آخر الأخبار
موضوعات

الاثنين، 6 يوليو 2015

- اليوم السابع من أيام الله: يوم الخلود

عدد المشاهدات:
والخلود هو البقاء الأبدي السرمدي، الذي لا نهاية له ولا يشوبه كدر انقطاع أو زوال، وينادى المنادى: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت. فتزيد بهجة أهل النعيم وسرورهم، وتعظم حسرة أهل الجحيم ويتضاعف حزنهم.
قال الله عزَّ وجلَّ تكريما للمؤمنين: ﴿ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴾، [34،ق].
أي ادخلوا الجنة بسلام، وفرح وأمان، وسرور وابتهاج، فإن ذلك اليوم هو يوم الخلود والحياة الباقية الدائمة في ظلال النعيم المقيم. قال سبحانه في بيان هذا النعيم الأبدي والخلود السرمدي: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾، [60-61،الصافات].
وإن أهل الجنة يتقلبون فيها في كل وقت في الدرجات العالية، والرقي والرفعة التي لا نهاية لها، فكل ساعة يشهدون لونا جديدا من ألوان الجمال الملكوتي، وينالون لذة جديدة من لذات الجسم والحس والعقل والروح، بحيث تتهنى كل حقيقة بما يناسبها من نعيم الجنة. قال تعالى: ﴿كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً﴾، [25،البقرة]. يعنى وأتتهم به الملائكة متشابها في اللون، مختلفا في الطعم والرائحة واللذة. ولا يزال حالهم وجمالهم وأنسهم متجددا على الدوام من غير تكرار لشيء من هذا النعيم. قال تعالى: ﴿لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾، [35،ق].
وقال صلى الله عليه وسلم: {إن الله أعد لعباده الصالحين في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر}[1].
وكان الخلود في هذا النعيم جزاءًا للمؤمنين، لأنهم لو طالت بهم الحياة في الدنيا إلى يوم القيامة، لاستمروا على إيمانهم وعلى صالحات أعمالهم، وما غيروا وما بدَّلوا، وما تهاونوا وما توقفوا، فكان جزائهم سعادة الأبد في الجنة وهي دار تكريم الله لأولياءه وأحبابه. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا﴾، [107-108،الكهف]. وقال جلَّ شانه: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، [25،البقرة].
وأما أهل النار من الكافرين والمشركين والضَّالِّين، والمغضوب عليهم والملحدين والمنافقين، فأنهم جميعا خالدون في عذاب الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، جزاءا بما كانوا يعملون.
وإنَّ العذاب يتجدد لهم، ويتنوع لهم على حسب كفرهم وأعمالهم، كلما نضجت جلودهم – يعنى احترقت من النار – بدلهم الله جلودًا غيرها من نفس أجسامهم ليذوقوا ألم العذاب، وبأسه وشقاءه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله لا يظلمهم شيئا، ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم وشركهم. وجحودهم وعنادهم، ومحاربتهم للحق وأهله، وتكذيبهم لله ورسله. والجزاء من جنس العمل، قال تعالى في شأن المنافقينَ:  ﴿لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾، [10،البقرة]. وقال جل شأنه في شأن الكافرين: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، [22-24،الانشقاق]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾، [6،البينة].
وكان خلودهم الأبدي في النار لأنهم لو طال عمرهم إلى أبد الآباد، لم يزدادوا إلا كفرا وجحودا وضلالاً، فكان جزاءهم على قدر كفرهم، وعلى سوء نياتهم التي أصرُّوا عليها، وشركهم الذي أقاموا عليه، ولو مكثوا في الدنيا ملايين السنين، لظلوا على شركهم وكفرهم. وأن مغفرة الله حظر عليهم قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾، [48،النساء].
هذا وإننا نؤمن بأن الله سبحانه قد قدَّر كل شيء في علمه القديم، وأن ما يجري في هذه الحياة الدنيا من شئون وأمور، صغيرة كانت أم كبيرة، قد أرادها الله عزَّ وجلَّ، وقدَّر وجودها في سابق علمه. وكذلك ما سيكون في الآخرة فإنه بمشيئة الله وقدرته، وأن العوالم كلها مربوبة لرب قوى متين، مريد عالم، حكيم قادر، وأن جميع الكائنات والمخلوقات في قبضته وتحت سلطانه وقهره، بيده الخلق والأمر، وبيده الخير وهو على كل شيء قدير.
وأن أهل السموات وأهل الأرض لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم شيئًا ولا نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله.
وان الله سبحانه خلق خلقاً للوفاء والصفا، وخلق خلقا للقطيعة والجفا وقد قال جلَّ شانه في كتابه العزيز: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾، [7،الشورى]. وقال سبحانه: ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾، [23،الأنبياء] وقد ورد في الحديث القدسي ما معناه أن الله عزَّ وجلَّ  يقول يوم القيامة لملائكته: ﴿يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب. يا عبادي: حضروا حجتكم، ويسروا جوابكم، فإنكم مسئولون محاسبون[2]. وقال جلَّ جلاله في شأن المؤمنين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾، [101-102،الأنبياء].

وقال سبحانه في شأن الكافرين: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾، [96،يونس].
وإن هذا التقدير الإلهي لحكمة عالية، هي الإيمان واليقين بكمال تصرف الله المطلق في جميع مخلوقاته، من غير شريك لا معين ولا مشير. فسبحان الله ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾، [15-16،البروج].
وإن أهل الجنة قد يسَّر الله لهم أسباب دخولها من الإيمان والعمل الصالح، والابتعاد عن كل ما حرم الله عليهم. وإن أهل النار قد أجرى الله أسباب دخولها على أيديهم من الكفر والشرور والآثام، والبعد عن كل ما يحبه الله ويرضاه من الإيمان بالله ورسوله والعمل الصالح.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {اعملوا فكل ميسر لما خلق له}[3]
جوابا لمن قال له ما معناه: يا رسول الله قد سبقت الحسنى لأهل الجنة، وحقت كلمة العذاب على الكافرين. فما فائدة العمل؟ فكان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث الذي تقدم.
وقدر الله أن تكون حياة الإنسان أبدية، لأنه أحسن صورة وأكمل حقيقة خلقها الله عزَّ وجلَّ  على معاني أسماءه وصفاته، وأخلاقه وكمالاته وجمالاته، وحمله جميع أماناته، فحملها دون بقية مخلوقاته. وأن الله عزَّ وجلَّ  قد أهله بذلك للحياة السرمدية، وخدَّم له عوالم ملكوته في الآخرة كما سخر له عوالم ملكة في الدنيا، ليعلم الإنسان قدره، وانه سيد مطاع بإذن الله في عالم السموات والأرض، في الدنيا والآخرة.
اللهم اجعلنا من الذين تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
وبذلك قد تم الحديث عن ذكر أيام الله والتذكير بها في هذه الرسالة القصيرة، ولعلني أكون قد وفيت ببعض الواجب على لأخواني المسلمين الذين أوجب الله على تذكيرهم وتذكير نفسي معهم: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، [55،الذاريات]. صدق الله العظيم.


خاتمة
هذه الأيام السبعة التي ذكرناها، هي أيام الله المجيدة التي ذكَّر الله بها عباده في القرآن المجيد، وذكر بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين، لتكون هذه الأيام ماثلة أمام أعينهم، واضحة لقلوبهم، فيأخذوا منها العبرة والفكرة، ويعيشوا على بينة من أمر هذه الأيام. قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأيام اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾، [5،إبراهيم].
والآيات هي الدلائل والعلامات، والمواقف والمشاهد، والعبر والعظات. والصَبَّار هو كثير الصبر على كل مصيبة ويعتريه من أمر الدين والدنيا. وهذا اللفظ يقول عنه علماء اللغة العربية صيغة مبالغة، يعني صبر بلغ القمة في القوة والتحمل، بعزم شديد وحزم أكيد. والشكور هو كثير الشكران على النعم المادية والمعنوية. فهو يشكر الله على ما وهبه من الدين وما أعطاه من الدنيا، وشكره هذا موصول بعضه ببعض، لا يكاد ينقضي شكر حتى يبدأ في شكر آخر، فهو في شكر دائم. ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾، [13،سبأ]
ولنعلم أن الشكور اسم من أسماء الله عزَّ وجلَّ، وصفة من صفاته، وان الذين يتذكرون أيام الله هم أهل الشكر على التحقيق والتيقين، وأنهم قد تخلقوا بأخلاق الله عزَّ وجلَّ، وتحلوا بجميل صفاته، فرضيَ الله عنهم ورضوا هم عن الله.
وكما أشرنا أن هذه الأيام السبعة هي أمهات الأيام، وإن كان هناك أيام لله في دنيانا هذه كثيرة جدا، أجرى الله فيها عجائب الأمور، وغرائب الآيات والمعجزات والكرامات، مثل أيام الرسل التي نصرهم الله فيها وهزم الباطل. والقرآن مليء بهذه الأيام العظام، وإن فيها لعبرة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. وكذلك أيام الإسلام المجيدة مثل أيام الحج، وأيام رمضان، وأيام مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأيام الإسراء والمعراج وعاشوراء وتاسوعاء، وأيام إنزال القرآن وليله القدر، وأيام الانتصارات والفتوحات التي فتح الله بها على المسلمين البلاد، وأدخل أهلها في دين الله أفواجا، ومثل أيام الجمعة والعيدين والهجرة ونحوها.
وإنني أرجو الله عزَّ وجلَّ أن أكون قد ألممت إلمامة ولو يسيرة بتلكم الأيام السبعة، ليرى آخى المسلم فيها بعض ما يطلبه من الوقوف على إخبار هذه الأيام، ولتكون هدى ونورا لروحي وروحه، نهتدي به في معرفة ما خفي عليا من أمر هذه الأيام، ولتكون وسيلة لطلب المزيد من العلم بها، فإنني لم أعرف عن هذه الأيام إلا قليل جدا، وفوق كل ذي علم عليم. قال سبحانه: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾، [85،الإسراء].
اسأل الله عزَّ وجلَّ أن يتقبلها منى، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وأن يغفر لي ذنوبي ما عملت منها وما لم اعلم، وأن يغفر لجميع المسلمين، إنه سميع قريب مجيب. وصلى الله على سيدنا مولانا رسول الله على اله وصحبه وسلم........ آمين.....وسلام على جميع الأنبياء والمرسلين  والحمد لله رب العالمين.



[1] رواه البخاري من حديث أبي هريرة.
[2] روى الديلمي عن معاذ إن الله تعالى ينادي يوم القيامة بصوت رفيع غير وضيع، يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين. يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون فأحضروا حجتكم ويسروا جوابكم فإنكم مسئولون محاسبون، يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب.
[3] رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن حنبل من حديث على وعمران بن حصين.


منقول من كتاب أيام الله 
لفضيلة الشيخ محمد على سلامة
وكيل وزارة الاوقاف ببورسعيد سابقا
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير