؤمن الكامل فهو المرشد الصادق الذي صقلت مرآته بصحبة مرشد كامل، ورث عن مرشد قبله وهكذا حتى يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المرآة التي جعلها الله تعالى المثل الأعلى للإنسانية الفاضلة ؛ قال تعالى:

{لقد كان لكم في رسول الله أُسوةٌ حسنةٌ لِمَنْ كان يرجو الله واليومَ الآخرَ وذكرَ اللهَ كثيراً} [الأحزاب: 21].

فالطريق العملي الموصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية هو صحبة الوارث المحمدي والمرشد الصادق الذي تزداد بصحبته إيماناً وتقوىً وأخلاقاً، وتشفى بملازمته وحضور مجالسه من أمراضك القلبية وعيوبك النفسية، وتتأثر شخصيتك بشخصيته التي هي صورة عن الشخصية المثالية، شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن هنا يتبين خطأ من يظن أنه يستطيع بنفسه أن يعالج أمراضه القلبية، وأن يتخلص من علله النفسية بمجرد قراءة القرآن الكريم، والاطلاع على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وذلك لأن الكتاب والسنة قد جمعا أنواع الأدوية لمختلف العلل النفسية والقلبية، فلا بد معهما من طبيب يصف لكل داء دواؤه ولكل علة علاجها [تسرع بعض القراء ففهم هذه العبارة على غير مرادها، وظن أننا نقصنا من أهمية القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وزهَّدنا في تلاوتهما، والحقيقة أن رجال التصوف هم أكثر الناس تعظيماً لهما وتمسكاً بهما. ففي عبارة: (بمجرد قراءة القرآن الكريم...) بيان إلى أنه لا يكفي الاقتصار على قراءة القرآن الكريم والسنة الشريفة بل لا بد أيضاً من الفهم والعمل، ومن المعلوم أن الكتاب والسنة يدعوان للصحبة الصالحة كما سنوضحه في بحث (الدليل على أهمية الصحبة من الكتاب والسنة). وفي عبارة: (فلا بد معهما...) تصريح واضح بلزوم قراءة القرآن الكريم والسنة الشريفة، ثم يضاف إلى ذلك صحبة المرشدين الذين يزكون النفوس ويحضون الناس على قراءة وتطبيق الكتاب والسنة].

فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبب قلوب الصحابة ويزكي نفوسهم بحاله وقاله

فمن ذلك ما حدث مع الصحابي الجليل أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: (كنت في المسجد، فدخل رجل فصلى، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فلما قضيا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، فدخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه. فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحَسَّنَ النبي شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقاً، وكأني أنظر إلى الله عز وجل فَرَقاً) [أخرجه مسلم في صحيحه في باب بيان القرآن على سبعة أحرف].

ولهذا لم يستطع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطببوا نفوسهم بمجرد قراءة القرآن الكريم، ولكنهم لازموا مستشفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فكان هو المزكي لهم والمشرف على تربيتهم، كما وصفه الله تعالى بقوله:

{هو الذي بعثَ في الأمّيّين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويُزكّيهم ويُعلّمهم الكتابَ والحِكمةَ} [الجمعة: 2].

فالتزكية شيء، وتعليم القرآن شيء آخر، إذ المراد من قوله تعالى: {يزكيهم} يعطيهم حالة التزكية، ففرقٌ كبير بين علم التزكية وحالة التزكية كما هو الفرق بين علم الصحة وحالة الصحة، والجمع بينهما هو الكمال.

وكم نسمع عن أناس متحيرين يقرؤون القرآن الكريم، ويطلعون على العلوم الإسلامية الكثيرة، ويتحدثون عن الوساوس الشيطانية، وهم مع ذلك لا يستطيعون أن يتخلصوا منها في صلاتهم!.

فإذا ثبت في الطب الحديث أن الإنسان لا يستطيع أن يطبب نفسه بنفسه ولو قرأ كتب الطب، بل لا بد له من طبيب يكشف خفايا علله، ويطلع على ما عمي عليه من دقائق مرضه، فإن الأمراض القلبية، والعلل النفسية أشد احتياجاً للطبيب المزكي، لأنها أعظم خطراً، وأشد خفاء وأكثر دقة.

ولهذا كان من المفيد عملياً تزكية النفس والتخلص من عللها على يد مرشد كامل مأذون بالإرشاد، قد ورث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم والتقوى وأهلية التزكية والتوجيه.

وها نحن نورد لك يا أخي من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أقوال علماء الشريعة من المحدثين، والفقهاء، والهداة المرشدين العارفين بالله ما يثبت أهمية صحبة الدالين على الله الوارثين عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وما في ذلك من الآثار الحسنة، والنتائج الطيبة.
الدليل على أهمية الصحبة من كتاب الله تعالى والأحاديث الشريفة  :

1ـ قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ وكُونوا معَ الصادقين} [التوبة: 119]. والصادقون: هم الصفوة من المؤمنين الذين عناهم الله بقوله: {مِنَ المؤمنين رِجال صَدَقوا ما عاهدوا اللهَ عيهِ} [الأحزاب: 23].

2ـ قال تعالى: {واصبر نفسك مع الذينَ يدعون ربَّهم بالغداةِ والعشيِّ يُريدونَ وجهَهُ ولا تَعْدُ عيناك عنهُم تُريد زينةَ الحياةِ الدنيا ولا تُطِعْ مَنْ أغفلنا قلبَه عن ذكرنا واتَّبَعَ هواهُ وكان أمرُه فُرُطاً} [الكهف: 28].

الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قبيل تعليم أُمته وإِرشادها.

3ـ قال تعالى: {واتَّبِعْ سبيلَ مَنْ أنابَ إليَّ} [لقمان: 15]. أناب: رجع.

4ـ قال تعالى : {ويوم يعضُّ الظالمُ على يديهِ يقولُ يا ليتني اتَّخذتُ مع الرسولِ سبيلاً . يا ويلتى ليتني لم أتَّخِذْ فلاناً خليلاً . لقد أضلَّني عن الذكر بعدَ إذ جاءَني وكان الشيطان للإنسان خذولاً} [الفرقان: 27ـ29].

5ـ قال تعالى: {الأخلاءُ يومئذٍ بعضُهم لبعضٍ عدوٌّ إلا المتقين} [الزخرف: 67].

6ـ قال تعالى: {ثم استوى على العرشِ الرحمنُ فاسألْ به خبيراً} [الفرقان: 59].

7ـ قال تعالى حاكياً على لسان سيدنا موسى عليه السلام حين التقى بالخَضِر عليه السلام بعد عزم صادق، وعناء طويل، وسفر شاق: {هل أتَّبِعُك على أنْ تُعلِّمَنِ مما عُلِّمْتَ رُشداً . قال إنَّك لن تستطيع معيَ صبراً}[الكهف: 66ـ67].


3ـ الدليل على أهمية الصحبة من الأحاديث الشريفة:

1ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما مَثَلُ الجليسِ الصالح وجليسِ السوءِ كحاملِ المسكِ، ونافخ الكير، فحاملُ المسكِ إما أن يُحْذِيَكَ (يعطيك) وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخُ الكيرِ إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد فيه ريحاً منتنة) [رواه البخاري في صحيحه في كتاب الذبائح ومسلم في كتاب البر والصلة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه].

2ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله أيُّ جلسائنا خير ؟ قال: "مَنْ ذكَّركُم الله رؤيتُهُ، وزاد في علمكم مَنْطقُه، وذكَّركم في الآخرة عملُه" [رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح كما في "مجمع الزوائد" ج10/ص226].

3ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" [رواه أبو داود والترمذي في كتاب الزهد وقال حديث حسن غريب].

4ـ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله، قالوا: يا رسول الله فخبِّرنا من هم ؟ قال: هم قوم تحابُّوا برُوح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، ولا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، وقرأ هذه الآية: {ألا إنَّ أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} [يونس: 62]" [رواه أبو داود].

5ـ عن أبي ذر رضي الله عنه قلت: يا رسول الله ؛ الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل عملهم ؟ قال: "أنت يا أبا ذر مع من أحببت" [رواه أبو داود].

6ـ عن حنظلة رضي الله عنه قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه، فقال: كيف أنت يا حنظلة ؟ قلتُ: نافق حنظلة. قال: سبحان الله، ما تقول ؟! قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يُذكِّرنا بالجنة والنار كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً. قال أبو بكر رضي الله عنه: "فو الله إنا لنلقى مثل هذا". فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك ؟" قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكِّرنا بالنار والجنة كأنَّا رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافَسْنَا الأزواج والضيعات، نسينا كثيراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فُرُشِكم وفي طُرُقِكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ـ ثلاث مرات ـ" [رواه مسلم في صحيحه في كتاب التوبة. ومعنى عافسنا: عالجنا ولاعبنا ؛ والضيعات: جمع ضيعة وهو معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة].

إن هذه الأحاديث السالفة الذكر وكثيراً غيرها تبين بمجموعها أهمية الصحبة، وأثرها في النفوس، وأنها السبيل العملي للإصلاح والتربية. ولا سيما حديث حنظلة الذي يُظهر بوضوح كيف كانت مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشع في القلوب أنوار اليقين، وتُزكي في النفوس جذوة الإيمان، وترتفع بالأرواح إلى مستوى ملائكي أقدس، وتطهِّر القلوب من أدران المادة، وتسمو بالإيمان إلى مستوى المراقبة والشهود.

وهكذا مجالسة وُرَّاث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتُهم، تُزَكِّي النفوس، وتزيد الإيمان، وتوقظ القلوب وتذكر بالله تعالى. والبعدُ عنهم يورث الغفلة، وانشغال القلب بالدنيا، وميله إلى متع الحياة الزائلة.
أقوال الفقهاء والمحدثين في أهمية الصحبة وآدابها:

ابن حجر الهيثمي:

يقول الشيخ الفقيه المحدث أحمد شهابُ الدين بن حجر الهيثمي المكي في كتابه "الفتاوى الحديثية": (والحاصل أن الأوْلى بالسالك قبل الوصول إلى هذه المعارف أن يكون مديماً لما يأمره به أستاذه الجامع لطرفي الشريعة والحقيقة، فإنه هو الطبيب الأعظم، فبمقتضى معارفه الذوقية وحكمه الربانية، يُعطي كل بدن ونَفْسٍ ما يراه هو اللائق بشفائها والمصلح لغذائها) ["الفتاوى الحديثية" ص55 للمحدث أحمد بن حجر الهيثمي المكي توفي سنة 974هـ].

الإمام فخر الدين الرازي:

قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره المشهور عند تفسيره سورة الفاتحة: (الباب الثالث في الأسرار العقلية المستنبطة من هذه السورة (الفاتحة) فيه مسائل... اللطيفة الثالثة: قال بعضهم: إنه لما قال: {اهدنا الصراط المستقيمَ} لم يقتصر عليه بل قال: {صراطَ الذينَ أنعمتَ عليهم} [الفاتحة:7 ] وهذا يدل على أن المريد لا سبيل له إلى الوصول إلى مقامات الهداية والمكاشفة إلا إذا اقتدى بشيخ يهديه إلى سواء السبيل، ويجنبه عن مواقع الأغاليط والأضاليل، وذلك لأن النقص غالب على أكثر الخلق، وعقولهم غير وافية بإدراك الحق وتمييز الصواب عن الغلط، فلا بد من كامل يقتدي به الناقص حتى يتقوى عقل ذلك الناقص بنور عقل الكامل، فحينئذ يصل إلى مدارج السعادات ومعارج الكمالات) ["تفسير مفاتيح الغيب" المشتهر بالتفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي ج1/ص142].

الشيخ إبراهيم الباجوري:

قال شيخ الإسلام إبراهيم الباجوري الشافعي عند شرحه كلام الشيخ إبراهيم اللقاني صاحب "جوهرة التوحيد":

وكنْ كما كان خيارُ الخلقِ حليفَ حِلم تابعاً للحق

(أي كن متصفاً بأخلاقٍ مثل الأخلاق التي كان عليها خيار الخلق... إلى أن قال: وإذا كانت المجاهدة على يد شيخ من العارفين كانت أنفع، لقولهم: حال رجل في ألف رجل أنفع من وعظ ألف رجل في رجل. فينبغي للشخص أن يلزم شيخاً عارفاً على الكتاب والسنة، بأن يزنه قبل الأخذ عنه فإن وجده على الكتاب والسنة لازمه، وتأدب معه، فعساه يكتسب من حاله ما يكون به صفاء باطنه، والله يتولى هداه) ["شرح الجوهرة" للباجوري ص133. والشيخ إبراهيم الباجوري شيخ الأزهر في عصره وهو من العلماء الأعلام ومن المحققين في المذهب الشافعي توفي عام 1277هـ].

ابن أبي جمرة:

شرح الإمام الحافظ المحدِّثُ الورع أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد فقال: "أحَيٍّ والداك ؟" قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد) وبعد أن شرحه بيَّن عشرة وجوه له، قال في الوجه العاشر:

(فيه دليل على أن الدخول في السلوك والمجاهدات، السُّنَّةُ فيه أن يكون على يد عارف به، فيرشد إلى ما هو الأصلح فيه، والأسدُّ بالنسبة إلى حال السالك لأن هذا الصحابي رضي الله عنه لما أن أراد الخروج إلى الجهاد لم يستبد برأي نفسه في ذلك حتى استشار من هو أعلم منه وأعرف، هذا ما هو في الجهاد الأصغر فكيف به في الجهاد الأكبر ؟!) ["بهجة النفوس" شرح مختصر صحيح البخاري لابن أبي جمرة المتوفى سنة 699هـ. ج3/ص146].

ابن قيم الجوزية:

قال الحافظ أبو عبد الله محمد الشهير بابن القيم: (فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل، فلينظر هل هو من أهل الذكر أو من الغافلين، وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي ؟. فإذا كان الحاكم عليه هو الهوى، وهو من أهل الغفلة كان أمره فُرطا... إلى أن قال: فينبغي للرجل أن ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه، فإن وجده كذلك فليبعد منه، وإن وجده ممن غلب عليه ذكر الله تعالى، واتباع السنة، وأمرُه غير مفروط عليه، بل هو حازم في أمره، فليستمسك بغَرْزه) ["الوابل الصيب من الكلم الطيب" ص53 لابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751هـ].

عبد الواحد بن عاشر:

قال الفقيه المالكي عبد الواحد بن عاشر في منظومة العقائد وعبادات فقه مالك المسماة "المرشد المَعين" مبيناً ضرورة صحبة الشيخ المرشد وما تنتج من آثار طيبة:

يصحبُ شيخاً عارفَ المسالكْ يَقيهِ في طريقِهِ المَهَالِكْ

يُذَكِّرُهُ الله إذا رآهُ ويوصلُ العبدَ إلى مولاهُ

يُحاسبُ النفسَ على الأنفاسِ ويَزِنُ الخاطرَ بالقِسْطَاسِ

ويحفظُ المفروضَ رأسَ المالِ والنَّفلَ ربْحَهُ بهِ يوالي

ويُكثرُ الذكرَ بصفوِ لُبِّهِ والعونُ في جميعِ ذا بِرَبِّه

يجاهدُ النفْسَ لربِّ العالمينْ ويَتَحلَّى بمقاماتِ اليقينْ

يَصيرُ عند ذاكَ عارفاً بهِ حُرَّاً، وغيرُهُ خَلاَ مِنْ قلبِه

فحَبَّه الإلهُ واصطفاهُ لحضرةِ القدُّوسِ واجْتَباهُ

قال شارح هذه المنظومة الشيخ محمد بن يوسف المعروف بالكافي في كتابه "النور المبين على المرشد المعين": (إن من نتائج صحبة الشيخ السالك، ما يحصل لمريده من أنه يذكِّرهُ الله ؛ أي يكون سبباً قوياً في ذكر المريد ربه إذا رأى الشيخ لِمَا عليه من المهابة التي ألبسه الله إياها، ويشهد لذلك ما أخرجه الحاكم عن أنس رضي الله عنه (أفضلكم الذين إذا رُؤوا ذُكِرَ الله تعالى لرؤيتهم).

ومن ثمرة صحبة هذا الشيخ السالك أيضاً أنه يوصل العبد إلى مولاه بسبب ما يريه من عيوب نفسه، ونصحه بالهروب من غير الله إلى الله تعالى، فلا يرى لنفسه ولا لمخلوقٍ نفعاً ولا ضراً، ولا يركن لمخلوقٍ في دفعٍ أو جلب، بل يرى جميع الانقلابات والتصرفات في الحركات والسكنات لله تعالى، وهذا معنى الوصول إلى الله تعالى.

ففائدة الشيخ مع المريد هي إظهار العيوب القاطعة عن الله تعالى للمريد، فيشخصها له، ويريه دواءها، ولا يتم هذا إلا مع مريد صادق ألقى مقاليد نفسه لشيخه، وألزم نفسه ألاَّ يكتم خاطراً ما عن شيخه، وأما إذا كتمه ولو واحداً فلا ينتفع بشيخه البتة) ["النور المبين على المرشد المعين" ص178].

الطيبي صاحب "حاشية الكشاف":

قال الطيبي: (لا ينبغي للعالم ـ ولو تَبَحَّر في العلم حتى صار واحدَ أهل زمانه ـ أن يقتنع بما عَلمه، وإنما الواجب عليه الاجتماع بأهل الطريق ليدلوه على الطريق المستقيم، حتى يكون ممن يحدثهم الحق في سرائرهم من شدة صفاء باطنهم، ويُخَلَّصَ من الأدناس، وأن يجتنب ما شاب علمه من كدورات الهوى وحظوظ نفسه الأمارة بالسوء، حتى يستعد لفيضان العلوم اللدنية على قلبه، والاقتباس من مشكاة أنوار النبوة ؛ ولا يتيسر ذلك عادة إلا على يد شيخ كامل عالم بعلاج أمراض النفوس، وتطهيرها من النجاسات المعنوية، وحكمة معاملاتها علماً وذوقاً، لِيُخرجه من رعونات نفسه الأمَّارة بالسوء ودسائسها الخفية. فقد أجمع أهل الطريق على وجوب اتخاذ الإنسان شيخاً له، يرشده إلى زوال تلك الصفات التي تمنعه من دخول حضرة الله بقلبه، ليصح حضوره وخشوعه في سائر العبادات، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا شك أن علاج أمراض الباطن واجب، فيجب على كل من غلبت عليه الأمراض أن يطلب شيخاً يُخرِجه من كل ورطة، وإن لم يجد في بلده أو إقليمه وجب عليه السفر إليه) ["تنوير القلوب" للعلامة الشيخ أمين الكردي الشافعي ص44 ـ 45].
أقوال العارفين بالله من رجال التصوف في فائدة الصحبة وآدابها:

إن السادة الصوفية هم أحرص الناس على حياة تعبدية خالصة، تقوم أُسُسها على السمع والطاعة، والإذعان لنصيحة ناصح، أو توجيه مرشد، فنشأت بينهم تلك المدارس الروحية التي قامت على أعظم أساليب التربية والتقويم، وأقوى صلات الروح بين الشيخ والمريد.

ولذا يوصي العارفون بالله تعالى كل من أراد سلوك طريق الحق الموصل إلى معرفة الله ورضاه بالصُحبةِ، وروحُها الاعتقاد والتصديق بهؤلاء المرشدين الدالين على الله تعالى، الموصلين إلى حضرته القدوسية.

أبو حامد الغزالي:

قال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: (الدخول مع الصوفية فرض عين، إذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام) ["شرح الحكم" لابن عجيبة ج1/ص7].

وقال رحمه الله: (كنت في مبدأ أمري منكراً لأحوال الصالحين، ومقامات العارفين، حتى صحبت شيخي (يوسف النساج) فلم يزل يصقلني بالمجاهدة حتى حظيت بالواردات، فرأيت الله تعالى في المنام، فقال لي: يا أبا حامد، دع شواغلك، واصحب أقواماً جعلتُهم في أرضي محل نظري، وهم الذين باعوا الدارين بحبِّي، قلت: بعزتك إلا أذقتني بَرْدَ حُسْنِ الظن بهم، قال: قد فعلتُ، والقاطع بينك وبينهم تشاغُلُك بحب الدنيا، فاخْرُجْ منها مختاراً قبل أن تخرج منها صاغراً، فقد أفضتُ عليك أنواراً من جوار قدسي. فاستيقظتُ فرحاً مسروراً وجئت إلى شيخي (يوسف النساج) فقصصت عليه المنام، فتبسم وقال: يا أبا حامد هذه ألواحنا في البداية، بل إنْ صحبتني ستكحل بصيرتك بإِثمد التأييد... الخ) ["شخصيات صوفية" لطه عبد الباقي سرور ص154. توفي سنة 1382هـ بمصر].

وقال أيضاً: (مما يجب في حق سالكِ طريق الحق أن يكون له مرشدٌ ومربٌّ ليدله على الطريق، ويرفع عنه الأخلاق المذمومة، ويضع مكانها الأخلاق المحمودة، ومعنى التربية أن يكون المربي كالزارع الذي يربي الزرع، فكلما رأى حجراً أو نباتاً مضراً بالزرع قلعه وطرحه خارجاً، ويسقي الزرع مراراً إلى أن ينمو ويتربى، ليكون أحسن من غيره ؛ وإذا علمت أن الزرع محتاج للمربي، علمت أنه لا بد للسالك من مرشد البتة، لأن الله تعالى أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للخلق ليكونوا دليلاً لهم، ويرشدوهم إلى الطريق المستقيم ؛ وقبل انتقال المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى الدار الآخرة قد جعل الخلفاء الراشدين نواباً عنه ليدلوا الخلق إلى طريق الله ؛ وهكذا إلى يوم القيامة، فالسالك لا يستغني عن المرشد البتة) ["خلاصة التصانيف في التصوف" لحجة الإسلام الغزالي ص18. توفي سنة 505هـ في طوس].

ومن قوله: (يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة. فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرةِ التي تنبت بنفسها فإنها تجف على القرب، وإن بقيت مدة وأورقت لم تثمر، فمعتَصَمُ المريد شيخُهُ، فليتمسك به) ["الإحياء" ج3/ص65].

ويقول الغزالي: (إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيراً بصَّره بعيوب نفسه، فمن كانت بصيرته نافذة لم تخْفَ عليه عيوبه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج. ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه، فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق:

الأول: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، مطلعٍ على خفايا الآفات، ويحكّمه في نفسه، ويتبع إشاراته في مجاهداته، وهذا شأن المريد مع شيخه، والتلميذ مع أستاذه، فيعرّفه أستاذه وشيخه عيوب نفسه، ويعرّفه طريق علاجها... الخ) ["الإحياء" ج3/ص55].

الأمير عبد القادر الجزائري:

قال الأمير العارف بالله عبد القادر الجزائري في كتابه "المواقف":

(الموقف المائة والواحد والخمسون: قال الله تعالى حاكياً قول موسى لخضرٍ عليهما السلام: {هلْ اتَّبِعُك على أنْ تعلِّمَنِ مما عُلِّمتَ رشداً} [الكهف:66 ]: اعلم أن المريد لا ينتفع بعلوم الشيخ وأحواله إلا إذا انقاد له الانقياد التام، ووقف عند أمره ونهيه، مع اعتقاده الأفضلية والأكملية، ولا يغني أحدهما عن الآخر، كحال بعض الناس يعتقد في الشيخ غاية الكمال ويظن أن ذلك يكفيه في نيل غرضه، وحصول مطلبه، وهو غير ممتثل ولا فاعل لما يأمره الشيخ به، أو ينهاه عنه. فهذا موسى عليه السلام، مع جلالة قدره وفخامة أمره، طلب لقاء الخضر عليه السلام وسأل السبيل إلى لُقيِّه، وتجشم مشاق ومتاعب في سفره، كما قال: {لقدْ لقينا مِن سفرِنا هذا نَصباً} [الكهف: 62] ومع هذا كله لَمَّا لم يمتثل نهياً واحداً، وهو قوله: {فلا تسألْنِي عن شيء حتى أُحدِثَ لَكَ منه ذِكراً} [الكهف: 70] ما انتفع بعلوم الخَضِر عليه السلام، مع يقين موسى عليه السلام الجازم أن الخضر أعلمُ منه بشهادة الله تعالى، لقوله تعالى عندما قال موسى عليه السلام: لا أعلم أحداً أعلم مني: [بلى، عبدنا خَضِرٌ] وما خصَّ عِلْماً دون علم، بل عمَّم.

وكان موسى عليه السلام أولاً ما علم أن استعداده لا يقبل شيئاً من علوم خضر عليه السلام. وأما خضر عليه السلام، فإنه علم ذلك أول وهلة فقال: {إنَّك لن تستطيعَ معيَ صبراً} [الكهف: 67]. وهذا من شواهد علمية الخضر عليه السلام فلينظر العاقل إلى أدب هذين السيدين.

قال موسى عليه السلام: {هل أتَّبِعُك على أن تُعلِّمَنِ ممّا عُلِّمتَ رشداً} [الكهف:66 ] أي: هل تأذن في اتباعك، لأتعلم منك ؟ ففي هذه الكلمات من حلاوة الأدب ما يذوقها كل سليم الذوق.

وقال خضر عليه السلام: {فإنِ اتََّبَعتَني فلا تسْألْني عن شيء حتى أُحدثَ لكَ منه ذِكراً} [الكهف: 70] وما قال: فلا تسألني، وسكت، فيبقى موسى عليه السلام حيران متعطشاً، بل وعده أنه يُحدث له ذكراً، أي: علماً بالحكمة فيما فعل، أو ذكراً: بمعنى: تذكراً.

فأكملية الشيخ في العلم المطلوب منه المقصود لأجله لا تغني عن المريد شيئاً، إذا لم يكن ممتثلاً لأوامر الشيخ، مجتنباً لنواهيه

وما ينفع الأصل من هاشمإذا كانت النفس من باهِلة وإنما تنفع أكملية الشيخ من حيث الدلالة الموصلة إلى المقصود، وإلا فالشيخ لا يعطي المريد إلا ما أعطاه له استعداده، واستعداده مُنْطَوٍ فيه وفي أعماله، كالطبيب الماهر إذا حضر المريض وأمره بأدوية فلم يستعملها المريض، فما عسى أن تغني عنه مهارة الطبيب ؟ وعدم امتثال المريض دليل على أن الله تعالى ما أراد شفاءه من علته، فإن الله إذا أراد أمراً هيأ له أسبابه.

وإنما وجب على المريد طلب الأكمل الأفضل من المشايخ خشية أن يلقي قيادَهُ بيد جاهل بالطريق الموصل إلى المقصود، فيكون ذلك عوناً على هلاكه) ["المواقف" ج1/ص305 والأمير عبد القادر الجزائري المجاهد الكبير الذي جاهد الإفرنسيين الطغاة، ووقف سداً منيعاً أمام الاستعمار الفرنسي سبعة عشر عاماً مجاهداً ومناضلاً أشهر من أن يعرف. وإنه لغريب على الأسماع قولنا بتصوف الأمير عبد القادر الجزائري، مع أنه من صفوتهم، وكتابه "المواقف" يشهد له بذلك، وله ديوان متوسط الحجم أطول قصيدة فيه الرائية وعنوانها (أستاذي الصوفي) اخترنا للقارىء بعض أبياتها:

أمسعودُ جاء السعد والخير واليسر وولّت جيوش النحس ليس لها ذكرُ

أسائل كل الخلق، هل من مُخبرٍ ؟ يحدثني عنكم، فينعشني الخَبْرُ

إلى أن دعتني همَّةُ الشيخ من مدى بعيد، ألا فادْنُ فعندي لك الذخر

فشمّرْتُ عن ذيلي الأطارَ وطار بي جناح اشتياق، ليس يُخشى له كسر

إلى أن أنخْنَا بالبطاح ركابَنا وحطت بها رحلي، وتمَّ لها البشر

أتاني مُرَبّي العارفين بنفسه ولا عجبٌ، فالشأن أضحى له أمر

وقال: فإني منذ أعداد حجة لمنتظر لقياك، يا أيها البدر

فأنت بُنيّي، مذ "ألسْتُ بربكم" وذا الوقت حَقَّاَ ضمه اللوح والسطر

وجَدُّكَ قد أعطاك من قِدَمٍ لنا ذخيرتكم فينا، ويا حبذا الذخر

فقبَّلتُ من أقدامه وبساطه وقال لك البشرى، بذا قُضِيَ الأمر

وألقى على صُفْري بإِكسير سرِّهِ فقيل له: هذا هو الذهب التبر [الصفر هو النحاس]

محمد الفاسي، له من محمد صَفِيِّ الإله، الحال والشيم الغر

عليه صلاة الله ما قال قائل أمسعودُ جاء السعدُ والخير واليسر

ولد الأمير سنة 1222هـ الموافق 1807م بقرية قيطنة في الجزائر. وتوفي في سنة 1300هـ الموافق 1883م ودفن بجوار الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي داخل القبة رحمة الله تعالى عليهما. ثم نقل رفاته إلى بلده الجزائر عام 1386هـ الموافق 1966م].

ابن عطاء الله السكندري:

يقول ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه: (وينبغي لمن عزم على الاسترشاد، وسلوك طريق الرشاد، أن يبحث عن شيخ من أهل التحقيق، سالك للطريق، تارك لهواه، راسخ القدم في خدمة مولاه فإذا وجده فليمتثل ما أمر، ولينْتهِ عما نهى عنه وزجر) [مفتاح الفلاح" ص30].

وقال أيضاً: (ليس شيخك مَنْ سمعت منه، وإنما شيخك من أخذت عنه، وليس شيخك من واجهتك عبارته، وإنما شيخك الذي سَرَتْ فيك إشارته، وليس شيخك من دعاك إلى الباب، وإنما شيخك الذي رَفَع بينك وبينه الحجاب، وليس شيخك من واجهك مقاله، إنما شيخك الذي نهض بك حاله.

شيخك هو الذي أخرجك من سجن الهوى، ودخل بك على المولى.

شيخك هو الذي ما زال يجلو مرآة قلبك، حتى تَجَلَّتْ فيها أنوار ربك، أنهضك إلى الله فنهضت إليه، وسار بك حتى وصلت إليه، وما زال محاذياً لك حتى ألقاك بين يديه، فزجَّ بك في نور الحضرة وقال: ها أنت وربك) ["لطائف المنن" ص167"].

وقال أيضاً: (لا تصحب من لا يُنهِضُكَ حاله، ولا يدلك على الله مقاله) ["إيقاظ الهمم" في شرح حكم ابن عطاء الله السكندري المتوفى سنة 709هـ لأحمد بن عجيبة الحسني ج1/ص74].

الشيخ عبد القادر الجيلاني:

ويقول صاحب العينية سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله سره:

وإن ساعد المقدور أو ساقك القضا إلى شيخ حق، في الحقيقة بارعُ

فقم في رضاه، واتَّبع لمراده ودع كل ما من قبل كنت تسارع

ولا تعترض فيما جهلت من امره عليه، فإن الاعتراض تنازع

ففي قصة الخضر الكريم كفاية بقتل غلام، والكليمُ يدافع

فلما أضاء الصبح عن ليل سره وسلَّ حساماً للغياهب قاطع

أقام له العذرَ الكليمُ وإنه كذلك علم القومِ فيه بدائع

["فتوح الغيب" للجيلاني، من قصيدة تسمى "النوادر العينية في البوادر الغيبية" في 534 بيتاً ص201، وتوفي رضي الله عنه سنة 561هـ في بغداد].

الشيخ عبد الوهاب الشعراني:

قال العالم الرباني الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه "العهود المحمدية":

(أُخِذَ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نواظب على الركعتين بعد كل وضوء، بشرط ألاَّ نحدِّث فيهما أنفسنا بشيء من أُمور الدنيا، أو بشيء لم يُشرع لنا في الصلاة. ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به، حتى يقطع عنه الخواطر المشغلة عن خطاب الله تعالى. ثم قال:

فاسلك يا أخي على يد شيخ ناصح، يشغلك بالله تعالى، حتى يقطع عنك حديث النفس في الصلاة كقولك: أروحُ لكذا، أفعلُ كذا، أقول كذا، أو نحو ذلك، وإلا فمِنْ لازِمِكَ حديث النفس في الصلاة، ولا يكاد يَسْلَمُ لك منه صلاة واحدة، لا فرض ولا نفل، فاعلم ذلك، وإياك أن تريد الوصول إلى ذلك بغير شيخ، كما عليه طائفة المجادلين بغير علم، فإن ذلك لا يصح لك أبداً) ["لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية" للعارف بالله عبد الوهاب الشعراني ج1/ص51 توفي رضي الله عنه سنة 973 هـ في مصر].

وقال الشيخ الشعراني أيضاً: (وكانت صور مجاهداتي لنفسي من غير شيخ أنني كنت أطالع كتب القوم كـ "رسالة القشيري"، و"عوارف المعارف" و"القوت" لأبي طالب المكي و"الإحياء" للغزالي، ونحو ذلك، وأعمل بما ينقدح لي من طريق الفهم، ثم بعد مدة يبدو لي خلاف ذلك فأترك الأمر الأول وأعمل بالثاني... وهكذا، فكنت كالذي يدخل درباً لا يدري هل ينفذ أم لا ؟ فإن رآه نافذاً خرج منه، وإلاَّ رجع، ولو أنه اجتمع بمن يُعرِّفه أمر الدرب قبل دخوله لكان بيَّن له أمره وأراحه من التعب، فهذا مثال من لا شيخ له. فإن فائدة الشيخ إنما هي اختصار الطريق للمريد، ومن سلك من غير شيخ تاه، وقطع عمره ولم يصل إلى مقصوده، لأن مثال الشيخ مثال دليل الحجاج إلى مكة في الليالي المظلمة)[ "لطائف المنن والأخلاق" للإمام الشعراني ج1/ص48 ـ 49].

وقال أيضاً: (ولو أن طريق القوم يوصَلُ إليها بالفهم من غير شيخ يسير بالطالب فيها لما احتاج مثل حجة الإسلام الإمام الغزالي والشيخ عز الدين بن عبد السلام أخْذَ أدبهما عن شيخ مع أنهما كانا يقولان قبل دخولهما طريق القوم: كل من قال: إن ثَمَّ طريقاً للعلم غير ما بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل. فلما دخلا طريق القوم كانا يقولان: قد ضيعنا عمرنا في البطالة والحجاب. وأثبتا طريق القوم ومدحاها) ["لطائف المنن والأخلاق" للإمام الشعراني ج1/ص25].

ثم قال: (وكفى شرفاً لأهل الطريق قول السيد موسى عليه السلام للخضر: {هل أَتَّبِعُكَ على أنْ تُعَلِّمَنِ مما عُلِّمتَ رُشداً} [الكهف: 66].

واعتراف الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه وأرضاه لأبي حمزة البغدادي بالفضل عليه، واعتراف الإمام أحمد بن سريج رحمه الله لأبي القاسم الجنيد، وطلب الإمام الغزالي له شيخاً يدله على الطريق مع كونه كان حجة الإسلام، وكذلك طلب الشيخ عز الدين بن عبد السلام له شيخاً مع أنه لُقِّبَ بسلطان العلماء... وكان رضي الله عنه يقول: ما عرفت الإسلام الكامل إلا بعد اجتماعي على الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأرضاه. فإذا كان هذان الشيخان قد احتاجا إلى الشيخ مع سعة علمهما بالشريعة فغيرهما من أمثالنا من باب أولى)[ "لطائف المنن والأخلاق" للإمام الشعراني ج1/ص50].

أبو علي الثقفي:

قال أبو علي الثقفي: (لو أن رجلاً جمع العلوم كلها وصحب طوائف الناس لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة من شيخ مؤدب ناصح. ومن لم يأخذ أدبه عن آمرٍ له وناهٍ، يريه عيوب أعماله، ورعونات نفسه، لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المعاملات) ["طبقات الصوفية" للسلمي ص365].

أبو مدين:

وقال أبو مدين رضي الله عنه:

(من لم يأخذ الآداب من المتأدبين، أفسد من يتبعه) ["النصرة النبوية" ص13].

الشيخ أحمد زروق:

قال الشيخ أحمد زروق رحمه الله في قواعده: (أخذ العلم والعمل عن المشايخ أتم من أخذه دونهم {بل هو آياتٌ بيِّناتٌ في صُدور الذينَ أوتوا العلمَ} [العنكبوت: 49]، {واتَّبِعْ سبيلَ مَنْ أنابَ إليَّ} [لقمان: 15]، فلزمت المشيخة، سيما والصحابة أخذوا عنه عليه الصلاة والسلام، وقد أخذ هو عن جبريل، واتبع إشارته في أن يكون عبداً نبياً، وأخذ التابعون عن الصحابة.

فكان لكلٌّ أتباعٌ يختصون به كابن سيرين وابن المسيّب والأعرج في أبي هريرة، وطاوس ووهب ومجاهد لابن عباس، إلى غير ذلك.

فأما العلم والعمل فأخْذُه جَلِيٍّ فيما ذكروا كما ذكروا.

وأما الإفادة بالهمة والحال، فقد أشار إليها أنس بقوله: (ما نفضْنَا الترابَ عن أيدينا من دفنه عليه الصلاة والسلام حتى أنكرنا قلوبنا) [رواه الإمام أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب ولفظه عن أنس رضي الله عنه قال: (لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء، وما نفضنا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا)].

فأبان أن رؤية شخصه الكريم كانت نافعة لهم في قلوبهم، إذ مَنْ تحقق بحالة لم يخلُ حاضروه منها، فلذلك أمر بصحبة الصالحين، ونهى عن صحبة الفاسقين) ["قواعد التصوف" لأحمد زروق القاعدة 65].

علي الخواص:

وقال سيدي علي الخواص رضي الله عنه:

لا تَسْلكَنَّ طريقاً لَسْتَ تعْرفُها بلا دليلٍ فَتَهوي في مَهَاويها

["المنن" للشعراني ج1/ص51].



لأن الدليل والمرشد يوصل السالك إلى ساحل الأمان ويجنبه مزالق الأقدام ومخاطر الطريق، وذلك لأن هذا الدليل المرشد قد سبق له سلوك الطريق على يد دليل عارف بخفايا السير، مطلع على مجاهله ومآمنه، فلم يزل مرافقاً له، حتى أوصله إلى الغاية المنشودة، ثم أذن له بإرشاد غيره، وإلى هذا أشار ابن البنّا في منظومته:

وإنما القومُ مُسافِرونا لحضرةِ الحقِّ وظاعنونا

فافتقرُوا فيه إلى دليلِ ذِي بصرٍ بالسَّيرِ والمقيلِ

قدْ سلكَ الطريق ثمَّ عادَ لِيُخْبِرَ القومَ بما استفادَ

[أحمد بن محمد التجيبي المعروف بابن البنا ـ "الفتوحات الإلهية" شرح المباحث الأصلية ج1/ص142].



الشيخ محمد الهاشمي:

قال شيخنا الكبير مربي العارفين والدال على الله سيدي محمد الهاشمي رحمه الله تعالى:

(فاسلك يا أخي على يد شيخ حيٌّ عارفٍ بالله، صادق ناصح، له علم صحيح، وذوق صريح، وهمة عالية، وحالة مَرْضيَّة، سلك الطريق على يد المرشدين، وأخذ أدبه عن المتأدبين، عارف بالمسالك، ليقيك في طريقك المهالك ويدلك على الجمع على الله، ويعلمك الفرار من سوى الله، ويسايرك في طريقك حتى تصل إلى الله، يوقفك على إساءة نفسك، ويعرِّفك بإحسان الله إليك، فإذا عرفته أحببته، وإذا أحببته جاهدت فيه، وإذا جاهدت فيه هداك لطريقه، واصطفاك لحضرته، قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لَنَهدِيَنَّهم سُبلَنا} [العنكبوت: 69]. فصحبة الشيخ والاقتداء به واجب، والأصل فيه قوله تعالى: {واتَّبِعْ سبيلَ مَنْ أنابَ إليَّ} [لقمان: 15] وقوله تعالى: {يا أيُّها الذين آمنوا اتَّقوا اللهَ وكونوا مع الصادقينَ} [التوبة: 119].

ومن شرطه أيضاً أن يكون له الإذن في تربية الخلق من مرشد كامل ذي بصيرة نافذة، ولا يقال أين مَنْ هذا وصفه ؟ لأنا نقول كما قال ابن عطاء الله السكَنْدَري في "لطائف المنن": (لا يُعْوِزُكَ وجود الدالين، وإنما يعوزك وجود الصدق في طلبهم). جِدَّ صدقاً تجدْ مرشداً.

لكِنَّ سرَّ الله في صِدْقِ الطَّلب كَمْ رِيءَ* في أصحابهِ مِنَ العَجَبْ

*[على وزن [قيل] مبني للمجهول].

وقال في "لطائف المنن" أيضاً: (إنما يكون الاقتداء بولي دلك الله عليه، وأطلعك على ما أودعه من الخصوصية لديه، فطوى عنك شهود بشريته في وجود خصوصيته، فألقيتَ إليه القياد، فسلك بك سبيل الرشاد... الخ).

وقال ابن عطاء الله في حِكَمِهِ: سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا مَنْ أراد أن يوصله إليه)["شرح شطرنج العارفين" للشيخ محمد الهاشمي التلمساني ص14. وفي آخر كتابنا هذا سنذكر شيئاً من ترجمة شيخنا الهاشمي رحمة الله عليه].

الأحد، 29 يوليو 2012

- أبو نعيم الأصبهاني حافظ الدنيا

أبو نعيم الأصبهاني حافظ الدنيا وشيخ المحدثين في زمانه وصاحب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، وكان أصحاب الحديث يقولون: "بقي الحافظ أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير، لا يوجد شرقًا، ولا غربًا، أعلى إسنادًا منه، ولا أحفظ منه".
اسمه ونسبه
هو أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن مهران بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني. وأول من أسلم من جدوده هو مهران، وكان مولًا لعبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.


نسبته وكنيته
نسبته التي اشتهر بها الأصبهاني، نسبة إلى مدينة أصبهان [1]، وكنيته التي اشتهر بها: أبو نعيم.

مولده ونشأته
ولد أبو نعيم الأصبهاني في شهر رجب سنة 336هـ / 948م، في بيت يحب العلم ويقدر أهميته، فمنذ نعومة أظفاره أخذ والده (ت 365هـ) بيده للتلقي عن عدد من شيوخ ذلك العصر، فقد كان والده محدثًا رحالًا نعته الذهبي بقوله: "الحافظ الإمام"، ثم قال عنه: "وكان صدوقًا، عالمًا، بكّر بولده وسمّعه من الكبار"، واستجاز له والده من جماعة من كبار المجيزين في عصره، وتفرد بالرواية عنهم، فأجاز له بالشام خيثمة بن سليمان، ومن بغداد جعفر الخلدي، ومن واسط عبد الله بن عمر بن شوذب.

هذا فضلا عن أن أصبهان التي ولد فيها كانت مركزًا علميًا عاش فيها جمعٌ من العلماء، ورحل إليها جمع آخر يقول ياقوت الحموي عن أصبهان: "وقد خرج من أصبهان من العلماء والأئمة في كل فن ما لم يخرج من مدينة من المدن وعلى الخصوص علو الإسناد فإن أعمار أهلها تطول ولهم في ذلك عناية وافرة بسماع الحديث وبها من الحفاظ خلق لا يحصون". وقد ذكر الذهبي أن مشايخ الدنيا أجازوا لأبي نعيم الأصبهاني سنة 342هـ، وعمره حينئذ ست سنين [2].

طلبه العلم
بدأ أبو نعيم الأصبهاني طلب العلم بالسماع على المشايخ، وكان أول سماع له وعمره ثمان سنوات أي سنة 344هـ وكان أول سماع له من مسند أصبهان المعمر أبي محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، وهذا يدل على أنه بدأ السماع في وقت مبكرٍ من عمره. ووافق هذا التبكير في التحصيل همة عالية، ونفس جادة في طلب العلم وجمعه، ويستفاد مما كتبه وصنفه، وبما وصفه به من عاصره ومن جاء بعده أن أبا نعيم كان ذا حافظة قوية ساهمت مع التبكير والجد إلى بلوغ رتبة الحافظ المتقن.

رحلات أبي نعيم في العلم
رحل أبو نعيم في طلب العلم وعمره عشرين عامًا في سنة 356هـ [3]، ولم تذكر كتب التراجم نصوصًا واضحة لرحلاته وتواريخها، ولكن يؤخذ من سيرته أنه قد سمع الحديث عن بعض شيوخه في بلدانهم، فرحل إلى مكة وبغداد والبصرة والكوفة ونيسابور. ويظهر من اتساع راويات أبي نعيم وكثرتها، وكثرة شيوخه، وتلامذته الذين أخذوا عنه ؛ أنه قد رحل إلى بلدان أخرى غير ما ذكر.

شيوخ أبي نعيم الأصبهاني
أبرز من لقيهم أبو نعيم الأصبهاني وأكثر من الرواية عنهم: سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي، أبو القاسم الطبراني، أبو الشيخ بن حيان الأصبهاني، محمد بن إبراهيم بن زاذان، أبو بكر بن المقرئ، أبو أحمد الغطريفي، محمد بن المظفر البزاز البغدادي، أبو الحسين الناقد البغدادي، أبو القاسم القزاز [4].

تلاميذ أبي نعيم
ذكر الذهبي أن السلفي جمع أخبار أبي نعيم الأصبهاني، وسمى ثمانين نفسًا حدثوه عن أبي نعيم، فهؤلاء الذين حدثوا رجلًا واحدًا وهو السلفي فكيف بغيره من طبقته. وقد كان أبو نعيم رحمه الله واسع الصدر لطلابه، باذلًا وقته لإفادتهم، قال أحمد بن محمد بن مردويه: "كان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده، فكان كل يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر فإذا قام إلى داره ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزء وكان لا يضجر لم يكن له غذاء سوى التصنيف والتسميع" [5].

ومن أبرز تلاميذه
الخطيب البغدادي، الحسن بن مهرة الأصبهاني، أبو علي الحداد وحمد أخوه، روى عنه كثيرًا الضياء المقدسي في المختارة، أبو سعد الماليني.

مكانة أبي نعيم
كان لطلب أبي نعيم العلم في حداثة سنه، وسماعه من عدد كبير من الشيوخ في الأمصار التي رحل إليها، وطول العمر الذي أوتيه أثرًا كبيرًا في جمعه للحديث حتى بلغ مرتبة عالية في العلم والمعرفة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأثمر ذلك كله مكانة علية، وثناءً حسنًا عند من جاء بعده من العلماء الذين عرفوا قدره وعلو منزلته، وسعة علمه،فجاءت منهم شهادات تزكية وثناء عاطر لما وصل إليه من علم بالسنة وعلومها، ولما قام به من تصنيف حسن، وجمع كثير لحديث النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن أقوال العلماء في ذلك

قال الخطيب البغدادي: "لم أر أحدًا أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين : أبو نعيم الأصبهاني، وأبو حازم العبدوي الأعرج".

قال أحمد بن محمد بن مردويه: "كان أبو نعيم في وقته مرحولًا إليه ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه".

وقال ابن خلكان: "كان من الأعلام المحدثين، وأكابر الحفاظ الثقات، وأخذ عن الأفاضل، وأخذوا عنه، وانتفعوا به".

وقال ابن نقطة: "رزق من علو الإسناد ما لم يجتمع عند غيره وصنف كتبًا حسنةً وحديثه بالمشرق والمغرب وكان ثقة في الحديث عالمًا فهمًا".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هو أكبر حفاظ الحديث، ومن أكثرهم تصنيفًا، وممن انتفع الناس بتصانيفه، وهو أجل من أن يقال له : ثقة، فإن درجته فوق ذلك".

قال الذهبي: "وكان حافظًا مبرزًا عالي الإسناد تفرد في الدنيا بشيء كثير من العوالي وهاجر إلى لقيه الحفاظ" [6].

وقال ابن كثير: "هو الحافظ الكبير ذو التصانيف المفيدة الكثيرة الشهيرة منها: حلية الأولياء في مجلدات كثيرة دلت على اتساع روايته وكثرة مشايخه وقوة اطلاعه على مخارج الحديث وشعب طرقه".

وقال ابن النجار: "هو تاج المحدثين، وأحد أعلام الدين".

و يمكن أن نخلص مما سبق ذكره إلى أهم ما تميز به أبو نعيم رحمه الله حتى كانت له تلك الشهرة والمنزلة:

1- البيئة العلمية التي عاش فيها في مدينته أصبهان، والتي كانت تزخر بالعلماء. 2- رحلاته العلمية التي مكنته من مشافهة جمع كبير من علماء عصره في كثير من بلدان العالم الإسلامي. 3- حرصه على طلب العلم وجده في تحصيله وجمعه. 4- طول عمره، فلقد عمر أربعًا وتسعين سنة. 5- علو أسانيده ؛ إذ تفرد بالرواية عن أقوام متقدمين، فأمكنه ذلك من إلحاق الصغار بالكبار. 6- كثرة مؤلفاته التي ربت على مائة كتاب. 7- كثرة شيوخه، وكثر الآخذين عنه [7].

وبقيت تلك المنزلة معروفة ومشهودة عند كل من جاء بعده ممن اهتم بالسنة وعلومها وذلك من خلال معرفتهم بالآثار العلمية الكثيرة التي تركها بعده رحمه الله.

مؤلفات أبي نعيم الأصبهاني وآثاره العلمية
ومن أشهر الكتب والمصنفات المطبوعة والمشهورة لأبي نعيم الأصبهاني:

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - معرفة الصحابة - تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة – صفة الجنة - ذكر أخبار أصبهان – دلائل النبوة - فضيلة العادلين من الولاة، ومن أنعم النظر في حال العمال والسعاة - المسند المستخرج على صحيح مسلم - مسند الإمام أبي حنيفة - صفة النفاق ونعت المنافقين من السنن المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم - كتاب الأربعين على مذهب المتحققين من الصوفية - جزء فيه طرق حديث (إن لله تسعة وتسعين اسمًا) - كتاب رياضة الأبدان - كتاب الضعفاء - مجلس من أمالي أبي نعيم - كتاب الشعراء.

وبهذه الجهود وهذا البذل للسنة وعلومها كان أصحاب الحديث يقولون: "بقي الحافظ أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير، لا يوجد شرقًا، ولا غربًا، أعلى إسنادًا منه، ولا أحفظ منه" [8].

عقيدة أبي نعيم الأصبهاني
الحكم في عقائد الناس أشد من الحكم في دمائهم، والسبيل إلى معرفة ما كان عليه السابقون إنما يؤخذ مما كتبوه لا مما قيل فيهم من غير تثبت ولا سبر لأقوالهم، وقد اضطربت الأقوال في بيان عقيدة أبي نعيم، فقد وصف بأنه أشعري، وأنه شيعي، وفيما يلي مناقشة لكل قول:

وصفه بأن أشعري
ذكره ابن عساكر في طبقات الأشاعرة في كتابه "تبيين كذب المفتري"، قال ابن الجوزي: "كان يميل إلى مذهب الأشعري في الاعتقاد ميلًا كثيرًا "، ونقل ذلك عنه ابن كثير في البداية والنهاية، وبنى على ما سبق الدكتور محمد لطفي الصباغ في كتابه "أبو نعيم وكتابه الحلية" ووصفه بالغلو في مذهب الأشاعرة.

ولابد من محاكمة لأبي نعيم فيما نسب إليه، فلا نجد شيئًا يشهد عليه، وإنما شهوده أقواله التي نقلها عنه الأثبات والتي تبين براءته مما نسب إليه، فقد نقل ابن تيمية عن أبي نعيم قوله في علو الباري تبارك وتعالى: "وأجمعوا -السلف- أن الله فوق سمواته عال على عرشه مستو عليه لا مستول عليه كما تقول الجهمية إنه بكل مكان". وجعل ابن القيم أبا نعيم أحد أئمة أهل الحديث الذي رفع الله منازلهم في العالمين وجعل لهم لسان صدق في الآخرين، وعده من الأئمة الذين يؤخذ بقولهم في الرد على المعطلة والمشبهة، فقال: "قول شيخ الصوفية والمحدثين أبي نعيم صاحب كتاب حلية الأولياء قال في عقيدته: "وأن الله سميع، بصير، خبير، يتكلم، ويرضى، ويسخط، ويعجب، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكًا، وينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء". وهذا ما لا تعتقده الأشاعرة أو تقول به [9]. وبعد فهذه النقول والنصوص لا تبقي لأحد أي شبهة للطعن في معتقد أبي نعيم رحمه الله وأنه إن شاء الله على منهج السلف في الاعتقاد.

وصفه بأنه شيعي
نُسبِ أبو نعيم إلى التشيع، فقد نقل صاحب كتاب "روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات" عن أحد الشيعة قوله: "وهو -أبو نعيم- من محدثي العامة ظاهرًا إلا أنه من خُلَّص الشيعة في باطن أمره، والتي يتقي ظاهرًا على ما وافق ما اقتضته الحال". وحجتهم أن أبا نعيم رحمه الله قد ذكر في ترجمة علي بن أبي طالب كثيرًا من الأحاديث والآثار في مناقبه والتي لا توجد في كثير من الكتب المصنفة، وأن كتابه يعد مرجعًا لعلماء الشيعة في جمع النصوص للرد على المخالفين لهم -يقصد أهل السنة.

ويمكن الرد بما يلي:
إن أبا نعيم قد ترجم في كتاب الحلية قبل علي بن أبي طالب لأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين. إن أبا نعيم قد صنف كتابًا عنوانه "تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة" وطبع بعنوان "تثبيت الإمامة والرد على الرافضة" صنفه لتثبيت الإمامة والخلافة الأولى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأنه الرجل الذي أجمعت عليه الأمة، ثم يعرض للشبهات التي يثيرها الروافض ويرد على الأحاديث التي يدعون زورًا وبهتانًا أنها تنص على خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وصنف أبو نعيم كتابًا سماه "فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم"، بدأه بذكر فضائل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؛ فلو كان من أهل التشيع لما فعل هذا. ونسبته إلى التشيع كذب ظاهر يكفي في رده ما عرف عن الشيعة من الكذب والتزوير [10]. وإن شاء الله أنه على معتقد أهل السنة والجماعة.

مذهب أبي نعيم الفقهي
لم أجد له مصنفًا ينصر فيه مذهبًا من المذاهب الأربعة أو غيرها، ولم يؤلف في الفقه كتابًا على أي منهج من مناهج التأليف المذهبية، أما كتاب مسند أبي حنيفة فهو في جمع مرويات أبي حنيفة رحمه الله وبيان من وافقه على مروياته تلك، والكتاب ليس في نصرة مذهب أبي حنيفة ولا بتخريج أحاديث مصنف في الفقه الحنفي.

ولكن أصحاب كتب تراجم الشافعية يذكرونه من بين أعيان المذهب الشافعي ومن أولئك، تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، وأبو بكر بن هداية الله الحسيني في طبقات الشافعية، والإسنوي في طبقات الشافعية، وابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية[11].

وفاة أبي نعيم
جمهور من ترجم لأبي نعيم يقولون: إنه مات يوم الاثنين 20 من شهر محرم سنة 443هـ، وجاءت أقوال أخرى أن وفاته كانت في 28 من شهر محرم، وقيل 21، والثامن والعشرين، و18منه. قال ياقوت الحموي: "ودفن بمردبان"، وقال الخوانساري الأصبهاني: "وقبره الآن معروف بمحلة درب الشيخ أبي مسعود، من محلات أصبهان" [12].

- الإمام الشافعي نسبه ومولده

هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف. يلتقي الشافعي مع الرسول صلى الله عليه وسلم في جَدِّه عبد مناف، فالإمام الشافعي (رحمه الله) قرشي أصيل. أمَّا أمُّه فإن أكثر من أرَّخ للشافعي أو ترجم له قد اتفقوا على أن أمَّه أزدية أو أسدية، فهي من قبيلة عربية أصيلة.
وقد وُلِد بغزَّة في شهر رجب سنةَ 150هـ/ أغسطس 767م، ولما مات أبوه انتقلت به أمُّه إلى مكة؛ وذلك لأنهم كانوا فقراء، ولئلا يضيع نَسَبُه، ثم تنقَّل (رحمه الله) بين البلاد في طلب العلم.


وكان الإمام الشافعي (رحمه الله) رجلاً طويلاً، حسن الخلق، محببًا إلى الناس، نظيف الثياب، فصيح اللسان، شديد المهابة، كثير الإحسان إلى الخلق، وكان يستعمل الخضاب بالحمرة عملاً بالسنة، وكان جميل الصوت في القراءة.

ملامح من شخصية الإمام الشافعي وأخلاقه
سعة علم الإمام الشافعي وفقهه:

لقد عُرف الإمام الشافعي بالنجابة والذكاء والعقل منذ أن كان صغيرًا، وشهد له بذلك الشيوخ من أهل مكة؛ قال الحميدي: "كان ابن عيينة، ومسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وعبد المجيد بن عبد العزيز، وشيوخ أهل مكة يصفون الشافعي ويعرفونه من صغره، مقدمًا عندهم بالذكاء والعقل والصيانة، لم يُعرف له صبوة". وقال الربيع بن سليمان - تلميذ الشافعي وخادمه وراوي كتبه -: "لو وُزِن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجحهم، ولو كان من بني إسرائيل لاحتاجوا إليه".

تقوى الإمام الشافعي وورعه وعبادته:

وكما كان الإمام الشافعي (رحمه الله) إمامًا في الاجتهاد والفقه، كان كذلك إمامًا في الإيمان والتقوى والورع والعبادة؛ فعن الربيع قال: "كان الشافعي قد جزّأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام". وكان رحمه الله لا يقرأ قرآنًا بالليل إلا في صلاة، يقول المزني: "ما رأيت الشافعي قرأ قرآنًا قَطُّ بالليل إلا وهو في الصلاة".

شيوخ الإمام الشافعي
شيوخ الإمام الشافعي بالمدينة: الإمام مالك بن أنس، وإبراهيم بن سعد الأنصاري، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وإبراهيم بن أبي يحيى، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك، وعبد الله بن نافع الصائغ.

وشيوخ الإمام الشافعي باليمن: مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف قاضي صنعاء، وعمرو بن أبي سلمة صاحب الإمام الأوزاعي، ويحيى بن حسان.

شيوخ الإمام الشافعي بالعراق: وكيع بن الجراح، وأبو أسامة حماد بن أسامة الكوفيان، وإسماعيل بن علية، وعبد الوهاب بن عبد المجيد البصريان.

تلامذة الإمام الشافعي
نبغ على الإمام الشافعي كثير من الناس، في مقدمتهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل، والحسن بن محمد الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني، وأبو محمد الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وأبو حفص حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبي، وأبو يوسف يونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وعبد الله بن الزبير الحميدي.

مؤلفات الإمام الشافعي
لم يُعرف لإمام قبل الإمام الشافعي من المؤلفات في الأصول والفروع والفقه وأدلته، بل في التفسير والأدب ما عرف للشافعي كثرةً وبراعةً وإحكامًا؛ يقول ابن زُولاق: "صنف الشافعي نحوًا من مائتي جزء".

ولقد كان في سرعة التاليف مع الدقة والنضج والإتقان أعجوبة منقطع النظير، حتى إنه ربما أنجز كتابًا في نصف نهار. يقول يونس بن عبد الأعلى: "كان الشافعي يضع الكتاب من غدوة إلى الظهر".

ومن مؤلفاته رحمه الله:

كتاب (الرسالة) وهو أول كتاب وضع في أصول الفقه ومعرفة الناسخ من المنسوخ، بل هو أول كتاب في أصول الحديث. وألَّف كتابًا اسمه (جماع العلم)، دافع فيه عن السنة دفاعًا مجيدًا، وأثبت ضرورية حجية السنة في الشريعة. وكتاب (الأم)، و(الإملاء الصغير)، و(الأمالي الكبرى)، و(مختصر المزني)، و(مختصر البويطي)، وغيرها.

منهج الإمام الشافعي
أخذ الإمام الشافعي بالمصالح المرسلة والاستصلاح، ولكن لم يسمها بهذا الاسم، وأدخلها ضمن القياس وشرحها شرحًا موسعًا. وكذلك كان الشافعي يأخذ بالعرف مثل مالك. وكان الشافعي يتمسك بالأحاديث الصحيحة، ويُعرِض عن الأخبار الواهية والموضوعة، واعتنى بذلك عناية فائقة؛ قال أبو زُرعة: "ما عند الشافعي حديث فيه غلط".

وقد وضع الشافعي في فن مصطلح الحديث مصطلحات كثيرة، لم يُسبَق إليها، مثل: الاتصال، والشاذ، والثقة، والفرق بين حدَّثنا وأخبرنا.

ما قيل عن الإمام الشافعي
قال المزني: "ما رأيت أحسن وجهًا من الشافعي، إذا قبض على لحيته لا يفضل عن قبضته". قال يونس بن عبد الأعلى: "لو جمعت أمة لوسعهم عقل الشافعي". وقال إسحاق بن راهويه: "لقيني أحمد بن حنبل بمكة، فقال: تعالَ حتى أريك رجلاً لم ترَ عيناك مثله. قال: فأقامني على الشافعي".

وقال أبو ثور الفقيه: "ما رأيت مثل الشافعي، ولا رأى مثل نفسه". وقال أبو داود: "ما أعلم للشافعي حديثًا خطأً".

من كلمات الإمام الشافعي
- طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
- من ضُحِكَ منه في مسألة لم ينسها أبدًا.
- من حضر مجلس العلم بلا محبرة وورق، كان كمن حضر الطاحون بغير قمح.
- من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل مقداره، ومن تعلم اللغة رقَّ طبعه، ومن تعلم الحساب جزل رأيه، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.

وفاة الإمام الشافعي
ألحَّ على الإمام الشافعي المرض وأذابه السقم ووقف الموت ببابه ينتظر انتهاء الأجل. وفي هذه الحال، دخل عليه تلميذه المزني فقال: كيف أصبحت؟ قال: "أصبحتُ من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولكأس المنيَّة شاربًا، وعلى الله جلَّ ذكره واردًا، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنِّئها، أو إلى النار فأعزِّيها"، ثم بكى.

وقد دُفِنَ الإمام الشافعي (رحمة الله تعالى عليه) بالقاهرة في أول شعبان، يوم الجمعة سنةَ 204هـ/ 820م. وكان له ولدان ذكران وبنت، وكان قد تزوج من امرأة واحدة.

- العقيدة المرشدة

- العقيدة المرشدة
العقيدة المرشد عقيدة أهل السنة والجماعة
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وءاله وصحبه وبعد.
فإن صاحب العقيدة المرشدة هو ابْنُ تُوْمَرتَ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَسَنِي، مَاتَ فِيءاخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. نسب العقيدةَ المرشدة إلى ابن تومرت: الذهبيُّ في سير أعلام النبلاءج 19/540-541، وعمر كحالة في معجم المؤلفين ج 10 /206، وابن كثير في تاريخه ج12/231 ، والبرزلي في نوازله ج 6/366، وغيرهم.

- قال الحافظ جلال الدين السيوطي الشافعي (توفي سنة 911 هـ) في كتابه (الوسائل إلى معرفة الأوائل) ما نصه [فلما ولي السلطـــــــان صلاح الدين بن أيوب أمر المؤذنين أن يعلنوا في وقت التسبيح بذكر العقيدة الأشعرية، فواظب المؤذنون على ذكرها كل ليلة إلى وقتنا هذا].

العقيدة المرشدة
[إعلم أرشدَنا الله وإيــّــــــاكَ أنه

1-يجبُ على كــــــــلّ مكلَّف أن يعلمَ أن الله عزَّ وجــــــلَّ واحـــدٌ فـي مُلكِـــه،
2-خلقَ العـــــالمَ بــأسرِهِ العلـويَّ والسفليَّ والعرشَ والكرسيَّ، والسَّمواتِ والأرضَ وما فيهما وما بينهمـا،
3-جميــــــعُ الخلائـقِ مقهورونَ بقدرَتِــــــهِ،
4-لا تتحركُ ذرةٌ إلا بـإذنِـــــهِ،
5-ليسَ معهُ مُدبّـــــرٌ فـي الخَلقِ ولا شريـــــــكٌ فـي المُلكِ،
6-حيٌّ قيومٌ لا تــــــــــأخذُهُ سِنةٌ ولا نـــومٌ، عـالـمُ الغيب والشهادةِ،
7-لا يَــخفى عليـهِ شيءٌ فـي الأرضِ ولا فـي السماءِ، يــــعلــمُ مـــــا فـي البـرّ، والبحرِ وما تسقطُ من ورقــــــــةٍ إلا يعلمُهَــا، ولا حبـــــةٍ فـي ظلمـاتِ الأرضِ ولا رَطبٍ ولا يـــابسٍ إلا فـي كتـــــابٍ مبين. أحــــــــــــاط بكــــلّ شىءٍ علمًا وأحصى كـــــــــــلَّ شىءٍ عددًا،
8-فعـالٌ لما يريدُ،
9-قادرٌ على ما يشاءُ،
10-لـه الملكُ ولــــــه الغِنَى،
11-ولــــــه العزُّ والبقاءُ،
12-ولـــهُ الحكمُ والقضاءُ،
13-ولـهُ الأسماءُ الحسنى،
14-لا دافعَ لمـا قضى،
15-ولا مـــــــانعَ لمــا أعطى،
16-يفعلُ فـي مِلكِهِ مـا يريدُ ،
17-ويحكمُ فـي خلقِـــــه بما يشاءُ.
18-لا يـرجو ثوابًـا ولا يـخـــــافُ عقابــًــا،
19-ليس علــيــــه حقٌّ (يلزمُهُ) ولا عليـه حكمٌ،
20-وكلُّ نِعمةٍ منـهُ فضلٌ وكـلُّ نِقمةٍ منه عدلٌ،
21-لا يُسئلُ عـما يفعلُ وهم يُسألــونَ.
22-موجـــودٌ قبـــل الخلقِ، ليس له قبلٌ ولا بعدٌ، ولا فــــــــوقٌ ولا تحــتٌ، ولا يَمينٌ ولا شمـالٌ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ، ولا كـلٌّ، ولا بعضٌ،
23-ولا يقالُ متى كـانَ ولا أينَ كـانَ ولا كيفَ، كان ولا مكان،
24-كوَّنَ الأكـــــوانَ ودبَّـرالزمـــــانَ، لا يتقيَّدُ بالزمــــــانِ ولا يتخصَّصُ بالمكــــان،
25-ولا يشغلُهُ شـــــأنٌ عن شــــــأن،
26-ولا يــلحقُهُ وهمٌ،
27-ولا يكتَنِفُهُ عقلٌ،
28-ولا يتخصَّصُ بـــــالذهنِ،
29-ولا يــتمثلُ فـي النفسِ،
30-ولا يتصورُ فـي الوهمِ،
31-ولا يتكيَّـــفُ فـي العقلِ ،
32-لا تـــَلحقُهُ الأوهـــامُ والأفكـــــــــــارُ،
33-"لَيْسَ كَمِثلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ]

الثلاثاء، 17 يوليو 2012

. موضوعات هامة

   . موضوعات هامة

الأربعاء، 6 يونيو 2012

- فَضِيلَةُ الشَّيخ مُحَمَّدُ عَلِى سَلامَة

- فَضِيلَةُ الشَّيخ مُحَمَّدُ عَلِى سَلامَة
العَارِفُ باللهِ تعالى فَضِيلَةُ الشَّيخ مُحَمَّدُ عَلِى سَلامَة
من أعلام الدعوة على الله
علم من أعلام الدعوة إلى الله ووارث لأحوال النبى صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله بالرحمة واللين وكان رضى الله عنه له حال يجمع التاقر من شدة رحمة رضى الله عنه
مولده ونشأته :
ولد الشيخ  رضى الله عنه فى أسرة مباركة بههيا – شرقية وذلك فى العشرين من نوفمبر سنة ألف وتسعمائة وثمانية وعشرون من الميلاد

تربى منذ نعومة أظافره على التقوى والورع وحفظ القرآن الكريم كله صغيراً وأتم تجويده وألم بالقراءات السبع

ثم التحق بمعهد الزقازيق الدينى وأتم دراسته الإعدادية والثانوية وكان لما يراه فى بيته من الأحوال الدينية والأخلاق الربانية أثر كبير فى نفسه ، فقد تعلق بالعلم والعلماء تعلقاً بالغاً ، اقبل عليه بنهم شديد حتى انه كان لا يرى إلا معه كتاب دينى يطالعه أو مع عالم يستوضحه ويناظره أو مشغولاً بعبادة ربه عز وجل

وقد كان الشيخ متأثراً أشد التأثر بابيه رحمه الله رحمة واسعة وكان دائماً يذكره ويذكر توجيهاته وكان الشيخ على سلامة من أعيان مدينة ههيا محافظة الشرقية وكان شديد الإقبال على العلم والعلماء وكان يتمسك بضيافتهم وإكرامهم ، اشتهمر بين قومه بأنه مؤئل العلماء وتصادف أن ذهب دعاة من اهل العزائم فى ذلك الوقت إلى ههيا وتحدثوا فى المسجد الكبير والذى كان بسكن بجواره فسمعهم الشيخ على سلامة وأعجب بهم ودعاهم إلى منزله ولازم هو وأولاده جميعاً منذ ذلك الوقت الطريقة العزمية

وكان الشيخ سلامة قد ضرب المثل الفريد للتصوف الحق الذى لا يتعصب لمذهب او شيخ وسط هذا الزمن المملوء بالعصيان والتقلبات نتيجة جهل أغلب الناس بأسس دينهم 0 ومن هنا ربى الشيخ على سلامة أولاده التربية الإيمانية السليمة وكان وقتها قد تعلقت روح الشيخ محمد على سلامه  برجل من صفوة الدعاة إلى الله وهو الشيخ عبدالسلام الغريب وهو من صفوة أتباع الإمام أبى العزائم رضى الله عنه

واقتبس منهم العلم النافع والحال الرافع وفى هذه المرحلة توفى والده رضى الله عنه ومع أنه ترك له ولأخوته خيراً كثيراً إلا أنه رضى الله عنه لشده عفته أقر أن يبنى نفسه بنفسه وأن يتولى  الإنفاق

على نفسه من كده وتعيه فعندما حصل على الثانوية الأزهرية التحق بكلية أصول الدين جامعة الأزهر وتصادف فى ذلك الوقت أن أعلنت وزارة الأوقاف على مسابقة لتعيين  أئمة بها بالثانوية الأزهرية فتقدم ليمارس فنه ورغبته فى الدعوة إلى الله ويكفل نفسه فى دراسته

مركز تحميل الصور



جمعية الدعوة إلى الله

وإزاء تمزق المسلمون وتفرقوا وتكاسلهم عن الدعوة على الله عز وجل قام رضى الله عنه بمعاونة قلة من الرجل الصادقين بتأسيس جمعية الدعوة على الله للقيام بهذا الغرض النبيل وذلك سنة 1985 م بالقاهرة ووضع لها منهاجاً شاملاً

ظاهر ة الخلاف

استطاع الشيخ رضى الله عنه أن يكشف الأسباب الحقيقة وراء الخلافات التى طفت على سطح الحياة الإسلامية وذكر رضى الله عن أسباب الخلاف فى كتبه وطرق الحل وشروط الاجتهاد وآدابه وكذلك تعرض لكير من نقاط الخلاف ووضع لها الحلول المناسبة حول العشر والبدعة وتغيير المنكر

بناء الأسرة

وكان يرى رضى الله عنه أن بنيان المجتمع لا يكون قوياً متماسكاً إلا إذا كانت الأسرة صحية وصالحة وقد برزت عناية بالأسرة المسلمة فى كل كتبه

منهجه فى التربية الزوجية

وهذا الباب زيده هذه البواب كلها لأنه الباب الذى ظهرت فيه طاقاته الروحانية وإشراقاته النورانية وعلومه الوهبية وكان يرى أهمية المرشد الكامل فى حياته السالكين ووضح صفات المرشد ونورانية وشفافيته والدب مع المرشد وآداب السالكين وآداب الحوار وواجب الأخ نحو أخيه وآداب زيارة الأخوان والوصول إلى الله ويكون باليقظة وجهاد النفس والتجمل بمكارم الخلاق والاستقامة

وتحدث رضى الله عنه عن مقامات الغرب وان مقامات الغرب من الله ورسوله لا نهاية لها وعن جهاد المقربين



وصيته

وأوصى وصيته الجامعة النافعة وهذا من حرصه على أخوانه وتلاميذه وأحبابه ومريديه

الباقيات الصالحات

فقد ترك رضى الله عنه أكثر من ألف رجل فى طريق اله رباهم على القيم والمبادىء الفاضلة من الإخلاص والثدق والوفاء  والإيثار فمنهم من يدعو إلى الله بماله ومنهم من يوجه الحلق بقاله ومنهم من يجاهد بماله ومنهم من باع نفسه لموالاه الله ومنهم من جعل وقته لغيره ومنهم 000

هذا ولا يزال هؤلاء الرجاء على بهجة رضى الله عنه تجمعهم الجمعية العامة للدعوة على اللله

تراثه العلمى

ترك رضى الله عنه ستة وعشرون كتاباً تشمل كل نواحى الحياة الإيمانية وهى

1- الفتاوى والحكام ( مصابيح على طريق الإيمان ثلاثة أجزاء من منابع الدين الحنيف – حكمة الحج وأحكامه – الصوم عبادة ومجاهدة 0

2- العقيدة الإسلامية ( التوحيد فى القرآن والسنة – علامات وقوع الساعة – حوار حول فواجع الزمن – مواقف بعض الأنبياء والرسل فى القرآن – أيام الله – شعب الإيمان – الإسراء – معجزة خالدة )

3- الأسرة المسلمة ( توجيهات فى بناء الأسرة – حقوق الإنسان فى الإسلام – قبس من معانى سورة النور – خواطر إيمانية – حول تنظيم الأسرة والمشكلة السكانية

4- الدعوة الإسلامية ( كيف يدعو الإسلام الناس إلى الله – الإنسان الوسط

5- التصوف الإسلامى ( الإمام أبو العزايم كما قدم نفسه للمسلمين – أنواع التحقيق فى وصول أهل الطريق عبادة المؤمن اليومية – شرح الفتوحات الربانية فى الصلوات على خير البرية للإمام أبو العزايم – ندوة عن التصوف – بريد على القلوب جزءان )

6- الحديث : ( من هدى النبوة جزءان )






منهجه فى الدعوة إلى الله

بعد نجاحه فى اختيار الإمامة عينته وزارة الأوقاف إماماً بمحافظة أسوان سنة1954 وتم توزيعه إلى مسجد عزبة العسكر أقصى جنوب أسوان وذهب إلى المسجد وتحمل المشقة وكان ينام فى صحن المسجد ،وكان المسجد ليس له باب وكان كل همه إصلاح أحوال أهل تلك البلدة وكانوا متعلقين بشرب الخمروبعض العادات السيئه

وأخذ يدعوهم إلى تركها وبين آثارها الضاره بحكمته ورحمته ولين جانبه حتى انقادوا له واستجابوا لله والرسول وبدا المسجد يعج بهم كل ذلك وهو لا يتألم ولا يشكوا من المعاناة الشديدة

فكان عندما ينام يفاجأ بقطاع الضياع الجائعة وهى كثيرة فى هذه المنطقة تدخل عليه وتشمه ثم تذهب وهو راقد على جنبه منشغل بذكر الله ويتسامع الناس بما فعله فى أهل هذه المنطقة فجاءوا إليه من كل مكان وحتى كان المحافظ يحضر لصلاة الجمعة

لقائه مع الشيخ الأمير محمد الحفنى:

وإذا بالشيخ الأمير محمد الحفنى مراقب عام الوعظ بالوجه القبلى وكان محباً للصالحين فذهب لزيارة وعندما دخل المسجد ووجد الشيخ نائماً وحوله حلقة من العقارب فلما رأته ولت هاربة وكان الشيخ الأمير يحب المزاح فقال له أنت عامل حلقة ذكر مع العقارب

فلما رأى حالته لم يعجبه الوضع وحاول أن يجد له سكن من وزارة الرى ولم يتوصل لذلك فما كان له إلا أن قال له أريد أن أنقللك الى بلدى طفنيس

الشيخ فى طفنيس

سافر الشيخ إلى إسنا ومنها إلى طفنيس وكان السفر شاقاً فى ذلك الوقت وركب الحافلة المتجهة إلى طفنيس وركب بجواره رجل  وتجاذب أطراف الحديث وكان من عادته سرعة تألفه مع الناس وسأله الشيخ عن طفنيس وأهلها فإذا به يفاجأ بأنه عمدة طفنيس فى ذلك الوقت ( العمدة أبو دياب ) رحمه الله فقال له أنت ضيفى طوال إقامتك فى طفنيس وكان منزله بجوار المسجد ، فأخذه معه وانزله الديوان المجاور للمنزل وقد ضرب الشيخ المثل للدعاة المصلحين فى هذه الفترة التى قضاها فى هذا البلد وهى حوالى عشر سنوات شع نوره على من حوله من قرى ونجوع وقد دعاهم إلى الله بحالة قبل مقاله وبسلوكه ومقاله حتى تعلقوا به واحبوه حباً أكثر من أنفسهم وأولادهم وكان منهجه بينهم و ائتلف به الصغير والكبير بتواضعه 0

أقبل على الله اقبالاً كلياً وتعرف على ذوى الحاجات ويمد لهم يد المساعدة حل مشاكلهم وبخاصة الأخذ بالثأر وكان منتشر بينهم وقضى على المشكلات القبلية وكان يكثر من مجالسة الفقراء وعمل النهضة الدينية فى البلدة وأقام على توسعات بالمسجد العتيق وحثهم على جمع الزكاة وقاموا بتوزيعها ومن هنا فقد وضح رضى الله عنه فى هذه الفترة الكيفية السليمة للدعوة إلى الله وهو أن يكون الداعى اسبق الناس إلى العمل وأن يكون صدره رحب يسع الكل بالرحمة والشفقة والعطف وصاحب إحساس رقيق وشعور مرهف

الحج إلى بيت الله الحرام

ومن شدة حرصه على أداء فرائض الله وشوقه الشديد لزيارة بيت الله الحرام حرص على أن يؤدى فريضة الحج فعزم عدد كبير من أهل طفنيس على أداء الفريضة بصحبته لتأثرهم الشديد به وكان ذلك فى عام 1958 وكان الحج فى هذا العام شديد الحرارة فمرض كثير من الحجاج ولقى الكثير منهم حتفهم ويحكى الشيخ رضى الله عنه شيئاً من هذه الوقائع فيقول 
( رأيت أبواب الجنة مفتوحة للحجيج ويدخل منهم فيها الجم الغفير منهم من أعرفهم ومنهم من لا اعرفهم

ففهمت أن من يموتون فى هذا الحج مآلهم الى الجنة بغير حساب وكنت أرى نفر معى وحولى وأنا رأيتهم داخلين إلى الجنة فأعلم أنهم سيموتون ولم أكن استطيع إخبارهم ولشدة تأثره بهذه الأحوال مرض مرضاً شديداً غاب فيه عن وعيه لمدة خمس عشر يوماً حتى ظن بعض رفاقه أنه مات وأرسلوا إلى طفنيس بذلك فأقام أهل البلدة عزاء له وفى هذه الفترة تزوج الشيخ رضى الله عنه واصطحبها معه إلى مقر عمله ورزقه الله ابنه وولد وكانت نعم الزوجة المعينة فى أداء رسالته وقد كان يكلفها بوعظ النساء وإخراجهن من العادات البالية وشرح آداب الزوج وتربية البناء ، وكان رضى الله عنه صادقاً ومخلصاً فى دعوته فكانت القلوب تستجيب له وتأثر بهديه وكان تأييد الله عز وجل باستمرار حليفاً له فلا يضع راحته على موضع الم إلا وشفى بإذن الله وكان مثار إعجاب العلماء والصالحين من أقطاب صعيد مصر مثل الشيخ احمد رضوان والشيخ الشرقاوى رضى الله عنهم ولهم معه حكايات عجيبة لا يتسع المقام لذكرها

وكان أخر من ما يحرص جمع شمل المسلمين ونبذ الخلاف والعصيان من نفوسهم سواء فى المذاهب الفقهية أو الآراء الدينية أو فى سلوك الطرق الصوفية

ولم تمنع الدعوة ومشاغلها عن دراسته فى كلية أصول الدين فحصل على الاجازة العالية فى الدعوة والإرشاد سنة 1965 م ورقى بعدها إلى وظيفته مفتش فنقل إلى الأقصر لقربها من طفنيس ولم تنقطع صلته بأهلها وأحبابه ومريديه غير أنه رقى بعد ذلك إلى وظيفة مفتش أول سنة 1967 ولما رأى تمسك أهل بلده بعودته إلى بلدته ههيا قدر رجاءهم فنقل إلى محافظة الشرقية واستمر بها حتى رقى إلى وظيفة وكيل وزارة فنقل على محافظة بورسعيد فى 1974 م وظل بها وطوال تلك الفترة لم ينس الشيخ الأماكن التى تردد عليها والناس الذين تربو على يديه

لهذا كان يقضى أجازته السنوية كل عام متنقلاً بين رحاب هذه البلاد وما جاورها فيعيد للناس صحتهم الروحانية وهمتهم الإيمانية وكانت البلاد والعباد والأطفال والرجال والنساء يفرحون بعودته رضى الله عنه وكان حتى غير المسلمين يحبونه ويجالسونه


خاتمة

وكما عهدنا عليه رضى الله عنه الوفاء حتى بعد رحيله ترك فينا رجل من رجالاته الذين صنعهم على عينه وهو الشيخ فوزى محمد أبو زيد رضى الله عنه الذى ورثه عنه كل أحواله ونال منهجه محبته ليكمل المسيرة المباركة ناشراً مبادىء دعوته سائر على قدمه مراعياً لأخوانه ومحبيه يرفع هذا بحاله ويجمل ذلك بأخلاقه حتى انتشرت الدعوة وعمت كثير من بقاع الأرض

نفعنا الله بم وحشرنا معهم وشهدنا الله جمالهم واسكنا الله قلوبهم حتى ينظر الله لنا فى قلوبهم

فيقرنا فضلاً   ومن اراد المزيد فعليه بكتاب  الشيخ محمد على سلامه سيرة وسريرة  لفضيلة العارق بالله الشيخ فوزى محمد ابوزيد


دوره فى علاج المشكلات المجتمعية

كان رضى الله عنه يرى أن أهم وظيفة للداعى المسلم هى المسارعة إلى إصلاح أى خلل يحدث فى المجتمع الإسلامى فضلاً عن إصلاح ذات البين أى معالجة ما يحدث بين المسلمين وبعضهم من نزاع أو خلاف لذا نجده رضى الله عنه كان لا يسمع عن مشكلة إلا ويسارع إليهم سعياً للتأليف بينهم وإزالة الشحناء والبغضاء من نفوسهم

أما بالنسبة للمجتمع الذى تعيش فيه وقد كثرت فيه المشكلات واستعصت على الحل فقد كان ينظر إليها نظرة فاحصة بنور الله الذى أتاه ويشخص الداء ويصف لها الدواء ، وكان جل اعتماده فى ذلك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكان يعتمد فى معالجة المشكلات أيضاً على الوضوح والراحة والدخول فى المشكلة مباشرة

المشكلات :

مشكلة العمل كان رضى الله عنه يرى يجب  ربط العامل بالله ربطاً يجعله يستجلى عظمة الله عز وجل ويراقبه وحده فى كل شأنه مراعياً فى ذلك الدقة  والالتزام واحترام المواعيد ومحاسبة المقصرين

وكذلك من المشكلات الغش وهو أمر منتشر بين العامة وكان يقول السبب فى تأخر المسلمين عن الحضارة والرقى هو الغش وكان يرى أن علاج هذا المرض الإجتماعى يكون بالإيمان وطهارة النفس

وكذا المشكلات الاقتصادية التى وكان يرى سب الأزمات الاقتصادية هى أصحابه الناس بأمراض الشح والبخل والثرة وحب الذات والمال والبطالة والهروب من أعمال الحرف وضعف الانتماء للوطن والتبذير والإسراف وكان من علاجها إقناع النظام الاقتصادى الإسلامى الحر وتحريم الاحتكار وتعرض لكثير من المشكلات ووضع لها الحلول النافعة كمشكلة المخدرات والمشكلة السكانية ومعاملة غير المسلين وقيمة الوقت والتهاون بالصلاة

كان رضى الله يحمل هموم المسلمين كلها على عاتقه فيقرأ الصحف اليومية وليعرف أخبار المسلمين وأحوالهم بتلمسها فيها فإذا أزعجته مشكلة تجله شارد الذهن يبدو عليه الوجوم ويقل نومه ويكثر من الدعاء والتضرع لله تعالى ولا يهدًُ له بال حتى ينهى هذه المشكلة

ومن هذه الهموم ما حدث فى حرب 1967 والتى انتكس فيها العرب أيام المسلمين وكان نجده يستغيث بالله ويتوسل إليه بسيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وظل على هذا الحال حتى بداية عام 1973 م فرأى فيما رأى النائم فى رؤية طويلة ومنها انه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشره بأن الفرج قريب ففرح رضى الله عهن فرحاً شديداً وكان النصر فى هذا العام

وعندما حان شهر رمضان كان فى بعثة فى السودان يوعظ المسلمين هناك خلال شهر رمضان ولما وصل هناك التقى بأخوانه من آل العزائم وحكى عنه الشيخ سيف نائب آل العزائم فى السودان فيقول فى يوم العاشر من رمضان وفى صباحه وجدنا الشيخ على غير عادته مهموماً محزوناً فسألناه عن سر ذلك والححنا فى السؤال فأخبرنا أن المعركة ستكون اليوم فى الساعة الثانية بعد الظهر وهو على هذه الحالة حتى انتهت المعركة وتحقق النصر

وكذلك لما نشبت حرب العراق وإيران وكان يدعو الله دائماً أن يطفى نار الحرب المشتعلة وكذلك عندما دخل حاكم العراق فى الكويت ولم يستمع لنصح الناصحين أخبرنا رضى الله عنه بأنه لابد من الحرب وسيندحر فيها حاكم العراق ووصف المعركة من بدايتها إلى نهايتها كراى العين وهكذا نجده رضى الله عنه يهتم بأمر المسلمين فى كل بقاع الأرض

وكذلك كان مشغولاً بالحال الذى ترون إليه الأقطار الإسلامية ولذا وضع التصور الذى يجب إتباعه لإصلاح أحوال المسلمين وخاصتهم من كبوتهم ولحاقهم بركب الحضارة وقيامهم بالدور الذى رضاه الله عز وجل وكان من هذا التصور الدعوة الروح للمجتمع الاسلامى

2- تطبيق الشريعة الإسلامية

3- العمل على نشر الإسلام بالطريقة السمحة



الاستعداد للقاء الله

أجرت وزارة الأوقاف مسابقة بين الأئمة فى موضوع من نواحى عناية الإسلام بالإنسان سنة 1990 م والجائزة رحلة حج مجانية وقد فاز رضى الله عنه بالرحلة وبدا الاستعداد لأداء فريضة الحج مسرورا وخاصة أن وقفة يوم عرفة فى هذا الاعان تصادف الجمعة 0 وودع أخوانه وأهله وكان يعرف رضى الله عنه أنها النهاية

فطلب من تلميذه الأستاذ فوزى محمد أبو زيد رضى الله عنه أن يحج مع أخوانه فى صحبته رضى الله عنه وألح فى الطلب وقال له من سيثبت الخوان فذهب معه

وبداً يلح أنه مسافر فى الحقيقة ليلقى الله عز وجل فى هذه الأماكن المقدسة تلبية لرغبته التى استجاب الله عز وجل له

وذهب إلى السويس ليسافر عن طريق البحر وكان فى وداعه بعض الأخوان وقد ناموا مبكرين ليلة السفر ليصبح الشيخ رضى الله مبكراً وفى الصباح بشرهم الشيخ وأمرهم أن يبشروا الخوان بما رآه فقد رأى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له أبشر وبشر أخوانك بأنك وكل من احبك معنا فى الجنة فقام رضى الله عنه مسروراً ، وسافر رضى الله عنه من السويس على الباخرة وذلك صباح يوم الأثنين الموافق  27  من ذى الحجة سنة 411 هـ - 10 من يونيه1990

وكان على الباخرة رضى الله عنه يقوم بنشاط غير عادى لشرح مناسك الحج وإرشاد الحجاج حتى وصلوا على جدة يوم الأربعاء 12 يونيه وأدى رضى الله العمرة يوم الأربعاء

ويقول الشيخ فوزى تلميذه ( ونحن مسافرون وقتها بالطائرة مساء الخميس مع أخوانا آل العزم بمغاغة ثم توجهتا إليه رضى الله عنه فى الصباح يوم السبت الساعة العاشرة صباحاً واستمتعنا بجلسته المباركة

مكث الشيخ معنا يوم السبت وكان مع حجاج بورسعيد وكان فى اللقاء وفد من حجاج محافظة كفر الشيخ فطلبوا منه رضى الله عنه أن يحدد لهم ميعاد يذهب إليهم ليشرح لهم المناسك فوعدهم على الساعة العاشرة صباح اليوم التالى مباشرة وهو يوم الحد ووصل لنا الشيخ فى فندق أم القرى حيث كانت الساعة الحادية عشر مساءً  فاحببنا أن يتوجه على التو ولكن رضى الله قال أريد ان اجلس معكم لحظات وطلب منا أن نذهب إلى حجرته ليستريح فصافحنا مودعاً على حجرته وكانت الساعة الواحدة مساء

لقاء الله

وبعد تناول الإفطار وتوجه رضى الله عنه فىبل التاسعة والنصف صباح يوم الحد الموافق 4 من ذى الحجة 1411هـ و 16 يونيه 1991 م وبرفقته الأخوين الكريمين الحاج عوض البشتيشى والحاج ناصر درويش وذلك للإلقاء محاضرة التى وعد بها حجاج كفر الشيح ورفض رضى الله ركوب السيارة قائلاً وما على أغبر قدمى فى سبيل الله ساعة ومشى يتحدث معم وفجأة وضع يده على كتفيهما وشق شهقة واحدة فاض على أثرها روحه على بارئها عز وجل لتنهى حياة رجل نذر نفسه وماله ووقته وبيته وكله لله عز وجل
وصَلَى اللهُ عَلَى سيدنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِه وسَلِّمْ تَسْلِيماً كَثِيراً
*************
من كتاب: (سيرة وسريرة): لفضيلة الشيخ/ فوزي محمد أبوزيد
رئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله – جمهورية مصر العربية – القاهرة



شارك فى نشر الخير