آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

التصوف بين التدين والسياسة (تركيا نموذجا)

عدد المشاهدات:

لعل التجربة التركية خير شاهد على النجاح الباهر للتصوف في زماننا هذا. فعلى الرغم من التضييق الذي مارسته السلطة الاتاتوركية فان مسلمي تركيا المنتظمين في الطرق الصوفية لم يحملوا السلاح ضد مجتمعهم بل دأبوا على الرفق والتربية حتى اخرجوا لتركيا الاتاتوركية
أفضل الأحزاب وخير الحكومات برفق ودون عنف.
الصوفية في تركيا:
طبقا لموقع التصوف الإسلامي فان الناظر إلى طبيعة التدين في المجتمعات التركية يمكنه بسهولة أن يرى آثار التصوف الواضحة فيه.
ولعل تفسير هذا يبدو سهلا إذا ما تذكرنا فضل الطرق الصوفية في دعوة الشعوب التركية المختلفة من أوزبك وأذريين وكرغيز وغيرهم ممن دخل الدين من باب التصوف. ولذلك دأب الأتراك منذ حديث عهدهم بالدين على حماية التصوف الذي كان بمثابة الحصن المنيع الذي يحتمي به الدين والبلاد معا من شتى الهجمات وسائر المخاطر.
حتى ان ـ مؤسسي الدولة العثمانية كانوا يعيشون - في مقاطعات غرب الأناضول - حياة ايمانية محاطة بالقوة المعنوية من جانب رجال العلم والتصوف الذين كانوا يلازمونهم
أما عثمان فكان شيخا صالحا تقيا، وكان للطرق الصوفية دور بارز في ادارة شئون الدولة وتأسيسها فكان شيوخ الطرق يعملون على نشر الاسلام وإعداد المسلمين للجهاد.
وقد تقلد الصوفية مناصب كبيرة في الدولة، ومن أشهر الطرق التي كان لها دور بارز في الدولة العثمانية الطريقة البكتاشية والطريقة الرفاعية والطريقة المولوية.
وكان السلاطين العثمانيون مرتبطون بشيوخ الصوفية وبالطرق والتكايا، وكان لأهل التصوف دورهم العظيم في الدفاع عن الاسلام وكان لهم نفوذ على الهيئة الحاكمة في الدولة ورقابة سياساتها.
وكان رجال التصوف يشتركون مع الجيش العثماني في فتوحاته وساهموا في تحقيق العديد من الانتصارات، وبصفة عامة كان التوجه الصوفي قاسما مشتركا بين جميع السلاطين العثمانيين فقد عرف عنهم التصوف وحب الصوفية .
الطرق الصوفية في تركيا
تمكنت كثير من الطرق الصوفية في تركيا أن تحافظ على وجودها رغم كل العقبات التي مرت بها، ولعل من أبرز تلك الطرق الطريقة النقشبندية والقادرية والخلوتية والعُشّاقية والجراحية والبكتاشية والمولوية.
وتشارك هذه الطرق في الحياة الاجتماعية ولبعضها علاقات ودور سياسي.وسنتطرق هنا لبعض من تلك الطرق المنتشرة :
الطريقة النقشبندية
تعد الطريقة النقشبندية أكبر الطرق الصوفية في تركيا من حيث عدد المنتسبين إليها، وينتسب معظم أهلها إلى الفرع المعروف بـ"النقشبندية الخالدية" التي أخذت اسمها من خالد البغدادي الذي توفي في القرن الـ19، ومن أبرز الجماعات المندرجة ضمن هذه الطريقة من يحسب لها أدوار اجتماعية وثقافية و سياسية فاعلة:
1- جماعة إسكندر باشا: التي كان لشيخها محمد زاهد كوتكو الذي توفي في العام 1980 دور مهم في تأسيس حركة الإسلام السياسي وفي مواجهة النفوذ العلماني في تركيا.
2-جماعة أرانكوي: ولم يكن لهذه الجماعة حزب سياسي يمثلها حيث آثرت العمل السياسي غير المباشر من خلال التوجيه والتأثير والوعظ الديني بسبب أحداث مانمان عام 1930 التي سامت بها الدولة المتصوفين سوء العذاب الأمر الذي جعل هذه الجماعة تمارس نشاطاتها باحتياط وحذر.
3- جماعة المنزل: نسبة إلى قرية المنزل التي كان يمارس فيها شيخ الجماعة النقشبندي محمد راشد أرول فعالياته الموجهة في جلها إلى محاربة العادات السيئة من الخمر والقمار وسوى ذلك، وقد حققت الجماعة نجاحا كبيرا في ذلك ما استقطب الزوار من داخل البلاد وخارجها الأمر الذي لم يرق للعلمانيين الذين انتهزوا فرصة انقلاب عام 1980 ليشدوا الخناق على تحركات شيخ الجماعة ونفيه، رغم حرصه على عدم التعاطي بالسياسة.
4- جماعة إسماعيل أغا: وتعود التسمية إلى مسجد إسماعيل أغا في إسطنبول الذي يؤمه شيخ الجماعة محمود أفندي، ويطلب من الراغبين في الانتساب إلى الجماعة أن يرتدوا العمائم والجبب والسراويل ومن الراغبات أن يلبسن العباءات، الأمر الذي يجعلهم في خندق صعب من خنادق المواجهة مع تيار التغريب خاصة مع صحافته التي تصوره على أنه مروق صارخ من مبادئ العلمانية.
5- السليمانيون: نسبة إلى شيخهم النقشبندي سليمان حلمي أفندي، وقد كانت أبرز فعالياته تعليم القرآن الكريم في أكثر الأوقات ضيقا على الحركات الدينية، وقد مارس ذلك في الخفاء وطور لتعليم القرآن وتحفيظه طرقا تنشئ القراء والحفاظ في وقت زمني قصير.
الجماعة النورسية
أما الطريقة النورسية ( نسبة إلى مؤسسها بديع الزمان سعيد النورسي),فقد شكّلت نوعاَ من جماعات التكامل والتضامن الاجتماعي، وهي من أكثر الجماعات الصوفية الإسلامية تأثيراَ على الحياة السياسية التركية.
 وقد تأسست على يد بديع الزمان سعيد النورسي الذي اشتغل بالتدريس في فروع ومناح علمية مختلفة، وسعى إلى إنشاء جامعة إسلامية في شرق الأناضول لخدمة الإسلام على غرار الجامع الأزهر، وتكون قادرة على تعليم الشباب العلوم الحديثة والعلوم القرآنية.
 ولكن مع انهيار الإمبراطورية العثمانية وقيام تركيا الحديثة على يد حكومة أتاتورك ثارت الأقاليم الشرقية في الأناضول عام 1925 ضد حكومة أتاتورك وطلب من سعيد النورسي الحرب ضد الحكومة إلا انه رفض إراقة دماء إخوانه في الإسلام, وشرع في كتابة "رسائل النور" التي تمحورت حول أبعاد خطر الفوضى الداخلية وتقوية أواصر المحبة بين تركيا والعالم الإسلامي، وإبعاد فكرة القومية والعنصرية، حتى إن رئيس وزراء تركيا عدنان مندريس وافق على نشر هذه الرسائل النورانية في ربوع الدولة التركية.
وحاول سعيد النورسي خلال حياته أن يفرّق بين أفكاره ودعوات الطرق الصوفية بقوله "إن رسائل النور تنقذ الإيمان والطريقة الصوفية ترفع درجات الولاية، وإنقاذ ايمان مؤمن واحد أفضل من ترقية عشرة مؤمنين إلى درجة الولاية".
ونظرا إلى أن تقدم المسلمين يتم بتنظيم الوقت والعمل، وتوفير الأمن والطمأنينة بين المسلمين وتيسير سُبل التعاون في ما بينهم. وكذلك تأسيس علاقة بين الدول الغربية للاستفادة من النتائج الحضارية وقبول تبادل الآراء من عالم النصرانية ضد الإلحاد العالمي.
وشرح حال الأمة الإسلامية بقوله "انها محاصرة بين غربتين، غربة زمان تتمثل في الأمة عن ماض حضاري مشرق، وقطع لروابط الثقافة الفاعلة.
وغربة مكان تتضح في بعد عن واقع حضاري معاصر وفجوة حضارية كبرى يصعب على الأمة الإسلامية تجاوزها".
هذا وقد تفرّقت الطريقة النورسية إلى خمس فرق بعد وفاة بديع الزمان سعيد النورسي العام 1960.
التجربة الصوفية التركية مثال معاصر وواضح على نجاح ورشد وربانية التصوف، وهذا كفيل بكنس كل الوحول التي يراد بها تلطيخ التصوف وتشويهه، وهو كفيل أيضا بإظهار حقيقة مناهضي التصوف ، وأنهم يقولون ما لا يعلمون، وإنهم إنما يخرصون
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير